بقلم: عبّاس داخل حسن/ مركز التّنور الثّقافيّ/ فنلندا
كنتُ قد كتبتُ منذ سنوات مقالةً عن واقع الجوائز العربيّة في تعريج سريع على تاريخها وبعض أمثلتها الشّهيرة مروراً بأوّل أمثلة بزوغ فكرة الجوائز الإبداعيّة في العالم، مع توّقف عند حالة بعينها من الجوائز العربيّة، وهو توقّف استيضاحيّ في مخالفة علنيّة لهذه الجائزة لأحد شروطها لصالح انتقاءاتها العشوائيّة لبعض أعضاء لجان التّحكيم فيها، وهو الأمر الذي لفتَ نظري إلى الأمر، وجعلني أكتبُ ملاحظاتي عنه، ثم تمّ نشر مقالتي هذه في العدد 43 من مجلّة الجسرة الثّقافيّة القطريّة بتاريخ 31/3/2017، وقد حملت المقالة عنوان (جائزة البوكر مخالفة للشّروط).
لقد وصلتني –حينئذٍ- الكثير من الرّدود والتّعليقات من المشهد العربيّ المتابع لمشهديّة الجوائز حول مقالتي هذه التي عدّها البعض جريئة من رجل يحترم قلمه، ولا يلهثُ خلف الجوائز، في حين التزمت الجائزة حينها بالصّمت الملغز.
مرّت سنوات من متابعتي لمشهد الجوائز العربيّة بوصفي متابع فضوليّ دقيق، ومتقصٍّ طويل النّفس، فضلاً عن قربي من هذه الجوائز في ساحاتها الخلفيّة عبر الكثير من الخفايا التي أعرفها عنها من أكثر من طريق؛ عبر بعض المشاركين والفائزين وغير الفائزين والمطّلعين ولجان التّحكيم والقريبين من موقع القرار فيها، فضلاً عن قراءة مشهد الجوائز العربيّة المعلن أمام الجميع في كثير من تفاصيله التي تشي صراحة باللامعلن منه؛ فإنّني أستطيع أن ألخّص هذه المشهد في عمومه بصراحة ووضوح وتحدٍ بأنّه: مشهد مخزٍ ومقزّز من التّهريج والتّهافت الذي يتوزّع على التّنفيع والتّدليس والأجندات المسبقة البعيدة البعد كلّه عن النّزاهة والأحقيّة والعدالة والمصداقيّة ودعم العمل الإبداعيّ.
قبل أنّ أغوص في هذا المستنقع القذر الذي أنزل فيه -بمحض رغبتي ونزقي- على كره منّي، وأنا مَنْ لا يحبّ المساحات الوسخة، إلّا أنّني بطبيعتي متحدٍ وصلف، وأقول الصّدق مهما كلّفني، ولا أبالي، لا سيما إن كان هناك أمر يستفزّني حدّ التّوقّف عنده لغاية التّقيّؤ عليه وأكثر.
في هذا الصّدد يجب أن أشير إلى ثلاثة أمور لأخذ نفس طويل نقيّ، قبل الدّخول إلى وسخ المستنقع الذي اسمه الجوائز العربيّة المعاصرة:
في حديثي هذا عن الجوائز، أنا أتكلّم فقط عن الجوائز الإبداعيّة في حقول السّرديّات والشّعر والتربيّة والبحث العلميّ والنّقديّ في فلكهما، بما في ذلك الإعلام والفكر والفلسفة والسياسة والمنجز التّعليميّ والمحتوى التّكوينيّ المعرفيّ (العلوم والمعارف الإنسانيّة بشكل عامّ)، ولا أتطرّق أبداً إلى الجوائز في الحقول العلميّة النّظريّة أو التّطبيقيّة بتفرّعاتها وحقولها المختلفة؛ إذ لا اطّلاع لي عليها كي أحكم عليها، ومقالتي هذه لا تتوقّف عندها أبداً، وأترك الحديث فيها لمن هو على علم ودراية بها؛ ليدلي بدلوه فيها، ويطلعنا على حقيقة ما يدور فيها، وإنُ كنتُ -في مجمل الأمر- غير متفائل بالنّتائج؛ إذ إنّ العفن قد استشري في الجسد كلّه.
أنا معنيٌّ –كما أخبرتكم في بداية المقالة- بالحديث عن مستنقع الجوائز العربيّة المعاصرة؛ بذلك أنا أضع عيني في عيون الجوائز العربيّة التي تعيش في هذه المستنقع بشكل دائم أو مؤقّت، وأستثني من ذلك الجوائز العربيّة ذات الأداء القويم التي يُشهد لها بالموثوقيّة والرّصانة والانطلاق من الإبداع وصولاً إليه؛ فتلك خارج كلامي، وبعيدة عن سهام انتقادي، وأرفع لها قبعتي احتراماً وتقديراً، إلّا أنّ عددها قليل؛ فالغالبيّة انجرّوا إلى المستنقع بكامل إرادتهم وقرارهم، ومَنْ يصل إلى المستنقع لا يحقّ له أن يشكو من سهام كلامنا إن أصابته في كبد تدليسه، وله أن يحتجّ، ولي أن أعيد عليه الكرّه بالحجّة والبرّهان حتى أفنّد قوله كلّه، وأوهي حجّته، وأكسر قناته.
هذه المقالة إنْ كنتُ أتحفّظ فيها على إعلان الأسماء المباشرة لكلّ ما يرد فيها لغاية في نفس يعقوب؛ فإنّ ذلك لا يكاد يتجاوز صمتي الذي لا أعد بأن يستمرّ أكثر؛ ففي أيّ لحظة أنا مستعدٌّ لإعطاء أسماء وتفاصيل و(نشر الغسيل الوسخ) على حدّ تعبير السّوقة والدّهماء.
بناء على ما ذكرتُ أعلاه، أؤكّد –كما يعلم الجميع- أنّ الجائزة العربيّة في أيّ حقل كانتْ -شأنها في ذلك شأن أيّ جائزة في العالم- هي قيمة مضافة ومهمّة إلى رصيد أيّ مبدع أو جماعة مبدعة أو مؤسّسة مبدعة، لا سيما إنْ كانتْ تتوافر على رصيد تشجيع ماليّ ومعنويّ كبير؛ فهي تدعم المبدع، وتشجّعه في دربه، وكثيراً ما تكون عتبته الأولى إلى عالم الاعتراف به إبداعيّاً، لتكون بمثابة تأشيرة دخول له إلى أرض التّميّز، كما أنّها تدعمه، وتقدّمه في أفضل حلّة إلى مجتمعه الإبداعيّ الذي ينتمي إليه.
لن أطيل في هذا الحديث عن هذا الأمر؛ لأنّه كلام من جملة القول ومن معلومه ومدركه ومشهوره، وهو علمٌ يؤكده الجميع، ويشهد به الدّاني والقاصي، ولولا أهميّته لما تحدّثتُ فيه، وما تطرّقتُ إليه، وما تجشّمتُ في سبيله قرف النّزول إلى بعض مستنقعاته كي أبحث عن ضالّتي فيه، وهي الحقيقة التي أسمح لها بأن تخرج منّي بكلّ قوّة، دون مبالاة برضا من رضي، وسخط من سخط؛ فلا ناقة لي ولا جمل في الأمر؛ سوى أنّ العوج لا يروق لي.
يُقال –فيما سمعتُ أنّه يُقال- إنّ من العبث مناقشة الجدل بالجدل، لكنّني أعتقد أنّ من الأبلسة الطّوعيّة الصّمت على الخطأ، ومن التّواطؤ السّلبيّ معه أن نمرّ عليه دون أن نشير إليه، في خضمّ لغط كثير في الأمر، وعاصفة متوارية من حالة الغضب، لا سيما أنّ ما أسوقه من ملاحظات وتعريضات في هذه المقالة ليس رأي أحادي لي بصفتي الفرديّة، بل هو رأي مطروق في الأحاديث الخاصّة والعامّة، ويعبّر عن آراء وتساؤلات الكثيرين في المشهد الإبداعيّ العربيّ، ويتوزّع بينهم من همز ولمز وتعريض وإشارة وأسئلة واستفسارات واستنتاجات ومواقف وتصريحات.
أشهدُ أنّ الكثير من الجوائز العربيّة الإبداعيّة ذات الاهتمام بالحقول الإنسانيّة قد لعبتْ أدواراً مقدّرة ومهمة ونزيهة أو شبه نزيهة في دعم الإبداع والمبدع العربيّ، كما أشهدُ أنّ كثيراً من الفائزين بها ولجان تحكيمها والقائمين عليها يستحقّون الحصول عليها بما عرفنا من منتجهم، وما اطّلعونا عليه من تحف إبداعهم الذي شكّل لبنة مهمة في معمار الإبداع العربيّ. هذه الشّهادة على حدّ علمي ومعرفتي، والحجّة على الرّواي، والعذر لي أن أخطأتُ في شهادتي هذه؛ فهي حدّ ما أعلم، وأعرف.
لكنّني أشهد كذلك أنّ هذه الجوائز العربيّة المحترمة بالفائزين أهل الاستحقاق بالإدارات الحصيفة النّزيه هي قليلة إلى درجة عدّها على أصابع اليدين فقط، أو أصابع الرّجلين أيضاً في أحسن الحالات تفاؤلاً، أمّا الباقي من الجوائز العربيّة فقد أستقرّ –بمحض إرادته- في المستنقع، وآن لنا أن نشير إلى سقوطه.
الحقيقة أنّ هذه الشّهادة الأخيرة أنا متأكد منها أكثر؛ فمنطلقي في ذلك هو ما سأسوقه من معلومات وتفاصيل وملاحظات أدناه.
هناك الكثير من الكلام والملاحظات في موضوعنا هذا؛ إلّا أنّ ليس كلّ ما عُلم يُقال، لكنّني سأجمل ما يجدر الإشارة إليه في النّقاط التّالية، وأخال أنّني سأتوقّف في مقالات أخرى عن تفاصيل مزيدة؛ فجراب الحاوي يحتوي كثير من المفاسد، والبوح –أحياناً- ينتصر على الصّمت.
بنائيّاً وشكليّاً وتكونيّاً؛ فإنّ الكثير من الجوائز العربيّة الشّهيرة هي أساساً امتساخ لجوائز عالميّة، لكن في شكل قزم ومشوّه ومجوج؛ فإنّ كانتْ بعض الجوائز العالميّة الشّهيرة قد استطاعتْ أن تحقّق نجاحاً ومصداقيّة وموثوقيّة واحتراماً عالميّاً بفضل نزاهتها – إلى حدّ مقبول- في اختيار الفائزين بها بعد جهد حقيقيّ في اختيار الحقل أو الحقول واختيار الآليّة المناسبة والمعلنة لانتخاب الفائزين بها، فضلاً عن اختيار طواقم الإدارة والتّحكيم، ناهيك عن انطلاقها جملة وتفصيلاً من بيئتها ومبدعيها وأجناسهم الأدبيّة، فإنّ الجوائز العربيّة الممتسخة عنها لم تحقّق أكثر من السّقوط في التّقليد المفرغ من الجوهر والفكرة؛ إذ هي نقلتْ دون أن تعي، وماثلتْ دون أن تنتقي؛ فباتتْ نسخة فاشلة –بامتياز- من تلك الجوائز العالميّة النّاجحة، دون أن تراعي خصوصيّة مجتمعها وأدبائها وأدواتها.
ماذا استفادتْ تلك الجوائز العربيّة من أن تكون نسخة (أعرابيّة هجينة) من جوائز عالميّة؟! هي في الحقيقة لم تحقّق أيّ شيء سوى مزيد من التّعثّر والتّهريج وتحقيق الأجندات الأجنبيّة التي تتسّلط على إرادة تلك الجوائز حتى في اختيار مواضيع الفوز بها، واتّجاهات الفائزين المختارين لها، بل يصل التّهريج والتّنفيع إلى حدّ أنّها تدخل في اللّجان بشكل دوريّ ودائم محكمين أعاجم لا يعرفون حرفاً من حروف اللّغة العربيّة. فكيف يحكّم الأعجميّ عملاً إبداعيّاً ما مكتوباً بالعربيّة، وهو لا يستطيع أن يقرأ حرفاً من حروفها؟ فضلاً عن جهلة بطرائقها وأدبيّتها وأدبائها ومحدثيها؟
إذن وجود هؤلاء المحكّمين الأعاجم ليس أكثر من نوع من وصاية النّسخ الأجنبيّة من تلك الجوائز على النّسخة (العربيّة الأعرابيّة) منها في توليفة لا يمكن أن نصفها إلّا بالتّهريج والفوضى، كما أنّها تركّز أنّ الجائزة العربيّة غير قادرة على أن تلد نفسها، وأن تشبه مجتمعها، وأن تأخذ ملامح أهلها.
هذه غيض من فيض من تهريج هذه الجوائز المسوخ، ناهيك عمّا تنفقه (الجوائز المسوخ) من أموال طائلة لأجل مغازلة الجوائز الأجنبيّة العالميّة التي حاولتْ أن تلصق نفسها بها تذلّلاً ومهانة، فأخذتْ منها الرّؤية والاتّجاه والمواضيع والأدوات، فغدتْ أداة لهم في مجتمعنا، دون أن تعي مخاطر ذلك، وما يحمل هذا الأمر من تمريرات مسمومة إلى أدبنا ومجتمعنا ونشئنا، فضلاً عن تقليد الجائزة بشكل رديء.
لقد حاولتْ هذه الجوائز المسوخ أن تحفر لها وجوداً وحضوراً وشرعيّة في المشهد العربيّ المعاصر عبر قدراتها الإنفاقيّة الماليّة الباذخة في وسط مشهد أدبيّ عربيّ يتوق بحرقة إلى الحصول على الجوائز لاصطياد قيمها الماليّة في وسط إهمال للقلم المبدع، وتجويع للحرّ منه؛ فأصبحتْ هذه الجوائز قِبلة للمتنافسين عليها طمعاً في نقودها الباذخة مقارنة مع ضحالة وندرة مصادر التّغذية الماليّة لمعظم المبدعين العرب، لا سيما المبتدئين والمبدئيين منهم.
هذه الجوائز شوّشتْ على المشهد الإبداعيّ، ووهبتْ حظوظاً لكثير من صنائعها من الكتّاب المرتزقة، ولا أقول المبدعين، وانحازتْ لصنائعها ومريديها والمطبلين لها، وأقصت الأقلام المبدعة لا سيما إن كانتْ شريفة لا تكتب ما يروق للجوائز، ولا تغازله بمواضيع يمليها المشهد الآخر المعادي لقيمنا وأفكارنا ومصالحنا القوميّة وخطوطنا الجمعيّة الحمراء؛ فهي أقلام حرّة أبيّة تغرّد خارج سرب الغربان، ومع تقديري الشّخصيّ لنبل طائر الغراب.
كان الأولى لتلك الجوائز أن تكون ذاتاً عربيّة متفرّدة، لها خصوصيّتها وأصالتها واتّجاهاتها الواضحة لأجل إبراز خصوصيّة المبدع العربيّ في مجتمعه وقضاياه وأولويّاته، دون انقطاع عن الآخر، أو إنكار له، ودون الانقياد له، وتقليده على حساب هويتننا وشكلنا وأولوياتنا وسحننا؛ فنحن لا نريد جوائز عميلة ذات أجندات متصهينة أو شاذّة في أحسن التّوصيفات.
2- الكثير من الجوائز العربيّة لوّثت المشهد الإبداعيّ العربيّ بالكثير من التّهريج والتّسخيف والتّسطيح والتّهافت عندما جعلتْ نشاطاتها على هامش جوائزها هي مكافآت ترضية لعصاباتها من فئة (كتّاب تحت الطّلب)، ومرتزقة الأقلام، والمطبّلين والمزمّرين والرّاقصين، وغيرهم من سقط متاع الإبداع والقلم والفكر والمبدأ، فزحمت المشهد بوجودهم، وفرضتهم على ذائقيّة المتلقّي، ونحّتْ بوجودهم الأقلام المبدعة والوجوه المشرّفة لأدبنا وفكرنا وإعلامنا وفلسفتنا وقلمنا، فأنفقتْ –خبط عشواء- لحشدهم على قصعتها المغرية بما يقدّمونهم من ترويج وحضور في الفعاليّات الأدبيّة والفكريّة والفلسفيّة والتّربويّة والإعلاميّة، بل وأفردتْ لهم مساحات في الصّحف والمجلّات والكيانات الأدبيّة والتّربويّة والإعلاميّة والفكريّة؛ ليظهروا بأنّهم وجه الحضارة العربيّة المعاصرة، ولسانها النّاطق بما أردوا أن ينطقوا به من زعزعة فكر الأمّة العربيّة الإسلاميّة، وتشويه تاريخها ورجالاتها ودينها وفكرها وأخلاقها وموروثاتها، وقدّموا امتساخاتهم هذه، وأفكارهم المسمومة عبر المنابر التي وُهبتْ لهم في سبيل ذلك تحت غطاء الجوائز والإبداع والتّجديد في الحقول جميعها؛ فقاموا بدورهم الوسخ على خير ما جُنّدوا له، على حساب الإبداع الحقيقيّ وعلى حساب المبدعين العرب الذين غابتْ وجوههم وأقلامها ومواقفهم في اغتيال مقصود لهم؛ ليتسع المكان للرداءة والسّقوط وجموع الفسدة والمفسدين ولَمَم الدّروب والأقلام ومرتزقتهم.
3- الكثير من الجوائز المملوكة لأفراد لا مؤسسّات أو جهات اعتباريّة مستقلّة هي تقدّم ترفاً مشهديّاً فائضاً، حتى ولو كانت كي تظهر على أنّها تقدّم إضافة إلى المشهد الإبداعيّ، لكنّها –في جلّ الحالات- تفرض أجندة صاحب الجائزة، كما تشكّل أداة من أدواته، أصلحتْ تلك الأداة أم فسدتْ؛ فتغدو تلك الجوائز نوعاً من أنواع الصّالونات العشائريّة أو الجهويّة أو المناطقيّة أو الإقليميّة في أوسع نطاق، أو مضافة على أحسن توصيف، يجلس فيها ثريّ ما، أو متنفّذ بشكل أو بآخر ليعيش زهوة الجلوس على عروش الإبداع، وهو لا يستحقّ ذلك أدنى استحقاق، فقط لأنّه يملك المال يفعل ذلك.
فيدير هذه الجائزة بمنطق إدارته لأملاكه وتجارته ومكانته ونفوذه؛ فيعطي مَنْ يُعطي، ويمنع مَنْ يمنع، ويحشد له مَنْ يحشد، ويحشد ضدّ مَنْ يريد أن يحشد ضدّه من شاء من مرتزقته من متعاطي الكتابة، دون أن يبالي بالإبداع وأدواته وحقيقته؛ فهو أبعد النّاس عنه.
في الغالب هو يستقطب حوله –قصداً- جمهوراً من المتنفّعين الأوغاد الذين يهوّلون له تقدير حجمه ومنزلته في الإبداع، ويخلعون عليه لقب كبير الأدباء أو الكتّاب أو المربّين، ويوزّع مال جوائزة المضحكة على مريده من الأهل والأحبّة وآخرين ممّن نعرفهم من وسخ المستنقع، ويبذل المكافآت الكبيرة لهم، فيسافرون، وينتدون، ويجتمعون، ويصدّرون مؤلفات على حساب هذه الجوائز المملوكة لأشخاص يريدون أن يشتروا عباءة الإبداع بأيّ ثمن كان، كما يشترون في كثير من الأحيان الألقاب الأكاديميّة ليستروا بها عري جهلهم المعلوم عند الجميع على الرّغم من ذهبهم اللّامع وألقابهم الإبداعيّة والأكاديميّة الرّنّانة.
لقد شوّه أولئك الأثرياء أو المتنفّذين الكثير من الجوائز، كما أنفقوا أموالهم –بغبائهم وانحطاط نيّاتهم- على هدم مشهد الإبداع؛ لأنّهم دون إبداع، ولا يعرفون شيئاً عنه، بل لا يستطيعون تمييز المبدع من غيره؛ فتركوا لنا حصاداً مغشوشاً من الفائزين والفعاليّات والإصدارات التي شوّهت المكتبة العربيّة، وهدمتْ ذائقيّة نشئها ومتلقيها، ووزّعتْ ألقاب الفوز ونقودها على مَنْ هبّ ودبّ من أدعياء الإبداع، وحشرتهم حشراً في مشهديّة الأدب العربيّ، وزادتْ من عدد المتهافتين فيه وعليه؛ فزاد حجم جسد الإبداع المزعوم على حسب نوعه؛ فغدوا أولئك الأدعياء كتلاً سرطانيّة قاتلة في جسد الإبداع العربيّ.
إلّا أنّ كلامي هذا لا ينفي وجود جوائز شخصيّة محترمة، ولها اعتبارها، إلّا أن أدوارها التّأثيريّة الايجابيّة في دعم الإبداع العربيّ هي قليلة جدّاً؛ لمحدوديّة الموارد الماليّة التي تتوافر عليها، وهي المعامل الأهمّ في التّأثير والفعل في الحراك الإبداعيّ في الوطن العربيّ وفي كلّ مكان، شئنا أم أبينا.
جملة القول، أنا لستُ ضدّ أن يجيّر بعضاً من مال الأثرياء العرب لصالح الأدب والثّقافة والعلم والإعمار، بل هذا ما يجب أن يكون، وهو موجود فعلاً بشكل جدّي ونافع ومفعّل في كثير من دول العالم المتقدّم التي نجحتْ نجاحاً مبهراً في هذه التّجربة الرّياديّة، وخرطتْ أثرياء المجتمع في بناء معمارها النّهضويّ عبر التّبرّع ببعض مالهم لذلك؛ وشجّعتهم على ذلك بجعل هذه الأموال مقتطعة من ضرائبهم، فضلاً عن التّقدير المجتمعيّ والخلود الذي يحصلون عليه من مجتمعاتهم نظير هذا الفعل الإيجابيّ الذي يجعل منهم نجوم مجتمع وأبطال من الصّف الأوّل، ويشجّع الكثيرين على أن يحذوا حذوهم.
لكنّني ضدّ تسلّط بعض الأثرياء العرب على مشهد الجوائز والكثير من المشاهد العربيّة الحسّاسة في الفكر والإبداع والفلسفة والتّخطيط التّربويّ إلى حدّ تسليع هذه الحقول، والإسفاف، والهبوط بها إلى الدّرك الأسفل، بدل الارتقاء بها؛ فليس من حقّ أيّ ثريّ عربيّ أن يفرض علينا أن نشهد له بالإبداع، وأن نخلع عليه ألقاب الإبداع والأكاديميّة والفكر، وغيرها من الألقاب الثّمينة التي لا تليق إلّا بأهلها العترة المبدعين لمجرّد أن يستطيع أن يشتري أن جائزة، أو أن يخلق أخرى بماله ونفوذه وسطوته.
التّهافت على الجوائز العربيّة قد جرّأ الكثيرين من اللاّهثين خلف المال والشّهرة على الكتابة الإبداعيّة والفكريّة والتّربويّة؛ فكوّنوا جيوشاً من أدعياء الإبداع في الحقول جميعها.
هذا الأمر بحدّ ذاته ليس خطيراً أو مشيناً، بل هو في حقيقة الحال تشجيع للحراك الإبداعيّ والثّقافيّ والفكريّ لعربيّ على اختلاف أطيافه وحجومه ومستوياته، لكن الخطورة تكمن فيه عندما يتحرّك راكد المستنقع، وتفّعل الواسطات والمحسوبيّات والتنّفعات ومكائد عصابات المشهد الإبداعيّ؛ فتذهب الجوائز لغير مَنْ يستحقّها، ويُحرم المبدعون الحقيقيون منها؛ لأنّهم خارج خارطة المصالح والأجندات والتّصانع والعمالة الإبداعيّة؛ عندها –يحدث ما هو موجود الآن بالفعل- يضجّ المشهد الإبداعيّ بعاهات الكتابة والإبداع، ويُروّج لهم بإصرار، ويلوّثون أبصارنا برؤيتهم المفروضة علينا عبر شاشاتنا وصحفنا وفعاليّاتنا، في حين يتوارى المبدعون الحقيقيون جبراً، ويركنون في الظّلّ في أشدّ حالات التّعتيم عليهم، والمحاصرة لهم، والفتك بهم إلى حدّ ملاحقتهم، أو تجويعهم، أو حرمانهم من الكتابة أو الإبداع أو التّواجد على سطح المشهد الإبداعيّ والعربيّ حتى ولو على مستوى الظّهور، ويمكن الانحطاط في تهميشهم إلى حدّ تسليط الذّباب الالكترونيّ والإعلاميّ على تحقيرهم، أو الاستخفاف بهم، أو تجاهلهم الكامل في أحسن الأحوال.
لكن يظلّ ناموس الطّبيعة العادل هو السّاري والمسيطر مهما حاول الكثيرون تجاوزه؛ ففي النّهاية يبقى الخلود من نصيب القلم المبدع، في حين يذهب الرّديء إلى مزبلة التّاريخ، ويسقط في النّسيان مع الوقت.
أين الجيوش العملاقة من الفائزين بالجوائز العربيّة على اختلاف أنواعها وتوجّهاتها وفروعها؟ لم نعد نسمع عنهم أيّ شيء، بل إنّهم قد ذابوا تماماً، حتى لا نقرأ أيّ خبر عنهم، كما لا نرى صورهم الشّخصيّة تلاحقنا في وسائل الإعلام أو التّواصل الإلكترونيّ، وبكلّ تأكيد لا نقرأ لهم أعمالاً إبداعيّة جديدة، بل الحقيقة أنّنا حتى أحياناً لا نستطيع أن نجد أعمالهم الفائزة لنقرأها، ونطّلع عليها، وكأنّهم يتقصّدون أن يخفوا هذا الأعمال الفضائح كي لا نعرف مقدار تهافتهم، ومقدار سخافة مَنْ وهبوهم الجوائز في إشارة واضحة إلى أمرين لا ثالث لهما، إمّا أنّ مَنْ أعطوهم الجوائز قد وهبها لهم عن سبق إصرار وغشّ وتواطؤ معهم لسبب أو لآخر، أو أنّ مَنْ قلّدوهم هذه الجوائز هم جهلة لا يميّزون بين الغثّ والسّمين، والنّتيجة واحدة في الحالتين، وهي إعلاء الرّديء، وتحيد الجيّد من الإبداع.
لكن في المقابل نجد القلّة من الفائزين الذين يستحقّون الجوائز عن جدارة ونزاهة واقتدار ينالون حظوظهم مرّة تلو الأخرى من التّميّز والنّجاح، ويوالون الاستمرار في مشاريعهم الإبداعيّة في النّور والفضاء الرّحب، دون التّواري والاختفاء مثل الفائزين المزوّرين الذين سرقوا ما سرقوا من جوائز، ولاذوا بها إلى الظلّام راجين من اللّه عزّ وجلّ أن لا ينفضح أمرهم، وأن لا يتذكّرهم متذّكر، وهذا ما كان.
5- الكثير من الجوائز العربيّة مصابة بعقدة الدّونيّة بامتياز، حتى ولو توافرتْ على أرصدة ماليّة مليونيّة وشيكات مفتوحة للصّرف، واستقدمتْ جيوشاً من المعاونين والواجهات الصّناعيّة البلاستيكيّة؛ لذلك هي لا تملك قرار الاختيار، ولا تستطيع حتى أن تفرز مبدعاً جديداً، أو أن تنتخب موهبة وليدة؛ وبذلك –هي بطبيعة الحال- لم تشارك فعليّاً في رفد الإبداع العربيّ بقلمٍ مبدعٍ واحدٍ، إنّما شاركتْ –عن عناد وجهل وشعور بالدّونيّة- في تكريس أسماء مترهّلة متحنّطة منذ زمن؛ فهذه الجوائز لا تستطيع أن تخرج من عباءة السّائد والتّقليديّ؛ لذلك هي تكرّر دائماً اختيار ذات الأسماء التي عفا عليها الزّمن، وتقلّدها جوائزها مرّة تلو الأخرى، بوصفها أعمدة للثّقافة والإبداع، مصمّمة على أنّ العربيّة وأهلها لم تلد غيرهم.
طبعاً، هذا غير صحيح دون إيراد حجج لذلك؛ فغنيٌّ عن الذّكر أنّ الأمم الإنسانيّة جميعها ولّادة، وأنّ الإبداع حالة متجدّدة في البشر والأمم والحضارات، وغير مقصورة على شخص بعينه، أو جيل بذاته، ومن الطّبيعيّ أن يرث الخلف المبدعين إرث السّلف المبدعين، وأن ينالوا حظوظه في الفوز والتّقدير والمساحة الإبداعيّة له.
أدركُ تماماً أنّ الزّمان يجود أحياناً بفلتات إبداعيّة استثنائيّة تشكّل حالة سَبْق في الإبداع والتّميّز، وهي تتوافر على مواهب متعدّدة، تجعلها تحظى بالتّكريم المستمرّ، كنا تستحقّ حصاد الكثير من الجوائز إلى حدّ محيّر.
لكن السّؤال المهم؟ كم يمكن أن تتكرّر هذه الحالات المعجزات؟ أكيد عددها قليل، ولا منطق في أن تتكرّر هذه الحالات في كلّ جائزة؛ عندها يصبح الأمر ضرباً من ضروب التّهريج الهابط.
أنا لا أنكر حقّ الأوائل أو البعض من بعض التّكريم، وإن كان الكثير منهم لا يستحقّه؛ لأنّ معظمهم قد سقط سقوطاً قدريّاً (وظيفيّاً) على الإبداع وعلى المشهد الإبداعيّ، وسُلّط عليه بقوّة أو أخرى، ونال فيه ومنه ما لا يستحقّه من تقدير ومناصب واحتفاء ومال وإعلام، في وقت كان هو فيه موجوداً في مشهد خواء يمكن أن يمتلأ بأيّ صفر كان.
فما معنى أن ينال أحد ما في رتبة وظيفيّة حكوميّة أو منصب أكاديميّ يضعه على رتبة مبدع أو مفكّر أو مصلح أو متميّز ليحصد جلّ الجوائز العربيّة الشّهيرة والمهمّة في حقول إبداعيّة شتّى، أو عن سائر منتجه المزعوم؟
أليس هذا ضرباً من التّهريج والتّنفيع والأجندات؟ فضلاً عن شعور الجائزة بدونيّتها؟ فهي تنقل من الجوائز الأخرى خياراتها، وتكرّم من كرّموا من قبلها، وتفوّز من فوّزوا سابقاً، وتعيد ما فعلوا قبلها، دون أن تمتلك الجرأة المحمودة لتنتخب اسماً مبدعاً حقيقيّاً لتكريمه إنْ لم يسبق أن كرّمته أو فوّزته أيّ جائزة عربيّة شهيرة، ولا أقول محترمة أو اعتباريّة، فيكفي أن أقول شهيرة.
أضحك كثيراً حدّ التّقيّؤ عندما أرى الوجوه ذاتها من رجالات الجوائز ونسائها (مع تحفّظي الكبير على توصيف رجال ونساء) الذين فازوا بالجوائز العربيّة الشّهيرة ذاتها في الحقول الإبداعيّة كلّها، وأتساءل: ماذا يملك هؤلاء مبرّراً لهذا الفوز كلّه؟ علماً بأنّ كثيراً منهم لم يتجاوز منجزه عملاً أو آخر كان الأولى به أن لا ينشره لسخافته وتهافته وسقوطه.
عندما نرى وجوه رجالات ونساء الجوائز المزورين تتهافتْ على احتفاليّات وفعاليّات ومناسبات تلك الجوائز والقائمين عليها، كما تربطها علاقات مشبوهة وغير نزيهة في أصحابها وإداراتها ولجان تحكيمها أستطيع أن أفهم كيف حصلوا على تلك الجوائز دون استحقاق أو جدارة، وتزداد رغبتي الشّخصيّة والقويّة في ركلهم لأدفعهم إلى أعمق أماكن المستنقع، ويروق لي أن أبصق عليهم، وعلى مَنْ أعطاهم تلك الجوائز.
6- الأمر ذاته الذي ذكرناه عن رجال الجوائز ونسائها دائمي العضويّة والفوز والحضور في الجوائز جميعها في الحقول جميعها في السّنوات كلّها في لعبة تهريج سخيفة لا يقبلها عقل راجح، ولا يرتضيها إدراك طفل صغير فضلاً عن قارئ نبيه أو متلقٍ حصيف أو متابع مستقصٍ أو وازن محترف، هو ينطبق على طواقم الجوائز وإداراتها ولجان تحكيمها، فمَنْ يتابع بتفصيل ودقّة هذا الأمر، سيصاب بالدّهشة، وهو يصطدم بأن كوادر الكثير من الجوائز ولجان تحكيمها تتكوّن من ذات الأسماء التي تجدّ الجوائز فيها عبقريّة منقطعة النّظير لتكون محكّمة للإبداع العربيّ كلّه من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، ومن حقولها إلى تفريعاتها.
كيف توافر لتلك الطّواقم الإداريّة والتّحكميّة ما لم يتوافر لغيرها من بشر من هذا الاطّلاع وهذه القدرة على الفرز والتّحكيم؟ أيّ علوماً تلقوها؟ وأيّ معارف أحاطوا بها؟ وأيّ أوقاتاً وقدرات ومواهب يملكون ليستطيعوا أن يفرزوا أدب الأمّة العربيّة والنّاطقة بالعربيّة كاملة؟
لا يمكن تسويغ هذه الحالة وتفسيرها إلّا بمنطق التّهريج والانحطاط والتّسويق الرّخيص وعمل المافيات، فضلاً عن (جحشنة) أصحاب الجوائز وجهلهم المبالغ فيما يفعلون؛ لتقتنع بتكرار هذه الطّواقم والأسماء ذاتها دون غيرها، في حين يستغلّ الطّابور الخامس الأعرج من مافيات الإدارات والتّحكيم في الجوائز جهل أصحاب الجوائز ولجانها العليا، ويقدّمون أنفسهم على اعتبار أنّهم درّة الزّمان وجوده عليهم وعلى البشريّة جمعاء، ويفرض أحدهم الآخر، ويناديه من منطلق (شيّلني بشيلك، وحمّلني بحمّلك، ونفّعني بنفّعك، وحكّ لي بحكّ لك، ودرهمني بدرهك، واذكرني بذكرك، واعزمني بعزمك، وفوزّ حبايبي وأصحابي، بفوزّ حبايبك وأصحابك، ومَنْ أفاد استفاد، وكي تستفيد افعلْ ما لا يفيد)، يعني يمكن تلخيص الحالة على أنّها (تنادي كلابٍ وعواء ضباعٍ)، من منطلق (أنّ الذّئاب لا تهرول عبثاً)، وإن كنتُ أرى أنّهم ضباعاً لا ذئاباً؛ فهم لا يملكون ملكات الذّئاب وإبائها وإخلاصها ونبلها، بل يملكون خسّة الضّباع، وتكالبها على الأضّعف، وتقاسمها نهش الفطائس والجيف.
فماذا تكون النّتجة؟ إنّها بكلّ تأكيد نتيجة تتمّثل تماماً في واقع الجوائز العربيّة الذي تسود فيه المحسوبيّة والتّهريج والتّصانع والأجندات والمصالح، وتسيطر عليه المافيات من الإدارات وجهات التّحكيم التي تصدّر لها كلّ معتوه ومريض بمرض اسمه الإبداع، وهو حالة من الفصام الاختياريّ والحمل الكاذب الذي يدفع المشهد الإبداعيّ ضريبته.
بل إنّ التهريج يصل إلى حدّ أن تحتوي اللّجان على أسماء متعفّنة يعلم الجميع سقوطها وسيرها المخزية، من متحرّشين جنسيين ومتصهينين عملاء وشاذّين وسرّاق أعمال أدبية وأبحاث علميّة، وشارين شهادات ورتب علميّة وأعمال أدبيّة، ومنتحلي أعمال غيرهم، ومطرودين بفضائح من أعمالهم ومؤسّساتهم وجامعاتهم الأمّ وبلدانهم الأصليّة، وخلعاء من أسرهم وأوطانهم، والكثير الكثير من زبالات المجتمع وأراذله الذين لم تستطع أشهر الجوائز أن تمحو سيرهم المشينة التي لطّختْ سُمع تلك الجوائز بالعار والتّشكيك.
لكن تلك الزّمر الفاسدة ما بالتْ بالأمر، واستمرّتْ بالتّنفّع والتّنفيع في تلك الجوائز من منطلق (الفريسة سهلة) ما دام أصحاب الجوائز والجهات العليا فيها جهلة، ولا يعرفون عن الإبداع شيئاً سوى حضور حفلات توزيع الجوائز، والابتسام في صور الصّحافة.
لذلك لا عجب أن نجد أنّ الكثير من الفائزين بالجوائز هم من أقارب لجان الإدارة في الجوائز ومحكّميها، أو من أصدقائهم وأهاليهم وأبنائهم وزوجاتهم وشركائهم في العمل والوظائف الأساسيّة لهم، وفي أحسن الأحوال هم من مواطنيهم، ومن أهل جلدتهم.
أقلّ ما يمكن أن يكون من فساد تلكم الإدارات والمحكمين أن يستدعوا من طرفهم من من يلصقونهم في وظائف دائمة أو جزئيّة مدفوعة الأجر في الكثير من أجنحة الجوائز ومرافقها، مثل: طواقمها الإعلاميّة وضيوفها ومجلاّتها وصحفها ومواقعها الإعلاميّة على شتّى أنواعها، دون نسيان تأكيد مبدأ (تبادل الخدمات والإكراميّات والتّنفّعات).
أمّا الحديث عن الأجندات بأنواعها جميعاً، لا سيما السّياسيّة والدّينيّة والطّائفيّة والحزبيّة والولائيّة، وهيمنة تابوات المجتمع وخطوطه الحمراء على مشهديّة الجوائز العربيّة، فهو أمر خطير يطول الشّرح فيه، ويُقال فيه ما يُقال، وهو الأقلّ، ويُسكتُ فيه عمّا يُسكت طوعاً أو جبراً أو تحفّظاً، وهو الأكثر.
فالجوائز العربيّة هي (كشكول) الأجندات العربيّة وغير العربيّة؛ فلا يمكن أيّ يفوز فائز إلّا بتوافقه قصداً أو صدفة مع هذه الأجندات، حتى الذين يفوزون بجوائز من خارج الأجندات؛ فهم يفوزون بها لأنّ سياسة الجائزة استدعتْ تفويز مَنْ هو أو مَنْ هم من خارج أجندتها لسبب أو لآخر، أهمّه ذرّ الرّماد في العيون.
لذلك نجد الجوائز على اختلاف أنواعها وأشكالها وفروعها تساير هذه الأجندات، كما تساير أجندات المحكمين وجهويّاتهم ومصالحهم وتخادماتهم، وتخدم أفكارهم ومصالحهم، إلى حدّ أنّ الجوائز تُعرف بجنسيّات المحكّمين؛ فتذهب دائماّ لذات الجهات والبلاد.
عندما كنتُ أكتبُ مقالي هذا، أعني عندما كنتُ أتقيؤه لأتخلّص من عفونته التي تعكّر مزاجي، قرأتُ خبراً في الصّحف العربيّة زاد تصميمي على نشر هذه المقالة، وهو أنّ جائزة عربيّة أعرابيّة وليدة قد أعلنتْ عن انطلاق دورتها الأولى بميزانيّة فوق مليونيّة من الدّولارات، ورصدتْ جوائز عملاقة للفائزين بها في فروع علميّة وأدبيّة وتربويّة وتصنيعيّة وزراعيّة، وملأتْ موقعها الالكترونيّ بشروط وطلبات واستمارات دهليزيّة مضنية لكلّ مَنْ أراد المشاركة فيها؛ لكنّها تعجّلتْ فضح نفسها؛ فحتى قبل أن تستوفي الزّمن لإغلاق باب التّقديم لها من طرف المتنافسين على الحصول عليها، وقبل الإعلان عن أسماء الفائزين بها بشكل رسميّ وقانونيّ، وجدتُها قد خالفتْ شروط جائزتها، وأعطتْ جائزة كبرى وأولى في حقل الرّواية لروائيّ عربيّ مدلّل عند جوائز الأعراب بحجّة أنّه حالة استثنائيّة في الإبداع الرّوائيّ العربيّ على حدّ تعبير الجائزة، وذلك بعد أن فاز بجائزة أعرابيّة أخرى قبل أقلّ من شهر، وهو المقرّب إلى هذه الجوائز جميعها، والذي يدير المشهد الخلفيّ فيها، وربما يكون هو مَنْ صمّم أصلاً هذه الجوائز على هذه الغاية لتوافق قامته الرّوائيّة السّامقة وفق رأيه ورأي أصحاب الجوائز التي فوّزته، على الرّغم من أنّ مواطنيه من الرّوائيين المهميّن المشهود لهم بالإبداع يسخرون منه علنيّة دون أن يأبهوا به، ولا يعدّون ما يكتبه منجزاً روائيّاً أصلاً، ولا يفوتهم أن يشيروا إلى مواقفه التّطبيعيّة المعلنة مع العدوّ الصّهيونيّ الأمر الذي يُرضى تلك الجوائز عنه؛ فتفضّله على غيره من الرّوائيين العرب أصحاب المواقف الصّريحة والمعلنة في محاربة الخيانة والتّطبيع مع العدوّ الصّهيونيّ بأيّ شكل كان.
بل ليس عجباً أن نجد تلك الجوائز تكتفي بتفوزيه في دورتها الأولى، ثم تقوم بإلغاء الجائزة كاملة بعد أن قامتْ بوظيفتها الوحيدة، وهي تكريم س أو ص من الوجوه والأقلام، وكثيراً ما حدث ذلك؛ فإذا عُرف السّبب بطل العجب؛ فهذه الجوائز لم تُستحدث إلّا لأجل تكريم لشخص ما، ثم تُقوّض مباشرة بعد القيام بهذه الدّور القميء.
أمّا الحديث عن التّكرار والتّابوات فهو أمر مدوّخ بحقّ؛ فهما خطّان مستقيمان لا ينبغي لهما أن يتلقيا وفق قانون الرّياضيات والفيزياء الثّابت والصّارم في هذا الشّأن، لكن هذا القانون يُخرق بكلّ سهولة في الجوائز العربيّة خبط عشواء اعتماداً على الجهل والمزاجيّة وأجندات المراضاة والتّصانع والمحسوبيّات وإرادات القوى المهيمنة بأشكالها جميعاً؛ فنرى بعض الجوائز لا تفوّز إلّا الأعمال التي تخترق تابوات المجتمع العربيّ الإسلاميّ، فتفرز لنا الشّذوذ والتّردّي والسّقوط في أبشع أشكاله، في حين أنّ جوائز أخرى تحارب أيّ عمل يتجاوز هذه التّابوات مهما كان العمل مبدعاً، ويستحقّ التّوقّف عنده، فتحارب أيّ قلم مجدّد صادق حرّ يجهر بما يؤمن به، ويصف الرّداءة والسّقوط والإسفاف بأسمائها الصّريحة دون مواربة.
في الحالتين المتطرفتين نرى ازدواجيّة المعايير، وتساقط الرّؤى، وتهافت المتهافتين، كما ندرك مدى ارتجاف هذه الجوائز التي تعكس ارتجاف مجتمعاتها وتيهها وكذبها وازدواجيّتها؛ ففي حين ترفض بعض الجوائز عملاً مبدعاً فذّاً؛ لأنّ فيه بعض التّجاوز لـ(تابو) أو لآخر، تراها تشيد بأعمال عالميّة تمارس التّجاوز ذاته، وتصف كتّابه بالمبدعين الكبار، وتنفق مبالغ طائلة على ترجمة أعمالهم الإبداعيّة، ونشرها، وتقديمها في معارض الكتاب العربيّة؛ في تناقض صارخ؛ يجّرم مبدعاً عربيّاً يتجاوز (التّابو)، ويحاربه إلى حدّ تكفيره أو سجنه أو حتى قتله، في حين يمجّد مبدعاً أجنبيّاً كتب في الاتّجاه ذاته من منطلق (كلّ فرنجيّ برنجي)، و(المغلوب مولعُ بتقليد الغالب)، و(زمّار الحي لا يطرب)، و(لا كرامة لنبيّ في وطنه)، (ورمتني بدائها وانسلّتْ).
في ناحية أخرى، تصفّق بعض الجوائز لأعمال ساقطة، لا خاصّية لها سوى السّقوط، وتلمّع أصحابها بعد تفويزهم، وتدفعهم دفعاً إلى الأعلى والوجاهة، لكن سرعان ما يتكفّل الوقت بإسقاطهم، وردّهم أسفل سافلين بعد أن يظفروا بما ظفروا به من جوائز قيّمة واهتمام إعلاميّ عريض، بعد أن فوّتوا بوجودهم الرّخو فرصة تسليط الضّوء على الأعمال المبدعة بحقّ.
أمّا التّخبّط الحقيقيّ، فيتجلّى في موضوعات الجوائز وحقولها؛ فمن ناحية أولى، نجد الكثير من الجوائز تختصّ بحقول ذاتها، وبالشّروط ذاتها، دون أن يكون هناك أيّ تميّز أو خصوصيّة لجائزة دون أخرى، ومن ناحية ثانية تنسخ الكثير من الجوائز من غيرها من الجوائز الأخرى الشّروط والحقول، كما تهمل الحقول التي أهملتها غيرها من الجوائز؛ فتمتلئ السّاحة العربيّة بجوائز عربيّة متشابهة في السّحنة والتّفاصيل، كما تتشابه في ذات الإدارات ولجان التّحكيم، فيظهر المشهد كله صوراً مشوهّة بعضها عن بعض دون صور أصليّة منقّحة جميلة.
فما معنى وجود عدد عملاق من الجوائز العربيّة التي تتعاور المشهد العربيّ عاماً بعد عام دون أن تقدّم أسماء إبداعيّة جديدة، أو أن ترعى –بحقّ- فنوناً بعينها، كما تهمل الحقول ذاتها التي تهملها غيرها؟ فنرى مئات الجوائز هناك وهناك في تهريج مضحك يتناوب عليه سعار المتنافسين الذين يرسلون العمل ذاته إلى عشرات بل مئات الجوائز العربيّة هنا وهناك، في حين تظلّ الكثير من الحقول المهمّة مهملة، ولا جائزة تنتبه إليها.
كذلك نرى الجوائز تنقل إحداها من الأخرى حتى نقل الشّروط، وتقدّمها بجهل مفرط، ومضحك، يعكس جهل مَنْ صاغ هذه الشّروط وعشوائيّته، وانقطاعه عن أدبيّات هذه الفنون؛ إذ لا شيء يفسّر اشتراط معظم الجوائز الالتزام بعدد كلمات وسطور ونوع خطّ ومقدار التّباعد بين السّطور؛ فلا تجنيس فنّيّ أو تقعيد جماليّ يمكن أن يفسّر هذا العته في صياغة الشّروط التي تشبه شروطات الجنّيات في أكاذيب المخيال الشّعبيّ، وتبتعد الابتعاد كلّه عن أدبيّات التّجنيس وخصوصيّة الإبداع وتفرّده وتجاوزه للسّائد، الأمر الذي يعدّ من أهمّ ملامح الإبداع وحيويّته ومقومّاته، ففي حين تشترط معظم الجوائز العربيّة عدد الكلمات للأعمال المتنافسة للحصول على جوائزها نجد الأعراف الأكاديميّة والجماليّات الإبداعيّة والحداثات المتتاليّة والجوائز العالميّة الرّصينة تعترف بأعمال وأدباء تجاوزوا هذا التّقنيات البليدة، وصاغوا أعمالهم وفق دفقاتهم وتجديداتهم ورؤاهم، ونالوا عليها التّقدير والاحتفاء والاهتمام، بل إنّهم نالوا عليها –في بعض الأحيان- جائزة نوبل في الأدب في تصريح جريء بأنّ الشّكل هو ذات من ذوات الفكرة، لا شرطاً عليها.
التّهريج والسّقوط في مشهديّة الجوائز العربيّة لا ينحصر في التّخبّط الواضح والمستمرّ في موضوعات الجوائز وشكلها، بل ينحدر إلى حدّ ضرب الحائط بهذه الشّروط إن لزم الأمر، أو هندستها على مقاس فائز ما نال الرّضا ممّن رضوا عنه في أصحاب الجوائز وإداراتها ومحكميها؛ عندئذ ترى الجائزة تُعطى لمن نال الرّضا بأيّ شيء إلّا إبداعه واستحقاقه، حتى ولو لم يلتزم بشروطها الشّكليّة أو العرفيّة أو الأدبيّة؛ إلى حدّ أنّ تلكم الجوائز المغموزة في نزاهتها قد تغضّ الطّرف عمّن سرق عمل غيره، أو عمّن فاز بأكثر من جائزة عن العمل ذاته، أو عمّن ضرب الحائط بشروط الجائزة جميعها، حتى لو أُفتضح الأمر، وعادة ما يُفتضح، فإنّ الجائزة لا تكلّف نفسها عناء تصنّع بعض الرّفض ذرّاً للرّماد في العيون، ولا تصدر أيّ بيان تبرّر فيه ما حدث، ولا تكلّف نفسها حتى بسحب الجائزة من الفائز الذي اخترق شروطها، وخرم مبادئها وفق ما أعلنته مسبقاً من حقّها في سحب الجائزة من أي فائز يتبيّن أنّه خالف شرطاً من شروطها بحسن نيّة أو سوء قصد، بل وصل الأمر بهذه الجوائز من السّقوط والتّهافت والإسفاف أن يسكتوا –على هون وذل- على سُباب الكثير ممّن وهبوهم جوائزهم السّخيّة لهم، ثم انقلبوا عليهم، وأداروا لهم ظهور المجنّات، وعرّضوا بهم علناً في الصّحف والمجلاّت والمنابر الإعلاميّة، ومزّقوا كرامتهم ووجودهم، والأمثلة على ذلك معلومة ومعروفة عند الجميع ممّن يتعاورون على مشهد الجوائز العربيّة.
أمّا هندسة الجوائز على مقاس فائزين بأعينهم ممّن نالوا الرّضا بشكل أو بآخر من تلكم الجوائز؛ فهو إسفاف معلوم عند الجميع، والأمثلة عليه كثيرة على حدّ الفضائح؛ وهو عُرف شهير في الانحطاط والانهيار في مجتمعاتنا العربيّة التي ضرب السّقوط والتّردّي جوانبها جميعاً دون استثناء؛ فكما كلّ شيء في مجتمعاتنا مُفصّل على المقاس إلّا مَنْ رحم ربي.
كذلك إنّ الجوائز ضرب من ضروب هذا السّقوط المدوّي؛ فنجد جوائز كثيرة صُمّمتْ، وفُصلّتْ على مقاس فائز أو آخر دون غيره من الخلق أجمعين، إنّما الجائزة جميعها في تفاصيلها وشروطها وانعقادها وانحلالها مروراً بإعلانها والاحتفاء –زوراً وتهريجاً- بمن فاز بها ما هي إلّا تمثيليّة تقليديّة فاشلة يدرك الجميع مدى إخفاقها، ويتقزّزُ الجميع من تفاصيلها.
لكن تلكم الجوائز المصنوعة لا تبالي بالأمر، وتستمرّ في بغائها الثّقافيّ والأدبيّ، ولا تخجل من صنيعها هذا، أو من افتضاح أمرها على العلن، شأنها في ذلك شأن أيّ بغيّ رخيصة لا تخجل من كشف عورتها وهتك عرضها في أيّ لحظة واتها الأمر والهوى لذلك.
كثيراً ما نجد هذه الجوائز أحياناً لا تستمرّ لدورة أو لأكثر؛ إذ سرعان ما تنتهي، وتعلن موتها، وانفضاضها، وإلغاء دوراتها المقبلة بعد أن تكون قدّ أدّتْ دورها الأوحد، وهو إعطاء جائزة لمحظيّ أو محظيّة من محظيي أهل العقد والحلّ.
12- الحديث عن الجوائز ذات الصّبغة الفرديّة أو الشّخصيّة أو الجهويّة أو حتى المؤسّسيّة ينسحب تماماً على الجوائز ذات الصّفة الرّسميّة أو الحكوميّة؛ إذ جميعها تعيش في المستنقع ذاته، وإنْ كانتْ الجوائز ذات الصّفة الرّسميّة أو الحكوميّة أكثر انغرازاً فيه حدّ غمر الحلوق؛ انطلاقاً من أنّ دابة القطاع الرّسميّ والحكوميّ مقصد أسهل لكلّ متنفّع وساقط ممّن يتخّفون وراء حصانة الوظائف الرّسميّة التي تستمدّ مشروعيّتها وحصانتها وقوّتها وتهافتها من تهافت المنظومة الرّسميّة كاملة في الدّول العربيّة؛ عندها يستطيع أيّ موظّف رسميّ كان أن يغتصب صفة مبدع أو مفكّر أو فيلسوف أو إعلاميّ أو مصلح أو منظّر أو مجدّد أو ثائر أو بطل أو شهيد حتّى وهو على قيد الحياة، بل يستطيع أن يغتصبها جميعاً، وأن يطفق يوزّع جوائز الدّولة على مَنْ شاء من البشر، وكيفما شاء، (ما دام جحشاً بوظيفة رسميّة يركب جحش الحكومة).
الحديث في الجوائز الرّسميّة أو الحكوميّة العربيّة فضيحة متنقّلة، وعار بشهود، وجريمة موصولة؛ جعلتْ من الجوائز الرّسميّة في معظم الأحيان مهزلة حقيقيّة لأجل ترسيخ (عاهات الأوطان العربيّة)، وإرضاءً لـ(بغاياها وزناتهم وشّذاذها)، وبذلك أصبحتْ سبّة على مَنْ يحظى بها، لا تكريماً له.
لقد وصل التّهريج في الكثير من الجوائز الرّسميّة في المشهديّة العربيّة أن يكون الفائز بها من لجنة التّحكيم ذاتها، وهو مَنْ فصّلها على حجمه، وحدّد مقدارها الماليّ، واختار درعها.
كذلك شاع أن يتناوب أعضاء تلكم اللّجان على التّداور على الحصول عليها؛ فكلّ عضو منهم سيحظى بها في سنة ما وفقاً لرتبته في الوظيفة الحكوميّة، أو حجمه وتأثيره في لجنة الجائزة، وعندما يحصل الجميع على هذه الجائزة الرّسميّة من أعضاء لجنة تحكيم العار، يأتي دور التّنفّع بها، أو إرضاء الحبايب والأقارب بها؛ فلا بأس أن تُعطى لعشيقة ما، أو توهب لزوجة أو ابن أو قريب، ولا مانع من مناصفتها سرّاً مع رفيق أو صديق أو زميل عمل، على أن ينال المحكّمون والقائمون جميعهم حقّهم الدّوريّ في الانتفاع من هذه الجائزة التي تشكّل عاراً على الدّولة القائمة عليها، وعلى مَنْ كان له يدٌ سوداء فيه، وعلى كلّ مَنْ نالها، وتقلّدها.
خلاصة القول والقرف والإسفاف على إسفاف هذه الجوائز العربيّة الفضيحة أنّ نقول: إنّ المشهد العربيّ يستحقّ جوائز نزيهة، كما أنّ المبدع العربيّ الأصيل يستحقّ التّكريم والتّقدير، كما يستحقّ الحصول على الجائزة.
الحقيقة أنّ هناك جوائز عربيّة نزيهة إلى حدّ معقول؛ فنحن لا نطالب بجوائز مستحيلة في النّزاهة والشّفافيّة والانضباط؛ فهذه صفة ملائكيّة لا بشريّة، لكنّنا نطالب بالحدّ الأدنى والمعقول والمقبول من النّزاهة والموثوقيّة والحرفيّة القائمة على الكفاءة والمعرفة والاختصاص، نريد بحقّ نزاهة جماليّة في الاختيار والانتخاب والاصطفاء، كما نحتاجها في شأن شؤون حياتنا.
لا أنكر على الجوائز العربيّة والكثير من الفائزين بها النّزاهة والاستحقاق والموثوقيّة، لكنّني أعلن –بجرأة وإصرار ووضوح- أنّ الكثير من الجوائز العربيّة قد سقطتْ إلى حدّ الإسفاف، وأنّها قدّمتْ لنا امتساخاً ورِدَّةٍ إبداعيّة، وأنّها شاركتْ –مع سبق الإصرار والتّرصّد- بقتل ذائقتنا الجمعيّة الجماليّة، وملأت الحيّز العربيّ بصنائع شبحيّة من أدعياء الإبداع والفكر والرّؤية والجمال؛ لذلك حقّ لنا أن نهجو هذه الجوائز، وأن نصفعها بالأحذية، وأن نتبرأ منها.
أعلم علم اليقين أنّ هناك جماهير عريضة من متابعي المشهد الإبداعيّ العربيّ أو المنتمين إليه بشكل أو بآخر سوف يصفّقون لكلماتي هذه عندما يقرؤونها، كما أحمل في جعبتي الكثير من الأسرار والأدلة على تعهير الكثير من الجوائز العربيّة؛ فقد كنتُ شاهداً على الكثير منها، كما روى لي الثّقات الكثير من حكاياتها التي دارتْ خلف الجدران مشفوعة بالأدلة والقرائن، كذلك تابعتُ الكثير منها بتقصٍ طويل امتدّ لسنوات، يكفي القول إنّني كنتُ أعرف من قريب أو بعيد نتائج الكثير من الجوائز العربيّة قبل الإعلان رسميّاً عنها؛ لأنّ العصفورة نقلتْ لي تفاصيل صفقات الفوز هذه؛ بل أقول تعهيراتها، وعرفتُ كيف تقاسم المتقاسمون الكثير من قوالب حلوى الجوائز.
في جعبتي الكثير من الكلام والتّفاصيل، وهناك الكثير ممّا توصله العصفورة لي من أحاديث مافيات الجوائز العربيّةّ، كما توصله إلى غيري بطبيعة الحال.
أعتقد أنّه سيكون من المفيد نشر مقالات مستقبليّة عن صفقات جوائز بالاسم والتّاريخ والتّفاصيل لفضح تلك الجوائز والقائمين عليها؛ لعلنّي أساهمُ في بعض تنظيف مستنقع الجوائز العربيّة المعاصرة، وقلع أخطر أعشابه السّامة.