كتب الأستاذ حليم خاتون:
استضافت المنار الأستاذ قاسم عز الدين لإجراء حلقة كلاسيكية تقوم على مديح غير علمي يقوم به معظم ضيوف هذه الشاشة...
ما قاله الاستاذ عزالدين فاجأ مقدم البرنامج لحدة النقد الموجه إلى محور المقاومة، لكن ما لم يقله الاستاذ قاسم يبقى هو الأهم:
نحن نعيش في مجتمع دولي يقوم على أنظمة لا تحترم إلا القوة...
ما نشرته الأستاذة رلى نصر عن الاستثمارات الحكومية الصينية في المستوطنات في قمة حرب الابادة على غزة، مع ما نعرفه عن سيطرة الأوليغارشيا اليهودية الصهيونية على قرارات موسكو وقيام هذه الأخيرة بالمساهمة في إسقاط الدولة السورية...
كل ذلك؛ إضافة إلى انتشار العهر السياسي على امتداد خريطة العالم العربي، يفرض علينا البحث الجدي في الخروج من مسلمات الإيمان الغيبي بحتمية انتصار الخير على الشر...
لو كان ذلك صحيحا، ما استطاع قطاع الطرق الأوروبيين من القضاء على السكان الأصليين في أميركا وأستراليا ونيوزيلاند وسرقة أوطان بحالها، والقضاء على حضارات لا نعرف عنها شيئا اليوم...
اختصر الاستاذ قاسم كلامه بجملة مفيدة...
ليست إسرائيل وحدها في أزمة وجود...
نحن جميعا في أزمة بقاء ووجود أمام جحافل هولاكو العصر الحديث الآتي لفرض العبودية الإقتصادية والسياسية على كل شعوبنا، بما في ذلك الشعوب العربية النائمة على حرير الترف والترفيه...
السلاح كما القرار، هما زينة الرجال...
جاء بابا روما وخليفة بطرس إلى لبنان وزار القديس مار شربل...
لكنه لم يجرؤ على زيارة مرقد بطرس في بلدة شمع في جنوب لبنان، ولم يجرؤ على زيارة مغارة قانا في جبل عامل التي قضى فيها السيد المسيح ليلة في طريقه إلى الناصرة...
لم يزر كنيسة دردغيا القديمة ليشعل شمعة على بابها...
فرح الجميع بزيارة البابا أملا في سلام لن يكون طالما أنه حتى البابا نفسه لم يجرؤ على مخالفة تعليمات القيادة الوسطى لحلف الأطلسي التي شنت ولا تزال تشن حرب إبادة بأشكال مختلفة على غزة ولبنان...
في حديثه عن اللوبي الصهيوني في أميركا، قال البروفيسور ميرشايمر ما نعرفه جميعا، وما لا يريد أحد الاعتراف به،
لقد استطاع هذا اللوبي زرع أناس في كل مكان حتى تماهت المصالح الأميركية مع مصالح إسرائيل ووصلت الجرأة بالسفير الأميركي في الكيان هاكابي إلى دعوة العميل الإسرائيلي الأميركي جوناثان بولارد إلى السفارة الأميركية رغم ان هذا الأخير لم يخف ولاءه حين صرح بأن على إسرائيل استعمال النووي حتى ضد أميركا إذا ما تجرأت يوما على الوقوف ضد مصالح إسرائيل...
كل هذا بينما كان الأميركيون من أصل لبناني توم حرب وداريل عيسى والكتائبي خيرالله الموظف في البنتاغون يدفعون باتجاه حرب أهلية في وطنهم الأم خدمة لمصالح إسرائيل...
لم يسخر البروفيسور ميرشايمر من اللوبيات القطرية والإماراتية والسعودية في أميركا، لكنه قال بالحرف إن هذه دول إبراهيمية بالمباشر او غير المباشر...
إنها تخدم إسرائيل مباشرة أو غير مباشرة...
بنظر الأستاذ قاسم كل هذه الدول ليست أكثر من محميات اميركية تحت السيطرة الإسرائيلية...
بعد حرب تموز ٢٠٠٦، وجه السيد نصرالله تهديدا مبطنا حول نيترات الأمونيا في حيفا...
وجه حزب الله التهديد... لكن الذي نفذ التهديد كان إسرائيل...
قام الموساد بأحد أكبر عمليات زرع شبه قنبلة نووية في مرفأ بيروت حين استطاع القيام بعملية معقدة جدا تشبه إلى حد كبير عملية البيجرز والووكي توكي...
أسس شركات وهمية في اكثر من بلد، وعمل على استيراد كميات ضخمة من نترات الأمونيا إلى الموزامبيق على ظهر سفينة غيرت طريقها بشكل مفاجئ بطلب وكيل بحري في عمان لكي تمر إلى بيروت بحجة نقل معدات تبين أن شركة ما في بيروت رأت انها غير ملائمة وتريد إعادتها إلى المصدر...
قصة تشبه فيلما بوليسيا قام أحد الصحافيين الاستقصائيين في لبنان، وسام حاطوم بربط كل خيوطها للبرهان أن تفجير مرفأ بيروت كان عملا عدوانيا إسرائيليا ضد الدولة اللبنانية تحديدا بعيدا عن حزب الله...
حتى ترامب نفسه عبّر قائلا:
لقد علمت للتو أن مرفأ بيروت تمت مهاجمته،
بينما يصر لبنان وتصر المقاومة أن كل القضية هي قضاء وقدر وقلة حيلة وقلة إدارة وفساد...
وكما استطاعت إسرائيل تحريك كل عملائها المحليين والعرب والدوليين في تغطية دورها في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبث الشائعات والتحقيقات المضللة تارة حول دور للمخابرات السورية والجبهة الشعبية القيادة العامة في هذا الاغتيال، وتارة أخرى في توجيه الاتهام إلى حزب الله في عملية الاغتيال لزرع فتنة سُنّية شيعية تؤدي إلى حرب أهلية في لبنان؛
تماما كما حدث في عملية اغتيال رفيق الحريري؛ تحركت نفس الجهات العميلة لإسرائيل لربط انفجار المرفأ تارة بوجود ذخائر وسلاح لحزب الله في المرفأ، وتارة أخرى باتهام الحزب بمسألة وجود نترات الأمونيا التي دخلت إلى مرفأ بيروت رغم الرقابة الألمانية المشددة على كل ما يدخل إلى لبنان من جهة البحر، ورغم تبين الدور الكبير الذي لعبته مافيا الفساد والسرقات في لبنان داخل القضاء اللبناني والإدارة والجيش واستغلال البيروقراطية لتغطية هذا الفساد في إبقاء النيترات في أحد الهنغارات المهترئة وغير المخصصة بانتظار اللحظة المناسبة لقيام إسرائيل بهذا التفجير...
كما العادة، تلهى حزب الله بالدفاع عن نفسه ومحاولة الحفاظ على السلم الاهلي دون الغوص في البحث والتحقيق خوفا من الاتهام الجاهز حول نظرية المؤامرة أو الاتهام بالخطاب الخشبي حول مسؤولية إسرائيل...
اجتمعت كل عوامل العمالة الموضوعية التي أمنها البنيان الطائفي في لبنان، إلى جانب عمالة ذاتية مباشرة قام بها الكثيرون من الأفراد الذين باتوا لا يخفون اليوم نواياهم تجاه إقامة علاقات طبيعية مع هذا الكيان غير الطبيعي الراقد على فلسطين والذي تصل اذرعه العسكرية إلى معظم لبنان وسوريا والعراق وتهدد إيران؛ بينما تهيمن اذرعه الخفية على كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج...
منذ ٢٠٠٦، وحزب الله يتهيأ لحرب حتمية سوف تأتي...
وفي كل مرة كانت هناك مبررات لهذه الحرب، كان القرار إما بإهمال النظر الى هذه المبررات وتجاهلها، أو حتى تجاهل ما يقوم به العدو الأميركي قبل الإسرائيلي...
وفقا للأستاذ ناصر شرارة الخبير بالشؤون الإسرائيلية، قامت أميركا مباشرة بعد حرب تموز ٢٠٠٦ بإرسال عشرات اللجان لدراسة هذه الحرب والأخطاء التي ارتكبتها إسرائيل وأدت الى هزيمتها يومذاك...
كلفت هذه اللجان وهذه الدراسات أكثر من مليار ومئتي مليون دولار غطاها بالكامل البنتاغون والمخابرات المركزية الأميركية...
خرجت هذه اللجان بخطة عربات النار التي رأينا نسخة منها في غزة تخت بند عربات جدعون في نفس الوقت الذي جرى تطبيق هذه الخطة حرفيا منذ اليوم التالي للسابع من أكتوبر...
العرب لا يقرأون، يقول الاستاذ ناصر شرارة...
المحور لا يتعلم ويستخلص الدروس، يقول الاستاذ قاسم عزالدين...
محور المقاومة الغارق هذه الأيام في عشق السعودية لم يفهم بعد أن جزءا كبيرا من خطة عربات النار استندت إلى مؤتمرات فك شيفرة حزب الله التي كانت تجري في ابو ظبي والتي كانت السعودية تشارك فيها بحماس وصل أن طلبت من إسرائيل اغتيال السيد نصرالله مع الاستعداد لدفع كامل تكاليف الحرب في سبيل هذا...
ما قاله الاستاذ عزالدين حول وجوب بدء محور المقاومة بإقامة علاقات مع الشباب العالمي الذي انتفض ضد إسرائيل مهم...
لكن ما لم يقله الاستاذ قاسم يبقى بين السطور لأن على اللبيب أن يفهم من الإشارة إلى أن عدونا ليس إسرائيل بل أميركا وكامل الغرب الأوروبي الجماعي...
انتهت المقابلة دون الوصول إلى الجوابات المقنعة حول كيفية مواجهة أميركا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من النظام الإمبريالي العالمي الذي يقوم بهذه الحرب لإخضاعنا...
العدو الذي فشل في لبنان سنة ٢٠٠٦ عاد وحقق الكثير من المنجزات سنة ٢٠٢٤...
العدو الذي فشل في اليمن طيلة أكثر من ثلاثين شهرا لا يستكين؛ يعمل هذا العدو ليلا نهارا للوصول إلى اختراق اليمن كما اخترق العراق وسوريا وإيران وحزب الله...
ما العمل؟
كيف تواجه إيران التقليدية عدوا اميركيا نوويا، مع كلب حراسة نووي هو الآخر...
يرى البعض إن على إيران البدء بحرب استباقية...
لكن إيران تصر على القتال الدفاعي رغم قيام أميركا وإسرائيل بكل الإجراءات غير الأخلاقية...
يسير حزب الله في نفس النهج الإيراني إلى درجة اننا أصبحنا نعد الضربات ونقف نحن على رجل ونصف وليس أحد ما في داخل الكيان...
هل من أمل؟
هل من ضوء في آخر النفق؟
أسئلة لا تحتاج إلى اكثر من قرار...
إذا كان السيد موسى قد رفع شعارا يقول، " السلاح زينة الرجال"، فإن ما تفرضه الوقائع اليوم على الأرض يقول أن السلاح في غياب قرار المواجهة يصبح خردة...
ما يجري في لبنان اليوم وفق الاستاذ قاسم هو التوجه مباشرة نحو الخضوع الكامل لاحتلال أميركي غير مباشر...
المؤسف في الأمر هو أن حزب الله موجود داخل الحكومة التي تسير وفق أجندة السيطرة الأميركية بالكامل دون أي مقاومة...
أما إيران!
كيفما تم النظر الى هذا البلد وكيفية إدارته للصراع، نجد اننا سوف نصل إلى القرار بعد فوات الأوان!
هل من مرشد يرشد المرشد ويعلمه أن الفتاوى ليست منزّلة، وإن إيران لا تستطيع البقاء اذا استمرت في لعب دور النعامة التي تدفن رأسها في الرمل لكي لا ترى ما تهيء له أميركا...
هل نبقى، أو ننضم إلى الشتات الذي يقاتل لإنهاء دور إسرائيل في المنطقة؟
هنا السؤال!
هنا وجوب الدخول في حرب البقاء!