كتب جورج حدادين
" ما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله "
المقصود أن طوفان الأقصى لحظة تاريخية فارقة، أحدثت تغير نوعي على الصعد : المحلية الأقليمية والدولية.
أصبح، أكثر من أي وقت مضى، من الشرائح الوطنية والقوى والفعاليات الوطنية الإنتقال من توصيف الحدث الى تشخيصه، أي معرفة علّة وسبب ولادة الحدث وفي سياقه التاريخي .
يحتاج الحدث الى تحليل موضوعي بأدوات علمية، بعيداً عن الرغبات والأمنيات،
التوصيف، سردية ظواهر الأمور، ظواهر ناتجة عن الحدث،
بينما التشخيص، معرفة علّة وسبب الحدث ذاته وفي سياقه التاريخي، اعتماداً على قانون التراكم العلمي، حيث الحدث لا يأتي من فراغ وبشكل مفاجئ، بل في سياق سيرورة متراكمة،
فطوفان الأقصى جاء في سياق نضال متراكم للشعب الفلسطيني، على مدى الصراع الزمني، عبر عقود طويلة، توج هذا النضال بهذا الانتصار الباهر.
بالاستناد الى أدوات التحليل العلمي: قوانين الصراع، التناقض التناحري، تشخيص طبيعة المرحلة ومهماتها ، مشروع المرحلة والحامل الاجتماعي لهذا المشروع، تحديد معسكر الأعداء ومعسكر الأصدقاء، ربط الخطوات التكتيكية بالمشروع الاستراتيجي،
يمكن رصد المعطيات التالية:
على الصعيد الوطني الفلسطيني
1. المعطى الأول: أظهر طوفان الاقصى بوضوح تام فعالية قانون التناقض التناحري، فما كادت المقاومة أن تجتاح حصون العدو، حتى حشدت قوى المركز الراسمالي الأساطيل والجيوش والخبراء العسكريين ووسائل الأعلام وكبار السياسيين، لحماية الكيان بكافة الوسائل، وتبلور بوضوح تام ، معسكر الأعداء ومعسكر الاصدقاء، معسكر الهيمنة ومعسكر التحرر.
2. المعطى الثاني: هزيمة بنيوية وهزيمة وظيفية للكيان الصهيوني، الذي تم أنشاءه كلب حراسة للمصالح الغربية فلم يعد قادراً على لعب هذا الدور، لا بل ثبت حاجة الكيان نفسه للحماية. حيث واجه هزيمة بنيوية وهزيمة وظيفية، هزت بعف نسيجه الاجتماعي والعسكري الداخلي وأطاحت بوظيفته كلب حراسة مصالح المركز الرأسمالي العالمي،
3. المعطى الثالث: الإطاحة بمشروع الشرق الأوسط الجديد، بكافة اشكاله، القائم على تفكيك الدول ، بما فيها الدول التابعة له، وتفتيت المجتمعات والعودة بها إلى عناصرها البدائية، الطائفية والعشائرية والأثنية والجهوية، لضمان ديموبة النهب الاستعماري لثرواتنا وخيراتنا.
4. المعطى الرابع: الإطاحة بمشروع السلام الاقتصادي، ( الذي يطلق عليه للتمويه التطبيع ) المرحلة الثالثة من مخطط تصفية القضية الفلسطينية حيث المرحلة الأولى عنوانها الأرض مقابل السلام، ثم مرحلة السلام مقابل السلام، وأخيراً مرحلة السلام الاقتصادي.
5. المعطى الخامس: الإطاحة بمشروع تفتيت الهوية الفلسطينية وتفتيتها الى هويات مجاميع ما قبل الدولة الحديثة ( الضفة ، غزة ال 48 والشتات) وإفشال مشروع التهجير.
6. المعطى السادس: الإطاحة بمقولة يا وحدنا، وسياسة التنسيق الأمنى، ونهج اليمين الفلسطيني .
7. المعطى السابع: فتح الباب أمام إمكانية إعادة بناء حركة تحرر وطني فلسطيني، خاصة وأن إنزياح ايدولوجي أخذ بالتشكل بهذا الخصوص، حيث أعلنت الجهاد الاسلامي في مؤتمر "بيروت – رام الله" أنها حركة تحرر وطني ولاحقاً تصريحات بعض القيادات الحمساوية بانها ترى نفسها حركة تحرر وطني، الانتقال من الأيدولوجيا الدينية الة الأيدولوجيا الوطنية.
على الصعيد الأقليمي
1. متّن وحدة محور المقاومة، ونقل الصراع الى مرحلة صراع مباشر مع القوات الأمريكية وقوات الناتو المتواجدة على الأرض العربية، تحت عنوان إخراج القوات الأمريكية من المنطقة.
2. أرتقى الصراع في البحر الأحمر، مع البواخر والسفن القادمة إلى موانئ الكيان من قبل اليمن العظيم، فرض الحصار، وأرتقى بدور اليمن رقماً صعباً في معادلة المنطقة والعالم.
3. عطّل إمكانية السير في إقامة مشاريع أقليمية مشتركة بين النظام الرسمي العربي والكيان.
4. فجر طاقات مختزنة لدى شعوب المنطقة، وحجز مخطط التفتيت على أسس مذهبية طائفية وأثنية.
5. ارتقاء محور المقاومة، بدوره ومشروعه ، قد يشكل رافعة لإعادة بناء حركة تحرر وطني عربية.
على الصعيد العالمي
1. بوادر صيرورة إنهيار هيمنة المركز، وتحكم الطغمة المالية بالقرار العالمي، حيث عجزت الأساطيل والجيوش التي حشدت من أجل إرهاب محور المقاومة ومنعه من اسناد المقاومة الفلسطينية،عن القيام بهذا الدور، وبدء أنسحاب مخجل وبهدوء لبعض القطع العسكرية من البحر الأبيض والأحمر.
2. حجز طوفان الأقصى إنفاذ مشروع طريق: الهند – السعودية – الأردن – الكيان، بديلاً لمشروع الطريق والحزام الصيني.، ضمن مخطط محاصرة الصين.
3. الإطاحة بهيمنة الإعلام الرأسمالي واتباعه وإضعاف قدرته على التحكم بصناعة الرأي العام العالمي.
4. إنقلاب مذهل للرأي العام ضد الكيان الصهيوني، وانفجار حملة تضامن غير مسبوقة في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، تم ذلك بفعل القرار الذاتي الفلسطيني ، حيث ثبتت مقولة الفعل على أرض الواقع يغير موازين القوى على الأرض، مقابل نهج التفاوض والإستجداء الذي قاده اليمين الفلسطيني على مدى عدة عقود، لم يثمر سوى مزيد من القمع وتقطيع أوصال فلسطين عبر زرع مستعمرة تلو مستعمرة وفرض السيادة على الفعليه على كافة التراب الوطني الفلسطيني من النهر الى البحر.
5. فرضت الوقائع على الأرض دور قيادي للمقاومة الفلسطينية في مسار حراكات جماهرية عالمية، قد تشكل مقدمة لتمرد شعبي يتجه نحو ثورة اجتماعية عالمية، شرط بزوغ قيادة موحدة على مستوى الحدث.
ما العمل ؟
إنفجار الطاقات الكامنة ، بهذا الشكل المذهل، في المجتمعات على مدى الدوائر الثلاث:
الفلسطينية والعربية والعالمية ، فسح الطريق أمام إنجاز مهمات يمكن البناء عليها من أجل إحداث تراكم نضال إجتماعي قد يؤدي الى تشكل عالم جديد، وليس نظام عالمي جديد ما يطلق عليه نظام تعدد الأقطاب،
نظام عادل اجتماعياً يرفع شعار" أولوية قيمة البشر" مناهض للإستغلال والظلم والإضطهاد، الذي تمارسه الطغمة المالية العالمية، مناهض لنظام المضاربات على البشر والغذاء والدواء والطاقة وكل شيئ، الذي شعاره " أولوية ربح رأسالمال وثانوية قيمة البشر"
نظام ينمي القيم الإنسانية النبيلة، ويؤمن بتساوي قيمة البشر، على الضد من تنمية قيم الغرائز المتوحشة واستعباد وتسليع البشر، نظام يوفر شروط المساواة للشعوب والدول.
يبدو أن " طوفان الأقصى " حقق فرصة لإنجاز هذا الحلم.
تفجير طاقات الشعب الفلسيطيني، والقدرة الهائلة لهذا الشعب على الصمود والتصدي أدى الى إفشال مخطط التهجير، وحقق تلاحم الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، ومهد الطريق واسعاً أمام وحدة الشعب الفلسطيني، مما يتطلب من المنظمات الشعبية: النقابات العمالية والمهنية والفلاحية والشبابية والنسائية والطلابية ، والشرائح الوطنية أن تشكل الحامل الاجتماعي لهذا المشروع والقيام بدور لاصق اجتماعي لهذه الوحدة،
بمعنى آخر الانتقال من مفهوم وحدة الفصائل، على أهميتها، إلى مفهوم وحدة الشعب وحدة الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة والمهمشين والمستضعفين والنخب المنتمية لهذا المشروع، الاقلاع عن حصر المطالبة بالمصالحة بين فتح وحماس.
الإنتقال من نهج المقاومة الى نهج التحرر الوطني.
نقف اليوم أمام مقاربتين:
• مقاربة: مقاومة " معركة – هدنة – معركة " بهدف حماية المقاومة
• مقاربة: التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي بهدف تحرير الأرض والإنسان
حيث مشروع التحرر الوطني يتمثل في إنجاز مهمات مرحلة التحرر الوطني ممثلة:
كنس الاحتلال عن الأرض الفلسطينية، وتفعيل القرار الوطني المستقل غير التابع،
وحيت مشروع التحرر الاجتماعي الذي يتمثل في تحرير الشرائح الكادحة والمنتجة والمهمشين والمعذبين من آفات الفقر والجوع والبطالة والاستغلال والاضطهاد وفسح المجال أمام كافة المواطنيين بالتنافس المتساوي، لتقديم ما هو أفضل لبناء مجتمع العدل والمساواه والرخاء، ومن أجل العمل على الأستثمار الأمثل للثروات والمقدرات وتحويلها خيرات تعم الدولة والمجتمع.
القوى التي تضحي هي القوى المؤهلة وهي القوى المؤتمنة على مصير الشعب الفلسطيني
• الانتقال من سياسة دعم النضال الفسلطيني،على قاعدة الشجب والإستنكار، الى النضال الوطني التحرري ضد المصالح والقواعد والتواجد العسكري الأجنبي على الأرض العربية، والنضال من أجل إمتلاك الفرار الوطني السيادي المستقل.