كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد:
اشتهرت في لبنان طيلة زمن الأزمة مقولة أن من يملك القوة لا يريد الحرب الاهلية، والمقصود هنا فريق حزب الله؛ وأن من يسعى إلى الفتنة الداخلية لا يملك القوة، والمقصود هنا الفريق المناوئ لحزب الله، التابع للغرب والرجعية العربية...
قد يكون هذا الأمر صحيحا عند حصر الصراع في الداخل اللبناني...
لكن من اشعل الفتنة في سوريا وشن الحرب الكونية على هذا البلد اثبت أنه قادر على تجاوز كل الحدود وكل الخطوط...
هذا الفريق قد نقل بالفعل الى لبنان عشرات الآلاف من القتلة المأجورين ضمن موجات النزوح السوري لتهيئة الأمور في لبنان وخلق وقائع جديدة على الأرض...
كل هذا جرى بانتظار أن تسنح الفرصة...
الأمر الوحيد.الذي يمنع هؤلاء، هو خوفهم من سابع من أيار جديد ينتهي بهروب كل هؤلاء القتلة والخونة إلى قبرص ومن ثم إلى أوروبا كما حصل قبلا...
هؤلاء القتلة لا دين لهم ولا هوية، وقد أثبتوا ذلك منذ اليوم الأول في الحرب السورية حين وصلتهم الإمدادات من اسرائيل وأرباب اسرائيل من الغرب ومن العرب على حد سواء...
قد يضع أحدهم علامة استفهام بهذا الخصوص فيما يخص تركيا وإمارة قطر؛ لكن نظرة فاحصة دقيقة إلى كل الأوضاع تبين بما لا شك فيه أن التبعية لأميركا والخضوع لها ولما قد تقرره هو الخط الذي لا يجرؤ لا أردوغان ولا امير قطر على تجاوزه...
أما السعودية والإمارات والأردن ومصر وبقية دول (التتبيع ) في العالمين العربي والإسلامي؛ فخط دبي السعودية الأردن فلسطين المحتلة الذي يلتف على حصار الحوثيين للكيان، كما منع التموين على حدود مصر من خرق الحصار لقطاع غزة، هما خير دليل على أن العفن في النظام الرسمي العربي وصل إلى العظم...
أما الشعوب العربية بشكل عام فيكفي النظر إلى الاعتراض العاجز عن أي فعل في الأردن ومصر حيث لم يتجرأ (إبن إمرأة) على اعتراض ولو شاحنة تخترق شوارع الاردن باتجاه الأرض المحتلة ولو بزجاجة مولوتوف؛ ولا في اقتحام كيس طحين واحد سور الحصار المصري الاسرائيلي لمدينة رفح...
لكن هل ما ينطبق على الوضع الداخلي في لبنان ينطبق على الإقليم...؟
الذي يملك القوة المفرطة في الإقليم هو الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها...
هؤلاء، سواء وافقنا أم لم نوافق، يصولون ويجولون في كامل منطقة الشرق الأوسط لفرض إرادتهم...
هم نجحوا على الأقل في منع جبهات الإسناد لغزة من تجاوز خطوط حمراء ما، بينما يتدفق السلاح والعتاد والرجال وحتى المال إلى الكيان...
حتى متى يمكن أن تظل الأمور على هذا الحال؟
الأمور مرهونة بخواتمها (جمع خاتمة) كما يقول المثل الشعبي في بلاد الشام...
لمحاولة فهم هذه الخواتم علينا الدخول في رؤوس القادة الأبطال الذين أشعلوا طوفان الأقصى...
تقول الكثير من التحليلات أن هدف الطوفان كان عملية أسر محدودة تنتهي بتبادل كبير نوعا ما... لكن "لا ترم إذ رميت إنما الله رمى"...
فتح الله الآفاق أمام هذه العملية حتى وصلت إلى كسر كل المؤامرات التي حيكت وكادت تقضي على القضية الفلسطينية كما ندب وبكى نديم قطيش على احدى القنوات التابعة لدولة الإمارات ونظامها العميل...
لكن هل هذا فعلا ما حصل؟
لماذا امتدت العملية إذاََ للقضاء على وحدة غزة في جيش الكيان والسيطرة على مركز المخابرات والتجسس الصهيوني الذي يدير العمليات في كل دول الشرق الأوسط...؟
لقد درا حوار هادئ بالتأكيد بين ثلاثة قيادات تاريخية على الأقل أثناء التحضير لعملية طوفان الأقصى هم يحي السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى...
لسنا هنا أمام محمود عباس العاجز حتى العمالة، أو محمد دحلان عميل الامارات أو حسين الشيخ عميل التعامل الأمني مع الكيان أو غيرهم من أقزام القضية الفلسطينية...
القائد التاريخي يضع اسوأ الاحتمالات ويمشي على هذا الأساس...
هذا ما فعله بالضبط ثلاثي السنوار الضيف عيسى...
المقاومة الفلسطينية في غزة محاصرة وتستطيع الصمود ربما لأشهر...
الشعب الفلسطيني سوف يتعرض لعملية إبادة من غير الممكن بناء ملاجئ له أو انفاق كما طالب بسذاجة الإعلامي محمد بركات من موقع أساس ميديا...
عدم القدرة على بناء ملاجئ أو أنفاق لحماية كل الشعب الفلسطيني في غزة ناتج عن حالة الحصار والاحتلال وانتشار عملاء الكيان والدول الغربية وحتى الدول العربية التي تخدم الكيان عبر برامج مساعدات تهدف إلى ترويض الشعب الفلسطيني واستمرار الاعتماد عليه في بناء المزيد من المستوطنات أو العمل في خدمة مؤسسات هذا الإستيطان...
من المؤكد أن القائد التاريخي تنبأ بحرب الإبادة تلك... ربما لم يتخيل القادة الثلاثة مدى التدمير والإبادة وما وصلت إليه وما قد تصل إليه بعد...
ربما اقتنع القادة الثلاثة أنهم لن يكونوا وحيدين في ميدان القتال وان الجسر الجوي الأميركي سيقابل بوحدة ساحات أكثر فاعلية...
ربما اعتقدوا أن الضفة سوف تنتفض بكاملها وتعلن العصيان المدني على أقل تقدير طالما محمود عباس والسلطة لا يملّون الدعوة إلى النضال السلمي الذي لم نتبين بعد أي طرف خيط منه رغم حجم الإبادة وهول ما يحصل...
ربما اضرب محمود عباس عن الأكل بين أربعة حيطان في العتمة تضامنا مع غزة...
ربما صدق القادة الثلاث أن شعب الاردن سوف يقتلع السفارة الاسرائيلية ويضع حدا للتعامل مع الكيان أو التجارة معه...
ربما اعتقدوا أن جمال عبد الناصر آخر سوف يظهر في مصر ويرفض ذبح الفلسطينيين الذي يجري في كل الساحات اليوم...
الافتراضات كثيرة لكن حقيقة واحدة لا بد أن تكون خطرت على البال:
ماذا لو استطاع حراس الكيان من أهل السلطة فرض حدود دنيا لاي انتفاضة قد تحصل؟
ماذا لو خذلنا شعب الاردن وكان هذا النظام كما عودنا دائما عونا للكيان علينا..؟
ماذا لو امتد نوم نواطير مصر عن ثعالبها، وقد بشمن وكادت أن تفنى العناقيد..؟
ماذا لو... ماذا لو...؟
في أسوأ الأحوال افترض القادة الثلاث أنهم سوف يسقطون شهداء مع عائلاتهم وتُمنى الحركة الوطنية الفلسطينية بهزيمة عسكرية طالما أن الطرف الفلسطيني هو الأضعف من ناحية التسليح والتكنولوجيا والقدرات المادية...
رسم القادة الثلاث هذه الصورة القاتمة ثم نظروا إليها بتأن...
ماذا رأوا..؟
هذا ما ظهر:
لقد سحقت مزبلة التاريخ ليس فقط محمود عباس والخراف التي تمشي وراءه...
وصلت مقصلة التاريخ الى خالد مشعل وموسى مرزوق وعزمي ومروان بشارة من ثوار المخمل في قطر...
حملوا المجهر وفتشوا أكثر...
لم تختف الكرامة والشرف فقط في النظام الرسمي العربي...
اختفت الكرامة والشرف حتى عند من لم يقاتل أو ساوم بشكل من الأشكال...
رأوا الرايات السود وخيم العزاء تمتد في كل دول محور المقاومة...
رأوا حزب الله يقاتل أهل الفتنة في الداخل بعد أن قويت شوكتهم و جاءهم المدد من الإمبريالية...
رأوا الدمار وداعش والنصرة في كل بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين . يذبحون ويذبحون ولا تتعب أيديهم القذرة...
رأوا أحفاد ابي لهب وابي سفيان على ظهور دبابات أميركية وبريطانية يحاصرون معا صنعاء وصعدة...
رأوا نهاية الكون...
على الأقل... حتى فجر آخر ومحور مقاومة آخر...
عندها تيقن القادة الثلاث أن امام إيران ومحور المقاومة خيار واحد لا ثاني له: القتال ثم القتال ثم القتال...
أمام أميركا والغرب حلان لا ثالث لهما:
صبي أو بنت...
أبيض أو أسود... لا يوجد لون رمادي...
إما الذهاب الى الأخير مع اسرائيل أو إجبار اسرائيل على تسوية سوف تكون هزيمة لها...
حتى الآن يبدو وكأن الاميركيين ذاهبون في الحرب حتى الاخير... كل شيء يشير إلى ذلك حتى لو أصر الإعلام المقاوم على اختراع خلاف بين نتنياهو وبايدن...
لذلك، لن تكون الحرب بالنقاط كما تنبأ السيد نصرالله ومن ورائه محور المقاومة...
الحرب مستعرة في اليمن...
أميركا أجبرت أهل المساومة في العراق على الإقلاع عن أحلام اليقظة... أميركا ضربتهم و أعادت إليهم الرشد بأنه...
"ما فيش خلاص... ما فيش مناص...
يا تجهزو جيش الخلاص،
يا تقولوا عالعالم خلاص"،
كما قال الشاعر احمد فؤاد نجم على لسان الشيخ إمام...
سوريا يجب أن تستيقظ يوماً وألا فعلى بشار الاسد وما تبقى من وطنيين ومن واستقلال السلام...
لا يمكن الاستمرار إلى ما شاء الله في تلقي الضربات الإسرائيلية والغربية دون رد وهذا ما تفعله سوريا...
"الإمام من قام"،
كما يقول إخواننا في اليمن...
إذا استمر بشار الأسد في الرقود، لن تكون سوريا بحاجة له...
تركيا سوف تظل دائما هناك...
كذلك عملاء قسد...
كذلك عملاء الداخل والخارج من الجولاني الى اصغر كلب من كلاب العرب...
لذلك أمام سوريا حل واحد فقط: القتال...
ما ينطبق على كل هؤلاء ينطبق على حزب الله بصفته قائد المحور عند العرب...
أما إيران...
فعليها أن تعرف أن الهروب من الصدام مع الأميركيين لن يلغي حتمية هذا الصدام إلا في حالة واحدة فقط...
امتلاك السلاح النووي وامتلاك الوسائل التي تستطيع إيصاله ليس فقط إلى أوروبا بل إلى اميركا أيضاً...
لا بد من إزالة اسرائيل عن الخارطة وإعادة فلسطين إلى هذه الخارطة حتى لو أدى ذلك إلى حروب طاحنة ستذهب بالملايين من الشهداء...
هذا هو ثمن الحرية والاستقلال...
أميركا أثبتت أنها لن تتخلى عن إسرائيل لو مهما علا الثمن...
هل تتخلى إيران والمحور عن فلسطين؟
هنا السؤال...
لكن هزيمة اميركا حتمية...
أميركا التي عجزت في فيتنام والتي هرعت من بيروت عند أول عملية استشهادية طالت جنود المارينز والتي لم تستطع السيطرة على أفغانستان بعد عشرين سنة من الإحتلال؛ اميركا هذه لن تستطيع المغامرة عبر محاولة احتلال إيران...
إذا تجرأت ودخلت إلى إيران، سوف تكون النتيجة واضحة وضوح الشمس ولا تختلف عما حصل في أفغانستان وبيروت وفيتنام...
اسرائيل ارتكبت أمس في لبنان مجازر...
النبطية لن تكون المجزرة الأخيرة...
نتنياهو ليس الوحيد الذي يريد الحرب...
٦٠٪ من الاسرائيليين يريدون الحرب...
القول بأن الحزب لا يريد الحرب لا يعني شيئا غير المزيد من الأضاحي بلا مقابل أو مع مقابل بخس...
اسرائيل تريد الحرب...
أميركا ومعظم الغرب موجودون في قلب هذه الحرب...
إما نوم لا استفاقة قريبة تتبعه، وإما قيامة لا قعود يتبعه...
حرب الجنوب خير دليل...