يبدو ان اول من اطلق عليها اللعبة الكبرى كان ضابطا بريطانيا يدعى: ارثر كونولي، الذي لعب هذه اللعبة بشجاعة على طول جبهة الهيمالايا، وفي صحاري وواحات اسيا الوسطى، وقضى في النهاية بطريقة مريعة، فقد القاه احد الامراء الاوزبك في بئر مليئ بالحشرات والزواحف، حيث بقي في ذلك البئر شهرين ثم اخرج ما تبقى من جثته وتم فصل راسه عنها.وقد وجدت عبارة اللعبة الكبرى في اوراقه حيث استشهد بها احد مؤرخي الحرب الافغانية الاولى ، كما ضمنها " روديارد كبلنغ" في روايته " كيم" التي تروي قصة فتى انجليزي هندي وناصحه الافغاني وهما يحبطان المكائد الروسية على طول الطريق الى الهند.لقد بدأت اللعبة قبل 1829م وذلك عندما دخل دوق ولينغتون ، الذي اصبح بعدها رئيسا للوزراء ، في مراسلات رسمية حول الطريقة المثلى لحماية الهند من هجوم روسي عبر افغانستان ، وكانت الطريقة المثلى وغدت الاستراتيجية البريطانية بعد ذلك على توظيف الانظمة الفاسدة لاسيا المسلمة لتشكل حاجزا ضخما، بين الهند البريطانية والطريق اليها من مصر، وبين التهديد الروسي.وقد ترافقت هذه السياسة بشكل خاص مع اسم اللورد بالمرستون الذي قام بتطويرها على مر السنوات العديدة التي شغل فيهامنصب وزير الخارجية من العام 1830م الى1834م، ومن 1836م الى 1841م، ومن 1846
م الى 1851م، ومنصب رئيس الوزراء من العام 1855م الى 1858م، ومن 1859 م الى1865م.
*المصدر : نهاية الدولة العثمانية.ديفيد فرومكين.
اللعبة الكبرى كانت دائرة منذ تشكيل الدول وصعود الامبراطوريات، قبل ان يعبر عنها ارثر كونولي.هي لعبة ابدية ستبقى ما بقيت الدول والاحزاب والمنظمات والمؤسسات.يمكن تصنيف اللعبة الى نوعين لا ثالث لهما،
اللعبة المحددة: اللاعبون محددون، وقوانينها ثابتة واهدافها واضحة.مثال ذلك لعبة كرة القدم وكرة السلة والشطرنج الخ.
اللعبة غير المحددة: اللاعبون كثر يأتون ويذهبون ، والقواعد متغيرة وبلا اهداف محددة وواضحة.لا يوجد رابحون وخاسرون، لا يوجد شيئ اسمه رابح، بل متقدم او متخلف. كل ما يجري حولنا وعلى ارضنا هو لعبة غير محددة ، ان من يكافح في هذه اللعبة بعقلية محددة فانه سيكون متخلفا عن التجديد على مستوى الجهود التقديرية ، الروح المعنوية والاداء.اما القادة الذين يتبنون العقلية غير المحددة وفي تناقض صارخ مع الثابت المحدد ، فانهم يبنون بنيانا قويا واكثر ابتكارا ويقيمون منظمات محفزة وفاعلة وكل افرادها يثقون ببعضهم وبقيادتهم ، ولديهم المقدرة والصمود ليكافحوا في عالم دائم التغير والتقلب.فيما يبقى منافسيهم على قارعة الطريق.وفي النهاية هم من يقودونا الى المستقبل.في هذه اللعبةالتي يشارك فيها لاعبون معروفين ومجهولين وغير محددي العدد ، يخرج بعضهم وينضم اخرون ، لا يوجد فيها احكام وقواعد متفق عليها ، على الرغم من وجود مواثيق او قوانين تضبط سلوك اللاعبين ضمن هذه الحدود الواسعة ، الا ان اللاعبين يلعبون على هواهم ، ويغيروا طريقة اللعب في اي وقت ولاي سبب من الاسباب.ان كل ما في الكون هو لعبة غير محددة ، تمارسها الدول والمنظمات والاحزاب.ان اللاعبين الذين يشاركون في هذه اللعبة ينقسمون الى فئتين ، الفئة التي تدخل اللعبة بعفلية محددة وجامدة ، والفئة الثانية التي تلعب اللعبة حسب شرطها المنطقي العقلية غير المحددة والمتجددة ، التي لا تقف تحت سقف محدد من المعرفة .الفئة الاولى تعجز عن مواصلة اللعب ، وتدخل في غياهب التخلف، اما الثانية ، فتواصل اللعب وينضم اليها لاعبون جدد يعوضون من سقط خلال المسيرة .فالاولى تتخلف والثانية تتقدم.اذا جاز التعبير ، المحصلة تخلف وشقاء وعدم القدرة على البقاء.والثانية تقدم وازدهار ورخاء.
عندما نقول : نحن شعوب متخلفة ذلك لان الذين قادوا مسيرتنا ومشاركتنا في اللعبة غير المحددة قادوها بعقلية محددة.العلة في العقلية العربية انها تدور في مدار ثابت وتحرم وتخشى الخروج من هذا المدار الى مدارات اخرى ارحب واوسع ودائمة التغير والتحول.وما دامت هذه العقلية هي الوحيدة المعمول بها ، فهي تحافظ على الاسس الراسخة لانظمة التخلف التي يستمر بقاؤها في السلطة ببقاء هذه العقلية واستمرارها.(( حلف التخلف ، عقلية كهذه - وانظمة مستبدة)). وويل للمارق فهو اما كافر او زنديق هدفه زعزعة النظام ، والخروج على الجماعة.
جاء دور الكيان الصهيوني المتعدد الوظائف في خدمة المركز الامبريالي ، ومن جملة وظائفه الحفاظ على التخلف والتبعية والانقسام.صحيح انه هزم الجيوش العربية في اربعينيات القرن الماضي لاسباب ذاتية وموضوعية .الحرب الوحيدة التي انتصر فيها جيش الكيان على الجيوش العربية مجتمعة هي حرب حزيران / يونيو ١٩٦٧م اما بعد ذلك لم ينتصر جيش الكيان في اي معركة بدءا بمعركة الكرامة في اذار /مارس ١٩٦٨م التي مني فيها جيش الكيان بهزيمة نكراء وطعنة نجلاء سددها الجيش العربي الاردني ورجال المقاومة الفلسطينية حيث تصدى الجيش الاردني ببسالة منقطعة النظير لهجوم جيش الكيان عملا بالقاعدة العسكرية التي تقول: (( في حالة الدفاع لا تنتظر الاوامر)) مرورا بحرب الاستنزاف التي اسست لحرب تشرين الاول/ اكتوبر ١٩٧٣ المجيدة وحرب تحرير جنوب لبنان في شهر ايار /مايو ٢٠٠٠ حيث كان فرار جيش الكيان تحت وحرب تموز ٢٠٠٦ الى حروب غزة واخرها طوفان الاقصى.اثبتت هذه الحروب قدرة وتفاني وشجاعة الجندي العربي وانه فعلا حفيد جنود اليرموك وحطين وعين جالوت.سيبقى هذا الجندي البطل ما دامت وبقيت هذه الامة.لكن من اجهظ هذه الانتصارات هو القيادات السياسية .
عندما لجأنا الى خيار الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية لم يكن لدينا لا الرؤية الصحيحة ولا العقلية القادرة على استيعاب ومعرفة متطلبات اللعبة غير المحددة ، وبقينا نراوح عند شعارات فضفاضة لا تقدم ولا تؤخر مما ادى الى تشرذمنا وتشظينا الى اكثر من اثنتي عشر فصيلا.بعد اجتياح لبنان واحتلال عاصمته بيروت صيف عام ١٩٨٢ وخروج منظمة التحرير الفلسطينية .برزت المقاومة الوطنية اللبنانية المسلحة وقادت مسيرة التحرير ونجحت في كنس المحتل الصهيوني من الجنوب اللبناني دون قيد او شرط.ان احد اهم عوامل انتصار المقاومة اللبنانية انها انخرطت في اللعبة غير المحددة بعقلية غير محددةوغير ثابتة تغيرت وواكبت المتغيرات وواصلت المسيرة المتجددة بانتظام لاعبين جدد يعوضون من يسقط خلال المسيرة.انتصرت في حرب تموز / يوليو ٢٠٠٦ ولا تزال تحقق الانتصار تلو الانتصار ، واصبحت منارة لكل المقاومين وعلى وجه الخصوص المقاومة الفلسطينية.التي اثبت طوفان الاقصى وتداعياته على صحة النظرية بل القانون القائل: (( اللعبة غير المحددة يجب ان تدار بعقلية غير محددة)).لذلك نجد رغم المجازر الوحشية والتجويع والحصار نجد ان قيادة المقاومة ملتزمة بهذه النظرية وهي تقودنا الى ان نكمل الصراع حتى نهايته المنطقية، بصرف النظر عن عن حجم التضحيات.وهذا شرطه الاستمرار في تعميم فكر وثقافة المقاومة.يحضرني هنا اللقاء الذي تم بعد عقود من انتهاء الحرب الفيتنامية بين روبرت مكنمارا وزير الدفاع الامريكي خلال الحرب مع نجوين كو ثاشالمختص الرئيسي في شؤون الولايات المتحدة الامريكية في وزارة الخارجية الفيتنامية من ١٩٦٠ ---- ١٩٧٥م.عبر مكنمارا عن دهشته من كيف اساءت امريكا فهم عدوها.((يبدو انك لم تقرأ كتاب تاريخ)) مقرعا اياه (( لو قرأت لعرفت اننا لسنا بيادق للصينيين او الروس...الا تعرف اننا قاتلنا الصينيين لمدة الف عام واستمر ثاش بالقول: (( نحن كنا نقاتل من اجل الاستقلال! وسنقاتل لاخر رجل! وكنا مصرين على عمل ذلك! ومهما كانت كمية القصف او كمية ضغط الولايات المتحدة ما كان يوقفنا ابدا)). كان الفيتناميون يلعبون لعبة غير محددة بعقلية غير محددة فكان لهم التقدم والنصر.
((Decades after the Vietnam War, Robert McNamara, U.S Secretary of Defense during the war,had the chance to meet Nguyen Co Thach, the North Vietnamese Foreign Ministry,s chief specialist on the United States from 1960 to 1975.McNamara was flabbergasted by how badly America misunderstood their enemy." You must never read a history book, "McNamara recounts Thach scolding him."if you had , you,d know we wern,tpawns of the Chinese or the Russians...Don,t you understand that we have been fighting the Chinese for a thousand years?".Thach went on ."We were fighting for our independence! And we would fight to the last man!And we were determined to do so!And no amount of bombing , no amount of U.S.pressure would ever have stopped us!".The North Vietnamese were playing an infinite game with an infinite mindset.
في خضم الحرب المستعرة الان في غزة تستضيف محطات التلفزة الفضائية عشرات المحللين السياسيين والعسكريين ورجال الاعلام والاكاديميين، لن تجد من بينهم الا القليل ممن يقيم الاحداث بشكل مهني وموضوعي.اما البقية فنجد من هو منحاز لهذا الطرف او ذاك، وهذا مبرر ومشروع في ميادين الاعلام، لان الفضائيات نفسها ليست محايدة اطلاقا، لان من يؤسسها ويمولها ليس فاعل خير، بل يمثل طرفا محددا ويخدم اجندة محددة.هناك فئة مدربة ومحترفة من المحللين تدس السم في العسل وتعمل مقابل اجر مدفوع لدى فضائيات شارك في تاسيسها قادة صهاينةوباتت معروفة، وتمطرنابسيل من التعاطف والبكائياتوت وتطيل التركيز على القتلى والجرحى والعذابات، التي تظبط الهمم والمعنويات ، وتنقلنا بعد ذلك الى الناطق العسكري باسم جيش الكيان بكامل قيافته العسكريةوالى جانبيه علم دولة الكيان ، وينقلون لنا كامل وقته وبعد ذلك يكررون ما سبق .اما خطاب نتنياهو فقد تم تكراره عدة مرات.
خلاصة القول ان كافة المحللين ، لا يخلو كلامهم من عبارات تتعلق باللعبة واللعب.على سبيل المثال قولهم: في هذه اللعبة لم يكشف كل اوراقه بعد، يجب اقناعه بالتزام قواعد اللعبة، ولكن ان تغير اللاعبون ستبقى اللعبة اساسا اياها، في هذه اللعبة علينا ان نحذر ان لا نكون خدعنابسراب النجاح، ان الاكثر اهمية هو حدوث تغيّر في اصول اللعبةميدانيا، هناك اسئلة كثيرة ، ابرزها كيف نتجنب التزاما غير محدود لحرب بلا نهاية، كيف تنتهي اللعبة، قال نتنياهو : علينا ان نغير قواعد اللعبة، هل يقبض محور المقاومة على خيوط اللعبة؟،بدا الامر كانه النسخة الحديثة من" اللعبة الكبرى" ، اوراق اللعب ، الحجارة على رقعة الشطرنج، من اجل التفوق في الحرب الاوكرانية علينا اللعب باوراق اخرى.الخ الخ .
اينما قلبت من فضائية الى اخرى لا تسمع الا اللعب واللعبة واللاعبين.كان الشرق الاوسط المساحة الواسعة التي لعبت عليها جيوش الحلفاء والمحور في الحربين العالميتين الاولى والثانية.لم يكن لنا دور فاعل وحاسم، وكنا خارج اللعبة بحكم العجز الناتج عن التخلف والجهل.
شكل طوفان الاقصى منعطفا تاريخيا على كافة الاصعدة الوطنية والاقليمية والدولية ، والذي تمكنت من خلاله كتائب القسام وسرايا القدس من الدخول في النسخة الجديدة (( لللعبة الكبرى))، وما نجم عنه من تداعيات ونتائج فاقت في ابعادهاما ترتب عن العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا.السبب الجوهري في هذا التحول في الرأي العام العالمي واعادة تموضع واصطفاف القوى الاقليمية والدولية هو " ان اللاعب الفلسطيني ومن خلفه محور المقاومة ، دخل اللعبة غير المحددة بعقلية غير محددة" ، ارتبك جمهور محور المقاومة ووصل به الامر الى حد التشكيك باطرافه ، لان هذا الجمهور نشأ وترعرع في بيئة ثقافية جامدة وثابتة ومحصورة في اطار الثابت الذي يرفض ويخشى التحول ومعتاد على اللعب المحدد والعقلية المحددة.، والمقيدة بالماضي.
كل المحاولات الجارية الان من مؤتمرات اقليمية ودولية ، ومشاريع تطرح على مجلس الامن وخارجه ، ووساطات ولقاءات اقليمية ودولية ، ونداءات ومناشدات ودعوات من منظمات انسانية مختلفة وتحت ستار الحاجات الانسانية لشعبنا المحاصر في غزة الذي يتعرض يوميا للمجازر والتجويع، وما يرافق ذلك من التعنت المصري الذي يرفض بشدة مطلقة فتح المعابر، بالاضافة الى طرح جزرة حل الدولتين واعاة الاعمار.هذا الغرب الراعي للكيان الصهيوني والمنافق عليه اخذ مشروع حل الدولتين الى مجلس الامن الدولي وتفعيل قرار التقسيم كمدخل لحل الصراع والوصول الى سلام تقبل به جميع الاطراف.لكن هدف كل هذا الصخب السياسي الى اغراء المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة الى التخلي عن العقلية التي يدير بها " اللعبة الكبرى" هنا مربط الفرس.وما دام محور المقاومة ملتزما باسلوبه في اللعب فان الرأي العام العالمي ، سيستمر في التسارع ، ويزداد عزما وزخما وقوة في تأييده لقضيتنا العادلة.اما الرأي العام العربي المحصور داخل المرجل الضخم، فان استمرار حرب الاستنزاف والانتصارات المتتالية والمعاناة والمجازر سترفع من درجة حرارته حتى الغليان، الذي يفجر صمام الامان، وهذا ما تخشاه دول الاقليم وتعمل جاهدة كي تتجنبه.
م/ زياد ابو الرجا.