كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: لاءات الخرطوم، وأوسلو
مقالات
كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: لاءات الخرطوم، وأوسلو
حليم الشيخ
31 كانون الثاني 2024 , 13:21 م
كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد: 
٣١-١-٢٤
بعد هزيمة النظام الرسمي العربي في حزيران ٦٧، اجتمع العرب في مدينة الخرطوم تحت شعارات براقة، ما لبث أن تخلى عنها معظم هذا النظام الرسمي العربي...

لا استسلام، لا مفاوضات، لا اعتراف...
كانت هذه لاءات الخرطوم الثلاث...

بعد هزيمة الحركات الشعبية العربية التي كانت تقودها منظمة التحرير الفلسطينية في حرب لبنان سنة ٨٢، توجت هذه المنظمة سقوطها المتدحرج باستسلام شبه كامل وقعت عليه في أوسلو...

ينتقد الفنان السوري دريد لحام في إحدى مسرحياته نهج مؤتمر مدينة الخرطوم تحت بند وجوب الحديث مع العالم لشرح عدالة القضية الفلسطينية...

هل كان الأستاذ دريد على خطأ، واين مكمن هذا الخطأ؟

هل كان ياسر عرفات على خطأ حين وقع في أوسلو، وأين خطأ نهج أوسلو؟

بعد أوسلو توالت المصائب مضاعفة...
خسائر الاستسلام هي دائما أكبر بكثير من خسائر النضال والمقاومة...

بعد سنة ٨٢، وبينما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تقدم التنازل تلو التنازل حتى وصلت إلى أوسلو... كان الشارع الشعبي العربي ينتج نهجا جديداً تمثل في لبنان بقيام مقاومة حزب الله الإسلامية التي استطاعت أن تجبر العدو الصهيوني على انسحابات مهمة جدا من معظم أراضي لبنان المحتلة دون قيد أو شرط... ( لا مفاوضات، لا اعتراف ، لا سلام)...

بعدها ببضع سنوات قامت في فلسطين المحتلة منظمتا مقاومة إسلامية (حماس والجهاد)...

استطاعت هاتان المنظمتان مع بقايا فصائل منظمة التحرير ممن بقي وفيا لنهج الكفاح المسلح الوصول إلى نتائج قريبة مما حصل في جنوب لبنان والبقاع الغربي...
انسحب العدو الصهيوني من داخل قطاع غزة تحت ضربات المقاومة وإن كان حافظ على وضعية حصار بانتظار اكتمال شروط تصفية القضية الفلسطينية بصمت ومباركة من النظام الرسمي العربي والعالم الذي لا يحترم إلا لغة القوة والكفاح المسلح...

عودة إلى لاءات الخرطوم...
في الحقيقة، لم يتناول نقد الأستاذ دريد لحام الموقف العربي من كل الجوانب...

هو كان على شيء من الحق، حيث أظهرت المظاهرات الشعبية الضخمة المؤيدة للحق الفلسطيني في الغرب مدى ما كنا عليه من ضعف الحجة، ولكنه لم يصل إلى حقيقة أن ضعف لاءات الخرطوم كانت في فقدانها إلى أسنان تستطيع العض...

اللاءات نفسها كانت، ولا تزال، وسوف تظل صحيحة طالما نحن نملك القوة والقرار...

في اليوم الذي نفقد أحد هذين الشرطين (القوة والقرار)، لن يلتفت إلينا أحد، وسوف يدخل الشعب الفلسطيني في غياهب النسيان كما حصل لكل السكان الأصليين في اميركا واستراليا وكندا ونيوزيلندا...

كل منطق النظام الرسمي العربي، منطق أعوج، وسوف يؤدي إلى ضياع القضية...

أمام الفلسطينيين تجربة منظمة المؤتمر الوطني الإفريقي التي استطاعت عبر الاصرار على الكفاح المسلح ورفض المساومة على حقوق السكان الأصليين؛ استطاعت الوصول بقيادة نيلسون مانديلا إلى ما نراه اليوم من نظام بنكهة خاصة في جمهورية جنوب إفريقيا...

لماذا الحديث اليوم عن لاءات الخرطوم وعن مأساة أوسلو؟

لقد كانت انتفاضة السود في سويتو ضد نظام الاستعمار الأوروبي الأبيض والأبارتايد هي الشعلة التي أدت إلى سقوط هذا النظام وقيام النظام الحالي في جمهورية جنوب إفريقيا...

لم يكن نضال الأكثرية السوداء سهلاً، بلا دماء وبلا دموع...
لكن دماء السود انتصرت على سيف الاستعمار الأبيض...
ووقف العالم في لحظة ما إلى جانب هذا النضال وأجبر قوى الاستعمار الأوروبي والأميركي على الرضوخ والقبول بوجوب إنهاء هذا الوجه الفاقع من الاستعمار والأبارتايد...

شرطان أساسيان وقفا خلف نجاح نيلسون مانديلا في فرض تحرير جمهورية جنوب إفريقيا...

لم يتخل عن الكفاح المسلح (السلاح)...
وفاوض فقط على ما هو  دون قرار الاستقلال والحرية الكاملة للشعب الاسود...

جرت مفاوضات غير مباشرة في الدوحة وقطر أكثر من مرة، وبعد كل حرب كانت تشنها إسرائيل على قطاع غزة أو ارتكاب جرائم في الضفة قبل طوفان الأقصى...

في كل مرة من تلك المرات، كنا نخرج بنصف انتصار على الأرض، ونصف هزيمة على طاولة المفاوضات...

كل المفاوضات التي جرت في السابق كانت تنتهي إلى استمرار  مأساة الشعب الفلسطيني...

لم تقم حماس ولا الجهاد في أي مرة من تلك المرات بالضرب على الطاولة...

كان كل الهم يقوم على محاولة وقف المجازر التي تفتك بالأطفال والنساء والحجر والبشر...

لكن قبل طوفان الأقصى شيء، وبعد هذا الطوفان شيء آخر...

الدماء والدموع والحجر والبشر لم يعودوا نقطة ضعف...

صار هؤلاء مصدر قوة الشعب الفلسطيني اليوم...

عندما تخرج حركة الجهاد وتقول بأنها لن تمشي بأقل من انسحاب اسرائيل الكامل من قطاع غزة، وتحرير كل الأسرى، وحل سياسي...
هذا يعني أن هناك من يساوم حتى على هذا، على قلته...

لن يكون النظام الرسمي العربي في أي يوم من الأيام سنداً لشعب فلسطين...

حتى محور المقاومة، لن يكون كما يجب أن يكون كما ظهر حتى اليوم...
إذا لم نكن نحن مع ذواتنا، لن يكون أحد إلى جانبنا...

هل محور المقاومة مردوع بالتهديدات الأميركية؟

هذا ما يظهر حتى اليوم... 
على الأقل يمكن القول إن الجمهورية الإسلامية غير مستعدة للذهاب الى حرب شاملة...

قادة الجمهورية الإسلامية يملكون من الحجة ما يكفي لشرح وجهة نظرهم...

من يملك القوة يخاف المجازفة بما يملك ويسعى دوما إلى مراكمة القوة ليوم افضل لن يأتي ابدا...

ربما من حق إيران أن تخاف على ثورتها وعلى ما حققت من إنجازات حتى اليوم، رغم اليقين أنها سوف تنتصر حتما... 
لكنها حتى اليوم غير مستعدة لدفع ثمن هذا الانتصار...

قرار إيران يبقى في يد قادتها...
لا نستطيع طلب الأكثر من الجمهورية الإسلامية التي قدمت الكثير الكثير وأكثر بملايين المرات من كل اولئك الذين (يتفلسفون) عليها...

اليمن الذي لا يملك كل الأرض، والذي يتعرض لمؤامرات النظام الرسمي العربي وأدواته من مجلس جنوب عفن وقوات شمالية أكثر عفنا واشتراكيين كلاب، وناصريين خونة، واسلاميبن لا صلاح فيهم...
يمن أنصار الله يقف ربما وحده إلى جانب فلسطين...

حزب الله الذي يلتفت إلى الخلف دوما خوفا ليس فقط من طعن النظام الرسمي العربي، بل خوفا اكبر من الجاهلية المذهبية العربية التي رآها في سوريا وفي التفجيرات التي قام بها التكفيريون في شوارع الضاحية الجنوبية من بيروت...
حزب الله يقف خلف حماس والجهاد...
لكن جزءًا من جمهور المقاومة الإسلامية في لبنان يخاف من المفاوضات الجارية ومن بعض ما يظهر من نهج مساومة تظهر بعض دلالتها في الدوحة والقاهرة وباريس...

بعد انهيار العرب واستسلامهم، كان زعماء الأحرار في العالم يقولون لن نكون عربا أكثر من العرب...

بعد تدحرج استسلام منظمة التحرير حتى الوصول إلى أوسلو، صار العرب يقولون، 
لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم...

اليوم...
بعد طوفان الأقصى وما وصلت إليه حرب التحرير والتضحيات الجبارة للشعب الفلسطيني، 

أمام حماس والجهاد 
فرصة الضرب على الطاولة وفرض الشروط على المحتل بقوة الدماء والدموع والكفاح المسلح...

لا تعطوا أحدا أي عذر كي يتخلى عنكم...

لن تنتصروا وانتم تفاوضون بعقلية المصري أو القطري...

تنتصرون فقط بالدم الفلسطيني الذي يسيل كما الأنهار في غزة والقطاع...
تنتصرون فقط بدموع فلسطينيي ال٤٨ والشتات...
تنتصرون فقط بدعم العالم الحر الحقيقي لكم...

تنتصرون فقط بقوة العزيمة والاستعداد لتقديم المزيد من الأضاحي على أرض فلسطين...

يوم ساوم سكان اميركا الأصليين، اندثروا...

يوم ساوم النظام الرسمي العربي، صار عبدا من عبيد النظام الإمبريالي العالمي...

ساومت منظمة التحرير فصارت السلطة حارسا للاحتلال، وصار محمود عباس أحد صبيان الإحتلال...

إذا أردتم النصر، يجب أن يكون هناك موقف واحد عن كامل فلسطين التاريخية...

لا مساومة، لا اعتراف، لا استسلام...

دولة فلسطينية ديموقراطية واحدة من النهر الى البحر لكل السكان...
 مع مساوات كاملة لكل السكان...
حق العودة لكل الفلسطينيين...

قوتكم في الدماء التي سالت والتي سوف تسيل...

سوف تأتي القوى اليكم والى جانبكم يوم تكونون اوفياء لتلك الدماء وتلك الحقوق...
 لا تستطيع قوة على الأرض النيل منكم إلا إذا انتم تنازلتم...

(يستطيع العالم سحقكم، لكنه يجب أن يعلم أنه لن يستطيع نيل التوقيع على الاستسلام)...
                 
                   حليم الشيخ محمد
المصدر: موقع إضاءات الإخباري