لم تكتف الدول الأوروبية الاستعمارية في العالم الجديد بممارسة أساليب إبادة وقمع وحشيتين ضد السكان الأصليين، بل وشيدت في بعض مناطقها سجونا نقلت إليها من أراضيها أعتى المجرمين.
بريطانيا كانت جعلت من "النفي" عقوبة على بعض الجرائم، وفي عام 1717 أدرج ملكها جورج الأول مادة في قانون القرصنة، ينص على نفي اللصوص ومهربي الصوف إلى أمريكا، فيما امتد المنفى الأمريكي في عام 1718، ليشمل ممارسي الصيد غير القانوني.
ممارسات النفي إلى أمريكا توقفت في بريطانيا عقب حرب السنوات السبع وحرب الاستقلال الأمريكية، وكانت بريطانيا قد نفت بين عامي 1607 – 1775 في المجموع حوالي 50 ألف بريطاني إلى هناك.
هذا ما كان بالنسبة لأمريكا، أما أستراليا فقد تذكرتها بريطانيا بعد أن فقدت معظم مستعمراتها في أمريكا الشمالية، وواجهتها حينها مشكلة في البحث عن وجهة جديدة لـ"تصدير المجرمين" خاصة مع اكتظاظ السجون البريطانية، وقررت أن تجعل من استراليا مكانا تتخلص فيه من هؤلاء.
القرار بهذا الشأن اتخذ في عام 1786، وبعد ذلك بعامين وصل في 18 يناير 1788 أسطول من عدة سفن وكان على متنه فريق من المشرفين وحاكم نيو ساوث ويلز، النقيب آرثر فيليب إلى شواطئ أستراليا، وتم نقل 778 مجرما. وكان هؤلاء هم أول المستوطنين في القارة الأسترالية. في 26 يناير 1788، نزلوا إلى الأرض، وتأسيسا على ذلك، يحتفل الأستراليون بهذا اليوم باعتباره عطلة وطنية.
السفن البريطانية المحملة بالمجرمين كانت تبحر إلى استراليا على مدى نصف قرن. كان يوجد عدد قليل من المستوطنين "الأحرار" هناك، حتى المستوطنة الأولى، التي أسسها آرثر فيليب، كانت تتكون من 70 في المائة من المجرمين. المستوطنون من غير المجرمين بدأوا في التدفق على أستراليا فقط حين اكتشفت مناجم الذهب أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر.
أسوا ظروف الاعتقال بالنسبة للمجرمين كانت في جزيرة نورفولك الواقعة بين استراليا ونيوزيلندا في المحيط الهادئ. حاكم الجزيرة البريطاني رالف دارلينغ هيأ ظروفا هناك توصف بأنها كانت أسوأ من الموت. وضع المساجين الرهيب لم يتغير إلا في منتصف القرن التاسع عشر، حين تولى الكابتن ألكسندر ماكونوكي منصب حاكم الجزيرة.
أستراليا أصبحت لاحقا وطنا للمجرمين، وبعد تحريرهم من السجون، لم يعد إلا عدد قليل فقط إلى إنجلترا. العديد من المجرمين السابقين الذين يتميزون بالمغامرة والصلابة تحولوا إلى رواد وشخصيات ناجحة في المجتمع الجديد.
غويانا الفرنسية على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية وهي تعد أحد أقاليم فرنسا ما وراء البحار، لها هي الأخرى قصة مع نفي المجرمين.
غويانا كان اكتشفها الإسبان في عام 1499، إلا أنها لم يعيروها أي اهتمام، فيما استقر المستوطنون الفرنسيون الأوائل بها في عام 1604، وبعد محاولات هولندية وبريطانية فاشلة لانتزاعها من الفرنسيين، ترسخت سلطة فرنسا هناك بنهاية المطاف في عام 1817.
إلغاء العبودية في فرنسا عام 1848، تسبب في نقص حاد في العمالة وخاصة في المجال الزراعي، واضطرت السلطات الفرنسية إلى اللجوء إلى سياسة تشجيع الهجرة، وأصدر نابليون الثالث في عام 1852 مرسوما قضى بترحيل المجرمين المدانين من فرنسا إلى غويانا الفرنسية، وجرى استغلالهم في توسيع رقعة الأراضي الزراعية.
السجون بنيت في "كايين"، عاصمة غويانا الفرنسية وفي جزيرة الشيطان القريبة من سواحل غويانا في عام 1854، ثم شيدت سجون أخرى في العديد من المناطق في عام 1858، وتم وضع السجناء الأفارقة والآسيويين في سجون منفصلة.
لم تكتف فرنسا ببناء السجون في غويانا وفي جزيرة الشيطان، ووجهت أيضا سفنها المحملة بالمجرمين إلى أرخبيل كاليدونيا الجديدة، الواقع إلى الشرق من استراليا. عمليات التخلص من المجرمين المحليين بهذه الطريقة، تواصلت من عام 1864 إلى عام 1897.