منذ ان حصل الزواج المصلحي بين بريطانيا والحركة الصهيونية الموثق " بوعد بلفور " في الثاني من شهر تشرين الثاني / نوفمبر 1917م كانت غاية بريطانيا استيلاد كيان وظيفي مصطنع يشكل القاعدة المتقدمة للاستعمار العالمي الذي كانت على راسه ليقوم بالابقاء على الاقليم مجزء سياسيا ومتخلف اقتصاديا وقمع حركات تحرره بالاضافة الى حماية قناة السويس كممر بحري على طريق اساطيلها الحربية والتجارية الى اكبر مستعمراتها في شبه القارة الهندية كطريق مختصر عبر البحر الاحمر ومضيق باب المندب والانطلاق على بحر العرب والمحيط الهندي ومن ثم الى المحيط الهاديء حيث مستوطنتها في استراليا. اما الحركة الصهيونية التي قادها عرابها ثيودور هيرتزل الذي تتلمذ على يدي رائد الاستعمار الاستيطاني في افريقيا سيسيل رودوس اراد ان يجمع يهود العالم في مستوطنة " اسبارطية" تقوم بالدور الوظيفي المنوط بها من قبل اعتى دولة استعمارية واستمرارا للدور الوظيفي الذي كان يقوم به يهود بولندا لصالح الدولة الاقطاعية في قمع ثورات الفلاجين والذي عرف بوقته باسم المعبد / الدولة.
اثمر الزواج المصلحي عن ولادة دولة الكيان على ارض فلسطين في 15 ايار / مايو 1948 مشكلا رديفا استراتيجيا هاما للقاعدة البحرية البريطانية في عدن التي تتحكم بمصيق باب المندب بعد ان احتلتها سنة 1839 م ان واضع الاستراتيجية البريطانية في ذلك الوقت ادرك جيدا ثنائية العلاقة الاستراتيجية والجدلية بين اهم ممرات العالم البحرية قناة السويس ومضيق باب المندب ولذلك حافظت بريطانيا على سيطرتها على قناة السويس حين اقدم البطل الخالد جمال عبدالناصر على تاميم القناة شنت بريطانيا وفرنسا والكيان العدوان الثلاثي على مصر في شهر تشرين الاول / اكتوبر 1956 م . خرجت الجماهير العربية من المحيط الى الخليج تهتف لنصر مصر ومقاومتها ومن هذه الهتافات ( عبدالناصر يا جمال فلسطين بعد القنال ) ( يا شيبيلوف طل وشوف عالقنال لمع سيوف ) . عندما قامت الثورة اليمنية بقيادة عبدالله السلال هب جمال عبدالناصر لدعمها لانه كان يدرك ان القناة والمضيق توامان لا يفترقان وقفت بريطانيا ومن معها من قوى الرجعية العربية وجيوشها لمحاربة جمال عبد الناصر في اليمن لوضع حد لتطلعاته القومية وتم عقابه فيما بعد عندما تم التاكيد له بان اسرائيل لن تكون البادئة في الحرب ووقع في فخ المكيدة الدولية واعلن بان مصر لن تكون البادئة وتم توجيه ضربة جوية للمطارات الحربية المصرية من قبل سلاح الجو الامريكي الذي انطلق من قاعدة ويلاس الجوية في ليبيا.
عندما قرر رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو ان يحرر ولاية جوا غرب الهند من الاستعمار البرتغالي قام جمال عبدالناصر باغلاق قناة السويس ومنع القطع الحربية البرتغالية من المرور مما اتاح للجيش الهندي تحرير الولاية بعد عدوان حزيران وحرب الاستنزاف البطولية التي خاضها الجيش المصري والتي توجت بالعبور الناجز والتاريخي الى الضفة الشرقية للقناة وتحطيم خط بارليف في حرب تشرين الاول / اكتوبر 1973 م قامت البحرية المصرية باغلاق باب المندب بوجه السفن الصهيونية لان الجيش المصري الامين على والحارس للامن القومي المصري كان يدرك ولا يزال اهمية مضيق باب المندب الى جانب توأمه قناة السويس. بعد توقيع إتفاقية كامب ديفيد التي اخرجت مصر من الصراع العربي الصهيوني واصلت القوى الاستعمارية التآمر على مصر من اجل افقارها وتدمير اقتصادها فاقاموا إمارة الاخوان المسلمين في ليبيا وتونس التي تحولت الى مصدر تهديد للامن القومي بدل ان تشكل عمقا استراتيجيا، زحفت على مصر ثقافة التصحر والرمال وسادت الثقافة الغيبية طريقا ووسيلة للنهوض وتغيير الاحوال وفي جنوبها انسلخ جنوب السودان برعاية عمر البشير شيخ الاخوان وبعد ذلك صار السودان سودانان يقف خلفهما العربان ومما زاد الطين بلة قام احفاد هيلاسي لاسي بمصادرة حصة مصر من النيل وحرمت ضفافه من الطمي والطوفان في السابع من تشرين الاول / اكتوبر 2023 م فاض طوفان الاقصى وغمر الكيان ودخل في مرحلة عدم التوازن والضياع والخوف على الوجود لكن هل يتخلى الاستعمار العالمي الذي تقوده امريكا عن ثكنته العسكريةالمتقدمة في المنطقة؟ جاءت الاساطيل الامريكية والاطلسية وتوافد الرؤساء والوزراء وعلى راسهم بايدن يشدون من أزر رئيس الكيان ويربتون على كتفه والوقوف معه في حربه على غزة لاجتثاث حماس والمقاومة وتهجير المواطنين من خلال المجازر والابادة الجماعية الى صحراء سيناء وظنوا ان تحقيق هذا الهدف في متناول اليد حين تبقى غزة بلا حليف او رديف وان الجوار العربي الرسمي خانع لا يخيف، فكما كان طوفان الاقصى مفاجئا وخارج حساباتهم كانت قوى محور المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن التي اقامت تحت الارض وبعيدا عن اعينهم انابيب وقنوات الربط وصارت الجبهات الاربع كالاواني المستطرقة بل البحار المستطرقة التي يعود الفضل فيها لمهندسيها من الجنرال محمد الضيف والسنوار وسيد المقاومة وابو مهدي المهندس وقاسم سليماني وصالح العاروري وعلى السطح كان العنوان وحدة الساحات والجبهات كل ما زاد العدو ضغطه على غزة تستجيب باقي الجبهات " البحار" التي تغرق فيها دولة الكيان ان أبهى وأنقى هذه الجبهات جبهة اليمن لما يمثله في الحضارة الانسانية ودوره الريادي في نصرة الدعوة الاسلامية وحروب الفتح حيث شكل اليمنيون الاكثرية في الجيوش العربية, ان جيش معاوية وعمرو بن العاص الذي كان قوامه 3000 مقاتل كلهم من قبيلة (عك) اليمنية, قال عبدالله بن عباس للحسين بن علي : ( إشخص إلى اليمن, فانها في عزلة, ولك فيها انصار واخوان, فاقم بها وبث دعاتك ) هذا اليمن في التاريخ وفي الحاضر واهله انصار للحق وضد الظلم والعدوان , في هذه المرحلة من تاريخ الصراع مع الكيان اغلقت اليمن مضيق باب المندب امام السفن المتجهة الى موانيء الكيان وكما شنت بريطانيا وفرنسا والكيان العدوان الثلاثي على مصر هاهي نفس قوى الاستعمار والعدوان بريطانيا والامريكان يعتدون على اليمن وقيادته صلبة لا تلين وعزمها لا يهن الى جانب الحكمة اليمانية وعيون الامة شاخصة الى ارض مصر كنانة الامة كي تلحق القناة بتوأمها باب المندب. هل سيذهب جنرالات الجيش المصري الى ضريح جمال عبدالناصر ليخاطبوه قائلين ( قم يا جمال ان ابنائك حطموا الاغلال وفتحوا المعابر الى فلسطين واغلقوا القنال ) ؟ فكما للنيل مواعيده فلمصر مواعيدها قولوا يا رب .
م / زياد ابو الرجا