كتب الأستاذ حليم الشيخ محمد:
٢٩-٢-٢٤
"لو لم تكن إسرائيل موجودة، لتوجب علينا إيجاد إسرائيل"...
كان هذا أحد أهم خطابات بايدن قبل ان يصل إلى الرئاسة...
إنه بايدن الكاثوليكي الذي يتابه بصهيونيته...
"نحن نكلف أقل من أية حاملة طائرات في الاسطول الأميركي، ونؤمن لاميركا خدمات تفوق أية حاملة طائرات..."
كان هذا فحوى ما عقب به شارون يوم أوقف جورج بوش ضمانات قرض أميركي لإسرائيل بعشرة مليارات دولار لإجبار الكيان على التبعية الكاملة لأميركا...
مع نهاية الحرب العالمية الثانية قرر المجلس اليهودي (الصهيوني)الأميركي سحق ألمانيا وتحويلها إلى بلد زراعي فقير؛ فقامت طائرات الحلفاء بقصف المدن الألمانية بكل وحشية حتى يمكن مقارنة مدينة دريسدن غداة هذه الحرب بمدينة غزة في حرب اليوم...
لم تبق هذه الطائرات إلا على المدن القليلة المنوي اتخاذها مقارا للقيادة العسكرية لهؤلاء الحلفاء...
بعد النصر وسقوط برلين، قام الحلفاء بتدمير ما تبقى من المصانع الكبيرة وتفريغ ألمانيا من كل الكوادر العلمية حتى بلغ مجموع ما دمر بعد الحرب وحدها حوالي ١٧٠ مصنعاً كبيرا مما كان يشكل القاعدة الصناعية لألمانيا وفقاً للبروفيسور اليوناني ڤاروفاكيس...
لكن لحسن حظ الألمان لعب تقسيم ألمانيا وسيطرة الاتحاد السوفياتي على القسم الشرقي من هذه البلاد دورا كبيراً في عودة الأميركيين عن قرارهم وإبلاغ الحكومة الألمانية يومها بوجوب أن ترضي ألمانيا اليهود لكي يتم إدخال المانيا الغربية في مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب...
رغم الفقر المدقع الذي كان يعيش فيه الألمان بعد إلغاء المارك القديم، قامت حكومة أديناور بتقديم منحة من ثلاثة مليارات ونصف المليار من الماركات الجديدة المدعومة من أميركا إلى الكيان الصهيوني...
لم تكتف اميركا بهذا بل أوحت الى الألمان بوجوب مساعدة الدولة الصهيونية الوليدة بالمال والخبرات إذا ما هي أرادت التمتع باستمرار الدعم الأميركي إلى درجة أن فاق مجموع تعويضات الهولوكوست التي توجهت حصرا إلى إسرائيل المئة مليار دولار بالإضافة إلى تزويد هذا الكيان سرا قبل حرب حزيران ٦٧ بعدة قطارات وحوالي خمسمائة دبابة وعشرة سفن حربية وما يزيد على خمسين طائرة قتالية حديثة في نفس الوقت الذي قامت فيه شركة سيمانز ببناء ثلاثة معامل كهرباء منذ الخمسينيات لتنقذ هذا البلد من التقنين الذي كان يعاني منه، وتؤمن له قاعدة تكنولوجية صناعية حديثة مع طاقة رخيصة... ولا تزال المانيا حتى اليوم تلعب دور الراعي الأساسي لهذا الكيان بعد الولايات المتحدة الأمريكية...
في هذا الوقت كانت أميركا نفسها تقدم الى إسرائيل مساعدات مباشرة بمليارات الدولارات، وغير مباشرة عبر السماح بتحويل أموال الضرائب الأميركية إلى اسرائيل لمن يشاء من رجال الأعمال والشركات...
وقد تجاوزت تلك المبالغ ال ٣٧٠ مليار دولار خلال ٧٥ وسبعين سنة... بالإضافة إلى رعاية كاملة عبر فرض التعامل التجاري والمالي مع الكيان على أي دولة تريد الدخول في أي علاقة مع أميركا...
إن الرعاية الكاملة للكيان الصهيوني من قبل الولايات المتحدة الأميركية والغرب ظاهرة بشكل كامل لكل من يريد أن يرى أو يسمع وكان آخرها تقاطر زعماء الديمقراطيات الغربية المزيفة إلى الكيان لمنعه من السقوط بعد وقوع ورقة التوت وكشف عورات هذا الكيان في السابع من أكتوبر...
كما عملت كبرى المواقع الإعلامية التابعة مباشرة أو غير مباشرة لهذه الديمقراطيات المزيفة على تجريم الضحية وتبرير حرب الإبادة والتجويع؛ وخرج روبرت مردوخ الذي يملك معظم هذه المواقع الى حرب مباشرة ضد الشعب الفلسطيني وكذلك الأمر مع الأقمار الصناعية والكثير من ملوك التواصل السيبراني...
لا بل تبين بالعين المجردة أن النظام الرسمي العربي كله تقريباً ينفذ التعليمات الصارمة الآتية مباشرة من مواقع القرار في واشنطن إلى درجة أن الدولة المصرية بأمها وأبيها نزلت في حلبة الضغط والتجويع ضد الشعب الفلسطيني بينما انبرى النظام الأردني إلى تمثيل دور الغيارى في مسرحية هزلية عبر بضعة صناديق مساعدات غذائية تم رميها في بحر غزة بموافقة سلطات الإستيطان...
لو تم سؤال أي طفل عربي حول الشرايين التي تمد الكيان الصهيوني بسبل الحياة لأشار إلى حكومات النظام الرسمي العربي الذي يعجز حتى عن توجيه ولو كلمة إلى الراعي الحقيقي للكيان أو حتى إلى تسميته...
حتى مندوب الجزائر في مجلس الأمن، ظهر وكأنه مخلوق من كوكب آخر لا يعرف تفاصيل ما يجري...
لم يختلف موقف الجزائر عن مواقف دول التطبيع سوى بسمات الإنكسار على وجه المندوب في مجلس الأمن وهو يكاد يقلد مندوب السلطة بالبكاء كما النساء...
"لا تبكي ملكا أضعته كالنساء، وانت لم تحافظ عليه كما الرجال..."
هذا فحوى ما واجهت به أم أحد أمراء الاندلس ابنها الضعيف وهو يبكي بعد أن دخلت جيوش إيزابيلا إلى قصره...
كيفما دار التحليل أو الحديث حول هذا الكيان نرى أن هناك أخطبوطا من الرجال والنساء والمؤسسات المنتشرة في العالم تقوم على رعايته ومنعه من السقوط... بما في ذلك جزء من أهل المنكوب وإخوانه واشقائه وشقيقاته...
كل هذا لخصه الفيلسوف الأميركي اليهودي المعادي للصهيونية نعوم تشومسكي في جملة مفيدة...
الإستيطان هو أعلى مراحل الإمبريالية...
بعد أن كان لينين قد وصف الإمبريالية كأعلى مراحل الرأسمالية...
الرأسمالية التي وصفها كارل ماركس كأعلى مراحل تطور المجتمعات ما قبل عصر الاشتراكية العلمية الإنسانية ( الاتحاد السوفياتي وجمهورية الصين الشعبية أو كوريا "الديمقراطية هي مجرد تطبيقات مشوهة لهذه الاشتراكية تماما كما أن السعودية تطبيق مشوه للإسلام والغرب تطبيق مشوه لروح المسيحية الإنسانية الحرة)...
كما يرى القارئ ليس صعباً على اي ذي عقل فك شيفرة هذا الكيان والايديولوجية الصهيونية التي ترعاه...
أساس كل ذلك يقبع في النظام الإمبريالي الذي يستند إلى الرأسمالية العالمية القائمة على عبودية الانسان للإنسان من أجل اله هو اليوم الدولار، وكان في فترة ما جنيها استرلينيا، ويمكن أن يصبح غدا أي عملة أخرى أو ربما عملات بهوية أو حتى عملات بلا هوية قومية محددة...
بل ربما يبقى الدولار نفسه طالما أن العالم لا يزال يخضع لهذه العملة...
عندما يعلن روتشيلد أن عائلته هي من صنع دولة "اسرائيل"، لا يبتعد الرجل السىء الذكر عن الحقيقة...
إن عائلة روتشيلد هي بالفعل من أقام هذه الدولة عبر امتلاك الإله الذي يسيطر على النظام المالي العالمي...
لقد فهم القليل القليل من الثوار في العالم هذه الحقيقة وتصرفوا على أساسها...
الاسم شبه الوحيد الذي يخطر على البال هو ارنستو تشي جيفارا... وربما... ربما قاسم سليماني...
بعض من فهم هذه الحقيقة رد عليها بالانتماء إلى الأيديولوجية الفوضوية...
بعضهم كان هذا الأمر أكبر من قدراته العقلية فلجأ إلى العصبية القومية مثل النازية أو الفاشية...
بعضهم لجأ إلى رب من نسج خياله أو وفق مفهوم غير بعيد عن النازية أو الفاشية مثل عبدالله عزام أو أسامة بن لادن أو حتى جنود الرب الموجودون في كثير من البلدان تحت هذا الإسم ولكن بهويات مختلفة لا ترقى إلى الأديان السماوية بأي شكل من الأشكال وإن كانت تستند إلى بعض التشوهات التي لحقت بهذه الأديان...
المهم، وبعيداً عن الفلسفة والتفلسف أننا وبعد أن رأينا بأم العين ماهية شيفرة الصهيونية، علينا أن نسأل أنفسنا السؤال التالي:
ما هو الحل؟
النظام الرسمي العربي والكثير من الأنظمة التي تتحكم بالشعوب رأوا جميعاً أن الحل هو في الإنضمام إلى صفوف عبيد هذا النظام العالمي الذي تقوده الإمبريالية الأميركية اليوم، والذي كانت تقوده الإمبريالية البريطانية في زمن ما إلى جانب الإمبرياليات الفرنسية أو الروسية أو غيرها...
عودة إلى تشومسكي...
"الإستيطان هو أعلى مراحل الإمبريالية"..
يعني باختصار أن من يريد مواجهة الاستيطان لا يستطيع التعايش مع الإمبريالية...
روسيا أو الصين أو غيرها تسعى إلى عالم تعدد الأقطاب... أي تعدد الإمبرياليات...
من المؤكد أن تعدد الأقطاب افضل من أحادية القطب التي تخرج بعض بني الإنسان من إنسانيتهم...
لكن الحل المطلوب للحالة الفلسطينية اليوم لا يستطيع انتظار عدالة لا من القطب الواحد ولا من تعدد الأقطاب...
جمهورية جنوب إفريقيا تقدمت إلى محكمة العدل الدولية تلتمس حلا أخلاقيا من قضاة قام بتعيينهم نفس هذا النظام المالي العالمي...
قد يخرج أحد من هؤلاء القضاة بشيء من الأخلاق رغم أنه حتى اليوم لم يثبت أي واحد من هؤلاء أنه مستعد لإصدار حكم يخالف ما يريده هذا النظام العالمي بما في ذلك القاضي اللبناني نواف سلام الذي يرأس المحكمة دوريا هذه الأيام والذي من المفروض أن تكون القضية الفلسطينية أمرا مرتبطاً بوجدانه...
باختصار...
حتى اليوم يبدو وكأن هناك من يلتمس الدبس من طيز النمس كما يقول الشاميون...
تعبير قد يبدو غير لائق لكنه الحقيقة التي يجب أن يواجه بها الفلسطيني ليس فقط العالم أو حتى محور المقاومة... بل يجب أن يواجه بها نفسه ويعرف أن القدر وضعه في فم القرش...
إذا كان يونس قد خرج من بطن الحوت دون قتله، فالنجاة من اسنان سمك القرش لن يأتي بلا دم...
لا ألف، ولا عشرة آلاف، ولا مئة ألف، ولا مليون شهيد أو ضحية تكفي...
كل فلسطيني هو إما مشروع ضحية أو مشروع شهيد...
اليوم عنوان القضية موجود في فلسطين...
غدا سوف يكون في لبنان...
اليوم تجري الحرب في اليمن حيث تجتمع شياطين الأرض غضبا من هذا اليمني الفقير المعدم الذي يريد أن يمتلك كرامة في زمن دوس الكرامات...
في العراق، في سوريا...تجري نفس المذبحة سواء اعتزل العراقيون عن المقاومة أم لم يعتزلوا...
كل واحد منا هو إما مشروع ضحية أو مشروع شهيد...
أو ربما مشروع عبد لهذا النظام العالمي الذي يريد منك أن تُغتصب وانت تبتسم... أن تموت وانت تضحك فرحا...
غدا ربما تعلن الإمارات أن زواج المثليين هو قيمة حضارية يجب على الإماراتيين التحلي بها... يبدو أن محمد بن زايد فائق الحيلة في اتباع التعليمات...
في مصر لم يعد صوت جمال عبد الناصر حول الكرامة يعني الكثير...
من لا يسمع صراخ الفلسطينيين وأنينهم اليوم لن يسمع أنين فقراء مصر من العطش أو الجوع غدا عندما يُطبِق النظام المالي العالمي على مقدرات مصر...
الخديوي باع قناة السويس فلعنته الآلهة، ولعنه التاريخ...
السادات ومبارك باعا اقتصاد مصر وعظمة مصر...
جاء محمد مرسي يريد بيع ما تبقى فخلعه السيسي لأنه الأولى ببيع ما تبقى من مصر...
مصر ام الدنيا صارت خردة...
كذلك سوف يصير كل من يؤخر مواجهة سمكة القرش الكبيرة التي اسمها اليوم أميركا...
إيران اليوم لا تختلف كثيرا عن مصر أيام جمال عبد الناصر...
العبرة في التعلم من التاريخ...
التاريخ لا يرحم من يغمض العين ولو لحظة عن الحقيقة...
إما دق طبول الحرب... أو إقامات خيم العزاء...
