ما فعلته الولايات المتحدة من أفعال كلامية ونشاطات "إنسانية" خلال الـ 48 ساعة بين يومي السبت والإثنين، ملفت جدا للانتباه، ما تجاوز كل ما سبق خلال مسار الحرب العدوانية قبل 150 يوما.
مبدئيا، كي لا يذهب البعض "العربي" المشتاق لتظهير أمريكا بغير حقيقتها كونها الشريك الرئيسي في النكبة المعاصرة للقضية الوطنية الفلسطينية، شعبا وكيانا كان ينتظر الظهور يوما، فالتطورات الأخيرة في اللغة السياسية لا ترتبط أبدا، بتغيير جوهري في موقف إدارة بايدن، بقدر ارتباطه بتجاوز نتنياهو رئيس التحالف الفاشي كل "الخطوط" المسموح له تجاوزها في العلاقة مع الدولة العظمى، وصلت الى حد إهانة رئيسها واستخفافا بمواقفها، وكأنها باتت "ملحقا" للكيان، وليس عكسا.
ترافقت الحملة "العدائية" ضد نتنياهو وتحالفه من الرئيس بايدن، بعدما فتح النار على بن غفير وغيره، ثم محاولة فرض لقاء بالقاهرة يؤدي لوقف إطلاق نار (ضمن الصيغة الأمريكية التي أخذت بعين الاعتبار المصلحة الإسرائيلية الكاملة، وهي وصفة "تركيع" حماس سياسيا)، وصلت الى قيام مدير المخابرات المركزية ويليام بيرنز بالحديث عن اتفاق قريب خلال لقاء له مع لجنة الاستخبارات في الكونغرس يوم الأحد، فكانت المفاجأة "غير المحسوبة" بعدم سفر وفد دولة الكيان الى القاهرة، بعدما تقدم نتنياهو بشرط يدرك جيدا انه "غير واقعي"، لا من حيث الشكل ولا من حيث مضمونه.
ولعل دعوة "رئيس الوزراء المحتمل" لدولة الكيان، وفقا لكل الاستطلاعات" بني غانتس، لزيارة واشنطن دون أدنى اعتبار لوجود نتنياهو، شكلت الصفعة الأهم له خلال مسار الحرب العدوانية أمريكيا، ترافقت بتصريحات كلامية "نارية" أطلقتها كاملا هاريس، نائب الرئيس بايدن، بدأت باتهام جيش الاحتلال بإطلاق النار على "الجوعى" ما أدى لمقتل العشرات منهم، وهو اتهام صريح يناقض كليا موقف مندوبة أمريكا في مجلس الأمن، التي طالبت بتشكيل لجنة تحقيق ومنعت إدانة دولة الكيان.
هاريس، وعبر "رشاش الكلام" الذي اعتبرته وسائل إعلام أمريكية بأنه الأكثر حدة، قالت: "يتضور الناس جوعا في غزة، الظروف غير آدمية وإنسانيتنا المشتركة تلزمنا بالتحرك". وأضافت "لا بد أن تفعل الحكومة الإسرائيلية المزيد لزيادة تدفق المساعدات بشكل كبير، لا أعذار"، كلمات تبدو منتهى "البعد الإنساني"، خاصة بعدما لحقها وزير خارجيتهم بلينكن بأقوال تتماشي نسبيا معها دون اللغة الحادة بحكم يهوديته الصهيونية.
ولكن، الحقيقة السياسية التي لا يجب أن تغيب وسط "الصراخ الإنساني"، بأن تلك الكمات لا ترتبط بخطوات عملية، وهي ليست سوى ضجيج يراد له أن يصل مقر رئيس حكومة الكيان في "جنزاريا بحي الطالبية المقدسية" قبل أن يتم بناء مستوطنة عليها باسم رحافيا 1924، تريد القول له بوضوح، أن حرب غزة بها الكثير من المسائل التي يمكن لواشنطن استخدامها لوضع نهاية لحياة نتنياهو السياسية، دون أن تذهب لقلب المعادلة رأسا على عقب لوضع نهاية للحرب ومحاسبة مرتكبيها، وهي تستطيع جدا لو قررت ذلك.
هاريس كسرت "رتابة النقد الأمريكي" لرئيس التحالف الفاشي نتنياهو منذ انتخابه في نوفمبر 2022، والانطلاق من "لغة النعومة" الى "لغة الخشونة" كإنذار مبكر يمكن لها أن تأخذ مسارا مختلفا ومتسارعا بعد رحلة بني غانتس "الخيار الأمريكي" القادم، في تحالف مع غالانت وبعض الليكوديين الى جانب لابيد وآخرين، لرسم ما يجب القيام به نحو الخلاص من نتنياهو إما عبر تشكيل تكتل تحالفي مفاجئ، أو الضغط نحو انتخابات مبكرة نتائجها تقريبا تقود الى ارسال نتنياهو الى خارج "الطالبية" وربما الى سجن قريب.
ملامح الموقف الأمريكي للمرحلة القادمة، سيبدأ في الوضوح السياسي بعدما تنتهي رحلة غانتس، ووضع عناصرها التي يجب الاتفاق عليها، وسبل التنفيذ التي تتطلبها، وآلية الخلاص من نتنياهو وتحالفه الأكثر فاشية، والذي حدده بايدن ببن غفير وسموتريتش، دون المرور على الأحزاب الدينية الأخرى، والتي يمكن أن تكون "كعب أخيل" الجديد لإسقاط الحكم واستبداله، بديلا لانتخابات مبكرة.
هاريس في تصريحاتها "النارية"، وهي الأبرز لها، تقتحم الشرق الأوسط عبر الحرب العدوانية على قطاع غزة، بلغة تبدو وكأنها "إنسانية" منحازة لـ "بني غزة"، ولكن الحقيقة نقيضها تماما فهي تبحث عن "نفق إنقاذي" لدولة الكيان ممن يرونه الخطر الحقيقي على الكيان "تحالف المتطرفين".
بالطبع "تحالف نتنياهو" لن يقف متفرجا على "تحالف أمريكا" المتكون سريعا، ولذا ليس مستبعدا أبدا أن تقوم "القوة التنفيذية" للمستوطنين بفتح جبهة عسكرية جديدة، عبر عمليات إرهاب متلاحقة في مختلف مناطق الضفة والقدس، تفرض على جيش الاحتلال واقعا لن يستطيع الهروب منه، ما يكسر المسار الأمريكي المتوقع.
تطورات متسارعة متشابكة بين واشنطن وتل أبيب، لا يقابلها حراك فلسطيني سوى فعل الانتظار، مع صيحات "الدعاء" بالسلامة لبقايا كيانية كان لها أن تكون دولة فلسطينية، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من "بقايا قطاع غزة".
ملاحظة: الأمريكان مصرين شطب الأونروا بصفتها التمثيلية..وبدها تستبدلها بمنظمات إغاثية.. وهيك بتصير القصة مش موضوع حقوق لاجئين لكنها حقوق إنسان وتقريبا في الضفة والقطاع..ومبروك لفرقة "ماما أمريكا" في ديرتنا.
تنويه خاص: اذا "المقاطعة" وفريقها محتارين مين يلاقوا وزير اول "تكنوقراطي" يعملوا إعلان ممول ويخلوا الصفات بالإنجليزي والعبري..بس الخوف ما يتقدم لها حدا..لانه الناس عارفة البير وغطاه، من اوله وين آخرته.