قبل تحرير الجنوب، كنتُ أقرأ في صحافة لبنان (من «النهار» إلى «المستقبل» وغيرهما) مقالات يوميّة في ذمّ المقاومة وفي ضرورة الإيمان بسلاح شارل حلو والسنيورة الديبلوماسي لإقناع إسرائيل بالانسحاب من لبنان. وقتها، قالوا لنا إنّ إسرائيل عاقلة ومنطقيّة وإنّه لا يمكن التفاهم معها إلا بالحُسنى وإنّ علاقات لبنان الديبلوماسيّة وانتشار أطباق التبّولة حول العالم كفيلة بردع إسرائيل. أذكر مرّة مقالة افتتاحيّة في «النهار» لجبران تويني (قبل تحرير الجنوب) وفيها يعبّر عن خجله لأنه شاهد استعراض «يوم القدس» في الضاحية فيما كان سفير غربي يزوره في مكتبه. تصوّر الخجل الذي أصاب الصحافي اللبناني أمام مشهد متطوّعين لبنانيّين مصرّين على تحرير أرضهم من جيش حليف لبلد ذلك السفير. «جرصة». لكن بعد التحرير، تغيّر كل شيء وخرجت جريدة «النهار» نفسها وكل صفّ 14 آذار بمقولة إنّ الجميع شارك في التحرير وإنّ الكل كان مع المقاومة. جريدة رفيق الحريري كانت تمتعض عند كلّ عملية للمقاومة (هذا الذي يقولون عنه إنّه شارك في التحرير، لا وطالعنا غسان شربل بخبريّة أنّ الحريري المقاوِل كان شريك وديع حداد من... السعوديّة). وحتى البطريركيّة التي كانت راعية لجيش لحد أصبحت آنذاك شريكة في التحرير ومجده. لكن الشيء نفسه جرى في حرب تمّوز: كل فريق 14 آذار كان في صف إسرائيل ووثائق ويكيليكس أثبتت ذلك. كان بطرس حرب يعطي شبه إحداثيّات ويحثّ إسرائيل عبر السفارة الأميركيّة للتقدّم في أرض الجنوب. الياس المرّ كان يسدّد النصح الطائفي للعدوّ. وبعد هزيمة العدوّ، عادت كل جماعة 14 آذار وزعموا أنّهم كانوا كلّهم في صف المقاومة قبل 7 أيّار. اليوم، هناك فريق التغيير والثورة والانعزال اليميني: هو ينقل المطالب الإسرائيليّة يوميّاً ويمنح المهل للحزب للانسحاب من أرضه، ويشدّد على ضرورة التزام لبنان بالـ 1701. لكن لماذا لم يطالب هذا الفريق إسرائيل قبل غزة بالالتزام بالـ 1701 الذي وحدها تخرقه؟ لكن غداً، ترقّبوا: سيزعم هؤلاء (ليسوا أعوان إسرائيل، معاذ الله) أنّهم ناصروا الحزب وأمل في مقاومة إسرائيل وصدّها.