مقالات
" سيبيل " و " عشتار" تعويذتا نصرك يا بوتين
م. زياد أبو الرجا
3 كانون الثاني 2024 , 15:11 م

كانت الام الكبرى لاسيا الصغرى "سيبيل" حجر مقدس اسود في مقر عبادتها الرئيسي في فيرجيا.نقله الرومان الى عاصمتهم روما في احتفال تاريخي مشهود ارخ لانتقال عبادة سيبيل الى روما.و" عشتار" الكنعانية كان لها حجر ابيض في بيبلوس ومثله في قبرص ، وقد يتحول شكل الكتلة الحجرية الى عمود متطاول ومخروطي يظهر في النُصب والمنحوتات البارزة وقد علاه هلال.دخلت سيبيل روما تحت اسم  (( ماجنا - ماتر)) اي الام الكبرى وذلك عام 204 قبل الميلاد، عندما كانت الجيوش الفينيقية تتقدم نحو روما لحسم المعركة على الارض الايطالية. وكان ذلك اثر نبوءة لاحدى العرافات جاء فيها ان نصر روما سيتحقق بوجود الام الكبرى بينهم، وقد اوفد مجلس الشيوخ رسلا رسميين الى فيرجيا ، فجاءوا بحجر الالهة سيبيل الاسود الذي يعتبره الفرجيون عرش الالهة المقدس ، ونصبوه في احتفال رسمي وشعبي كبير فوق قمة البالنتين حيث معبد النصر .وبعد ذلك باقل من عامين خرج  هنيبعل( هانيبال) من ايطاليا فبنى الرومان لسيبيل معبداخاصا وانتشرت عبادتها مع حبيبها " اتيس" في جميع انحاء البلاد في مطلع العصر الامبراطوري، وقد لمس الرومان بركة الام الكبرى منذ العام الاول لاقامتها بينهم.اذ فاضت مواسم ذلك العام بخيرات لم تشهد لها البلاد مثيلا منذ زمن بعيد.اما القائد القرطاجي المتراجع فقد وقف على الشاطئ الايطالي قبل صعوده على اخر سفينة مغادرة ليلقي نظرة اخيرة على الارض التي كانت مسرحا لاحلامه وهو لا يدري ان روما العظيمة التي دحرت المد الشرقي العسكري قد فتحت ابوابها لغزو شرقي من نوع اخر غزو ديني اكتسبها دون قتال.ابتداءأ بالام الكبرى سيبيل وابنها وحبيبها اتيس القتيل ، وانتهاءا بنصر ساحق للشرق على الغرب على يد الام الكبرى مريم العذراء وابنها يسوع الصليب بعد بضع مئات من السنين.

تشكل روسيا الاتحادية التي تبلغ مساحتها اكثر من خمسة عشر مليون كيلومتر مربع وفيها اراض لم تطأُها قدم انسان من قبل وهي الاغنى في العالم بالخيرات والموارد الطبيعية, الزراعية والمعدنية ومصادر النفط والغاز والمعادن بكل انواعها .بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي  وتطور الرأسمالية الى اعلى مراحلها النيوليبرالية بقيادة امريكا صارت روسيا الاتحادية مسرحا لاحلامها للسيطرة عليها عبر تفتيتها الى عدة دول وتحويلها الى مناجم ومصادر للطاقة تمدها بكل ما تحتاجه لاستمرار هيمنتها على العالم.

اتخذت امريكا عدة خطوات بدأت بضم دول حلف وارسو للاتحاد الاوروبي وحلف الاطلسي وقامت بتفتيت يوغوسلافيا ثم انتقلت الى الخطوة الاستراتيجية الاكثر خطورة على روسيا بتهديد الامن القومي الروسي من الداخل حين انفقت المليارات على مافيات المعارضة العميلة .بعد فشل محاولاتها في زعزعة الامن الروسي من الداخل لجأت امريكا الى اخر الدواء " الكيّ"وراحت تغذي الروح النازية الكامنة في اوكرانيا والتي تمتد جذورها الى النازيين الذين وقفوا الى جانب النازية الالمانية اثناء غزوها للاتحاد السوفياتي.مضت امريكا قدما الى حد ان اصبحت جيوش هانيبال الاطلسي على حدود روسيا وابواب موسكو.قام الرئيس الروسي ومعه القيادة الروسية بالخطوة الوقائية الاستباقية لدرء الخطر الداهم واطلقت العملية العسكرية الخاصة في اوكرانيا وحددت الهدف الاستراتيجي الذي لا رجعة عنه مهما كلف الثمن بما في ذلك استخدام السلاح النووي(( خلق نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب وعادل)).

زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستشفى فيشنفسكي العسكري وتحدث مع العسكريين الذين شاركوا في العملية العسكرية الخاصة وفيما يلي ابرز  النقاط التي التي تحدث عنها:

١-البعض في الغرب يكتب علانية انهم يريدون تقسيم بلادنا الى خمسة اجزاء

٢- روسيا تريد انهاء النزاع في اوكرانيا ، ولكن بشروطها الخاصة.

٣- تمت رعاية نظام كييف لفترة طويلة من اجل تاجيج النزاع وتفتيت روسيا.

٤-الغرب لا يساعد العدو فحسب، بل هو في حد ذاته عدو روسيا.

٥- تدمير روسيا مستحيل ، وادراك هذه الحقيقة في الغرب ات لا محالة وبات يتفهم ذلك تدريجيا.

٦- لن نسمح للغرب من الحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.

٧- تطلق قوات كييف من 5 الى 6 الاف قذيفة عيار 155 ملم يوميا بينما تنتج الولايات المتحدة  الامريكية 14 الفا شهريا وهنا يصيبها الارهاق بقوة كبيرة.

٨- ضاعفت روسيا مخزوناتها من الاسلحة حيث تم انتاج واصلاح  اكثر من 1.6 الف دبابة في العام الواحد.

لقد سبق هذا اللقاء مع العسكريين لقاء بوتين مع مدير شركة الصناعات العسكرية الروسية " روستاخ" حيث قال لبوتين : لقد ضاعفنا انتاج الصواريخ الى خمسين ضعفا وانتاج العربات المصفحة الى اكثر من خمسة اضعاف الخ.

نحن ندرك منذ انطلاق العملية العسكرية الخاصة في اوكرانيا بان القيادة الروسية ستخرج منتصرة  لانها اعدت وهيأت كل العوامل والظروف الذاتية والتي تمسك بمتطلباتها البراغماتية العقلانية والخبرة الروسية بالاضافة الى العوامل والظروف الموضوعية التي تخضع للتقلبات والتغيرات التي يساهم في مجرياتها كل اطراف الصراع وتحتاج الى بذل جهود مضنية ومساع حثيثة والتي تتأثر بها الظروف والعوامل الذاتية سلبا في اطالة امد الصراع والاستنزاف والفشل او النجاح في تحقيق الهدف الاستراتيجي .

نزل حلف الاطلسي بقيادة امريكا الى الميدان الاوكراني بقضه وقضيضه، يحارب روسيا ولم يتورع عن استخدام كل ما لديه من امكانات فقام بنسف شريان الحياة " نورد ستريم" الذي يزود المانيا بالغاز .انضم الكيان الصهيوني القاعدة  المتقدمة للاستعمار العالمي في الوطن العربي وقام مرتزقته ومقاتليه بالقتال الى جانب النازيين الاوكران ، وشارك في مناورات الاطلسي على حدود روسيا الشمالية الغربية.كما قام اردوغان بتزويد اوكرانيا بمسيرات " البيرقدار"

ليس كافيا ان تقف الصين وكوريا الشمالية ودول البريكس على اهميتها مع روسيا. نعم لقد وفرت سوقا بديلة للاتحاد الاوروبي للغاز والنفط الروسيين وفشلت من خلالها محاولات حصار روسيا اقتصاديا وعزلها دوليا.لقد شكل الشرق الاوسط كعب " اخيل" بالنسبة لروسيا حيث تم اعادة احتلال امريكا للعراق وتفتيته الى ثلاثة اقاليم بالاضافة الى " لبننته"بترسيخ نظام طائفي بغيض وصار قاعدة الانطلاق الاطلسية في حربها على الدولة السورية بهدف تفتيتها .تعايشت روسيا وتساكنت مع حالة الستاتيكو في سورية  التي يربض فيها الجيش التركي على صدر ادلب وحليفته جبهة النصرة الارهابية وفي شرق الفرات قوات" قسد" الانفصالية مدعومة بالتواجد العسكري غير الشرعي الامريكي  وقاعدة التنف على الحدود العراقية الاردنية السورية والتواجد الروسي في قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية .صارت مهمة الجنرال الروسي في حمييم احصاء عدد الغارات الصهيونية على سورية وعدد الصواريخ التي اطلقتها والضحايا التي خلفتها.كما صرت تقوم باحصاء الخروقات التي تقوم بها طائرات التحالف الامريكي للبروتوكولات التي تحكم التحليق في الاجواء السورية تفاديا لاي صدام روسي امريكي.

عصف طوفان الاقصى الذي اطلقته المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام وسرايا القدس بالاوضاع السائدة في كل الاقليم وانتج تداعيات عالمية، وسحق اسطورة جيش الكيان الذي لا يقهر وعزز  دور محور المقاومة  وخلق اهم الظروف الموضوعية  لتسريع وتعجيل انتصار روسيا في اوكرانيا انتصارا ساحقا وبلا تاخير شريطة ان تتلقف روسيا هذه الفرصة وتحسن استثمارها.بما ان امريكا ومعها الاطلسي تواجه روسيا على المكشوف في اوكرانيا وتستخدم كل الظروف الموضوعية المتاحة الى جانب الظروف الذاتية .لذلك صار من اللازم على روسيا اكثر من اي وقت مضى ان تجابه الاطلسي على المكشوف في الاقليم بشكل عام وسورية بشكل خاص.لكي تتمكن من افشال مخططاته لتقسيم روسيا عليها ان تفشل مخططه لتقسيم سورية, على روسيا ان تكسر حالة الستاتيكو والتساكن السائدة في سورية وتوجيه ضربة قاصمة للوجود الامريكي غير الشرعي في التنف وشرق الفرات.كل ما هو مطلوب من روسيا من اجل انتصارها ومصلحتها في هذه الظروف الموضوعية المواتية ان تفعل منظومات ال S 300 وال S400 واغلاق الاجواء السورية وتحرمها   على الطيران المعادي وتقدم الغطاء الجوي للجيش العربي السوري ليحرر شرق الفرات من سيطرة قوات " قسد" الوجه الاخر لداعش.ان عملية في هذا الظرف من انكسار الجيش الصهيوني في فلسطين والتراجع والارتباك الامريكي سيتيح لسورية اعادة  سيادتها وسيطرتها على حقول النفط والغاز والثروة الزراعية والحيوانية التي تمد الشعب السوري بالطاقة اللازمة لتدوير عجلة الصناعة والغذاء.كما ان تحرير شرق الفرات سيفضي جدليا الى هزيمة المحتل التركي وجبهة النصرة الارهابية.

اذا لم تنتهز روسيا هذه الفرصة الذهبية سيكون من الصعب بل من المستحيل ان يتحمل الشعب السوري الموقف الروسي وسيضعه في الميزان للتقييم والامتحان.لن يكون بوتين ومعه روسيا في قلب السوريين مثلما كان جمال عبد الناصر ومصر ايام الوحدة مع سورية (( الجمهورية العربية المتحدة))  حين حملوا سيارة عبد الناصر على الاكتاف في شوارع دمشق .حين حاول القادة العسكريون والاداريون المصريون ان يتصرفوا كسادة لا كشركاء وقاموا بالانفصال ورقصوا فرحا بشوارع دمشق.

لم يعد مقبولا في هذه المرحلة المفصلية من الصراع الدائر في اوكرانيا والاقليم ان يقتصر دور الجنرال الروسي المقيم في حميميم احصاء الغارات التي يقوم بها الكيان على المطارات والقواعد السورية وعدد الخروقات التي يقوم بها طيران التحالف لبروتوكولات التفاهم  فوق الاجواء السورية.

فيا سيد الكريملين لا تدفع الشعب السوري لان يخرجوك من طرطوس وحميميم حتى لو ادى ذلك الى التقسيم الذي تخشى ان يحدث في روسيا .انظر الى ما حل في العراق من " لبننة" وتقسيم عرقي وطائفي واذا ما حصل ذالك في سورية لا سمح الله فستتجمد اساطيلك في المياه المتجمدة وستحرم من المياه الدافئة على المتوسط.

يا سيد الكريملين  اعقلها وتوكل ان سورية وفلسطين  الان هما " سيبيل وعشتار " هذا الزمان  احجز مكانا لهما في الساحة الحمراء في موسكو  لتدحر جيوش " هانيبال الاطلسية" فانت لست بغافل عما يحيكون ونحن اذ نذكر ان الذكرى تنفع المحنكين

م/ زياد ابو الرجا.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري