توصف السجون الأمريكية بأنها مناطق ضخمة مجهولة بعيش فيها ملايين الأشخاص خلف القضبان وفق قوانين خاصة غير مكتوبة تحمل الكثير من مظاهر التمييز العنصري.
علاوة على ذلك توجد في الولايات المتحدة سجون خاصة تلحق بها مصانع وورش تستغل المساجين وتجني الملايين في حين يمنح العاملون بها أجورا زهيدة، أقل بكثير مما تفرضه القوانين والتشريعات الأمريكية العامة، وبذلك تحولت المنظومة الإصلاحية إلى أداة للاستغلال وللثراء الفاحش وبعيدا عن أي رقابة عملية.
من مظاهر العنصرية على سبيل المثال أن أحد الحراس في سجن ولاية نيويورك ويدعى بريان بوبور، خاطب مدانا في جريمة قتل من أصول إفريقية يدعى جون ريتشارد وكان يرتدي نظارة طبية قائلا: "القرود لا ترتدي النظارات"، طالبا منه نزعها.
المدان رفض تنفيذ ما طلب منه، ونشب عراك بين الاثنين، فيما هرع العديد من الحراس لمساعدة زميليهم. بالمحصلة تعرض السجين المدان لضرب مبرح جعله غير قادر على المشي، وحطمت نظارته، ثم عوقب بإغلاق بالزج في زنزانة انفرادية لمدة ستة أشهر.
الحارس خرج من العراك برضوض خفيفة، وكتب في إحاطته الرسمية لرؤسائه، أن السجين بادر إلى الهجوم عليه، وأخفى ما صدر عنه من إهانة عنصرية. على هذا النحو تجري الأمور داخل السجون الأمريكية، كما تدل الكثير من الشهادات.
جيري ميتكالف، وهو سجين مدان في جريمة قتل غير متعمد وبحيازة سلاح، قال في مقابلة صحفية من سجنه: "هنا كل شيء يعتمد على العرق. أعني حقا كل شيء"، مضيفا أن المدانين البيض يجلسون في غرفة الطعام في زاوية، ويجلس السود في زاوية أخرى، ويتولى حلاق أبيض البشرة قص شعور البيض، ويحلق أصحاب الأصول الإفريقية واحد من أبناء جلدتهم.
جوهر المشكلة يلخصها هذا المدان قائلا: "هنا لا يزال عام 1950 قائما. أعنى نحن نتشارك فقط في نوافير المياه.. والفرق الوحيد هو أن البيض في الغالب هم أقلية خلف القضبان".
يعيش في عالم السجون الأمريكية القاسي ما يزيد عن 2.2 مليون شخص، وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى على مستوى العالم من جهة عدد السجناء بالنسبة لعدد السكان الإجمالي، وفي هذا البلد، بحسب التقارير، يوجد أكثر من ألف سجين مقابل كل 100000 مواطن، بما في ذلك من هم في سن الطفولة والمراهقة.
اللافت أن ما يقرب من 40 بالمئة ممن يعيشون داخل السجون الأمريكية هم من الأمريكيين من أصول إفريقية، على الرغم من أن نسبة هؤلاء في البلاد لا تزيد عن 13 بالمئة.
صحيفة نيويورك تايمز كانت نشرت في عام 2016 دراسة حول الانضباط في السجون الأمريكية، فحصت من خلالها ما يقرب من 60 ألف إجراء تأديبي في 54 سجنا في ولاية نيويورك.
نتائج الدراسة أظهرت أن الأقليات العرقية وخاصة السود لا يتعرضون في السجون فقط لمظاهر معاملة عارضة متحيزة فقط، بل يواجهون معاملات متحيزة متأصلة في مؤسسات السجون الأمريكية.
البيانات في تلك الدراسة بيّنت أن المدانين السود يعاقبون في المتوسط بنسبة 30 بالمئة أكثر من المدانين البيض، وفي نفس الوقت بالنسبة للمعاقبة بالسجن الانفرادي، يقضي المساجين من أصول إفريقية ساعات في الزنازين الانفرادية أكثر بنسبة 65 بالمئة من البيض.
مظاهر التحيز ضد السود في العقوبات تسري على جميع القواعد التأديبية تقريبا، وما يزيد من وطأة مثل هذه المعاملات الظالمة أن كلمة أي حارس كافية تماما لإثبات ذنب السجين الملون، وأحيانا يعاقب الأمريكيون من أصول إفريقية ضعفي زملائهم البيض، وقد يتعرض سجين ملون للعقوبة على سبيل المثال لأنه لم يخرج من الحمام بالسرعة المطلوبة، حين طُلب منه ذلك