كتب الأستاذ حليم الشيخ: بين غزة والدونباس، أين مركز الزلزال..؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم الشيخ: بين غزة والدونباس، أين مركز الزلزال..؟
حليم الشيخ
20 آذار 2024 , 04:56 ص

كتب الأستاذ حليم الشيخ: 

اكتسح فلاديمير بوتين الانتخابات الرئاسية في روسيا...

حصل على أكثر من ٨٧٪ من الأصوات في انتخابات زادت المشاركة فيها على ٧٧٪ ممن يحق لهم الإقتراع...

قد تبدو الأرقام قريبة مما كان يجري في الاتحاد السوفياتي السابق أو مما اعتادت الأنظمة العربية وغيرها من الأنظمة التوتاليتارية في العالم نسجه؛ لكن، بالتأكيد لا يستطيع أي كان القول بأن بوتين لا يتمتع بشعبية كبيرة جدا في روسيا الحديثة، وإن الرجل يمثل بحق باعث الدولة الروسية من حالة الموت السريري الذي وضعها فيه بوريس يلتسين وميخائيل غورباتشوف...

احتاج فلاديمير بوتين إلى حوالي العقدين من الزمن قبل أن يقتنع اولا بأن تدمير وتفكيك روسيا هو أهم أهداف الناتو بشكل عام، ولكن بالأخص، هو هدف دول لها خصوصية ساكسونية مثل أميركا، بريطانيا، ألمانيا وغيرها من الدول التي قامت على الاستيطان والإبادة...

مثلما فعل قبله جوزيف ستالين، حاول بوتين اللعب من داخل الناتو...

لكن هذا الحلف الذي يقوم أساساً على هيمنة غربية مطلقة، ويضع الصين وروسيا والعالم العربي بكامل دوله ضمن أهم أهداف العداء حتى لو وقفوا عراة امامه، لم يستطع سوى استغلال المواقف الصينية ثم الروسية ثم النظام الرسمي العربي إلى أبعد حدود دون حتى أن يهتم لإعطاء ولو ورقة توت تغطي عورات من مشى مع هذا النظام العالمي ومن أعطى اميركا كل ما تريده طيلة عقدين من الزمن...

بسبب ضعف الهيكل العظمي للنظام الرسمي العربي اعتقد معظم المحللين أن شرارة الحرب العالمية الثالثة سوف تكون إما في تايوان أو في محيط روسيا، في جورجيا، في كازاخستان، في بيلاروسيا أو في أوكرانيا...

لكن الانفجار أتى من حيث لم يحتسب عالم الأنكلو ساكسون...

إصرار المرشحة الجمهورية الأميركية للرئاسة، و مندوبة اميركا في مجلس الأمن سابقاً، نيكي هايلي؛ كما رئيسة مجلس النواب الأميركي عن الديمقراطيين نانسي بيلوسي على ربط حرب غزة مع بوتين وروسيا بدا لافتاً وإن ظهر بشكل كاريكاتوري بفضل السطحية و السذاجة التي تحكم المجتمع الأميركي بشكل عام؛ يدل على أهمية الربط بين غزة وأوكرانيا...

هناك رابط جدلي بين الإثنين رغم هشاشة الموقف الرسمي العربي الذي بدا فيه إلى أي مدى بلغ الإنحطاط عند أشباه الرجال ممن يربض على صدر الأمة ويمنع عنها الحرية...

إذا كان ما حدث في أوكرانيا جاء بشكل متسلسل، فإن ما قامت به المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر فاق كل التصورات والتوقعات...

الفرق بين أوكرانيا وغزة كان فقط في وجود رجل عنده من الشجاعة ما هو غير موجود عند حكام العرب، ونظام قوي متماسك في روسيا؛ في الوقت الذي برزت غزة من قلب حطام نظام عربي متآكل ليس في أي دولة من دوله رجل يستحق الاحترام والتقدير إلا عند المرتزقة والمستزلمين...

لكن غياب الرجال في النظام الرسمي العربي لم يمنع خروج أبطال من قلب عجينة فقراء العرب...

قلما تعطي طبقة الأغنياء وطنيين أو عمالقة وفقاً لمقولة الماركسيين الشهيرة بأنه ليس لرأس المال من وطن؛ لذلك تجاوز يحي السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى والسيد عبد الملك الحوثي والسيد حسن نصرالله أكياس المال العربية النتنة، وبعض عبيدهم من أمثال محمود عباس أو نظام التبعية والسماسرة في لبنان؛ تجاوزوا نظام العبودية للغرب وقرروا قلب الطاولة... كل على طريقته...

بدأ فلاديمير بوتين حربه الدفاعية في أوكرانيا وهو يراهن على عدة عوامل ترتبط بأمريكا وأوروبا والصين؛ لكن الغيث أتاه من حيث لم يحتسب...

بعد أن أعادت سوريا ومحور المقاومة روسيا من عالم الاموات، وجهت غزة صفعة إلى الغرب تجاوزت العشرة درجات على مقياس ريختر، وساهمت في هزيمة أوكرانيا، شاء من شاء وأبى من أبى...

لم ينس الغرب أهمية أوكرانيا في مشروعه لتدمير وتفكيك روسيا، لكن روسيا المنتمية إلى العالم الأوروبي تظل أقل خطورة من أولئك البدو من أهل الصحراء الذين إذا استفاقوا يوماً، سوف يشكلون خطورة قد تفوق خطورة استفاقة الصين التي حدثت...

إذا كان نابليون قد حذر الغرب قبل مائتي عام من إيقاظ العملاق الصيني، فإن نابليون نفسه هو أول من طرح مسألة ايجاد ورم سرطاني في فلسطين بعد سقوط حملته في بلادنا في تلك الفترة تقريباً...

كل الدلائل تشير إلى أن معركة أوكرانيا صارت من الماضي؛ اخر هذه الدلائل، سقوط نولاند...

يكفي الاستماع إلى آراء المحللين الأميركيين المستقلين الكبار من أمثال جون مارشايمر أو ساكس أو غيرهم لرؤية أن روسيا سوف تقوم بقضم ما قد يصل إلى ما بين ثلث إلى أربعين في المائة من أوكرانيا وتترك بقايا العظام المحطمة للغرب كي يبتلي بإطعام ما تبقى من هذا البلد، ومحاولة الحفاظ على هذا الرميم...

لكن روسيا هذه لم تنس أيضا وصية الإمبراطورة كاترين الثانية من أن بوابات موسكو موجودة في بلاد الشام...

لقد اكتشفت تلك الأميرة الألمانية الأصل التي تم تزويجها الى قيصر روسي ضعيف ما لبث أن انتهى في ظروف غامضة أن روسيا التي يدين معظم سكانها بالمذهب الأرثوذكسي؛ روسيا هذه تدين بهذا المذهب إلى دمشق التي كانت أهم حواضر الدولة البيزنطية قبل الفتح الإسلامي...

لم تنس تلك الأميرة أن المطارنة الاوائل في روسيا جاؤوا إما من الشام أو تتلمذوا فيها...

قيصر روسيا الجديد فلاديمير بوتين ليس الوحيد الذي يعرف أهمية بلاد الشام لأمن روسيا...

لهذا ربما، خرجت في مقررات الحزب الشيوعي الروسي الأخيرة مطالبة الحزب للدولة الروسية ان تكون حدود الدولة الفلسطينية أكبر من الضفة والقطاع...

إذا كان لا بد من القبول بحل الدولتين، فإن قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة سنة ٤٧ يعطي الفلسطينيين أكثر من ٤٥٪ من مساحة فلسطين التاريخية، وليس فقط ٢٢٪ التي يشكلها القطاع مع الضفة...

لذلك طالب الحزب الشيوعي الروسي بأن تلتزم روسيا بخرائط مشروع التقسيم لسنة ١٩٤٧...

روسيا المنتصرة سوف تكون وفقا لكل الدلائل العامود الثالث في النظام العالمي الجديد إلى جانب اميركا والصين...

فرنسا العجوز بالكاد تحافظ على بعض ما لها من نفوذ في القارة الأفريقية...

لذلك سخر ويسخر معظم المحللين من آراء ماكرون بإرسال قوات أوروبية للقتال في أوكرانيا لمنع روسيا من الإنتصار...

ألمانيا التي رفضت اقتراح ماكرون الفارغ تعرف أن مهمة قيامة أوروبا أو حتى مجرد بقاء هذه القارة ضمن العالم الأول يعتمد بشكل أساسي على الاقتصاد الألماني الذي بدأ يلتفت إلى الصناعات العسكرية مرة أخرى...

أما بريطانيا فهي لا تختلف عن ذلك الكلب الصغير الذي يعلو صوت النباح عنده على حجمه...

بريطانيا بدون اميركا لا تساوي الكثير في عالم الكبار...

يتحدث جنرالات بريطانيا عن سلاح جو لا يجد ما يكفي من الطيارين المهرة، ولا تتجاوز اعداد الدبابات الجاهزة للحرب عنده على بضعة عشرات بسبب فقدان الصيانة والاحتراف...

إذا، يمكن القول إن أوكرانيا خرجت من مركزية الزلزال القادم...

وإلى أن تقرر الصين استعادة تايوان، سوف تظل فلسطين مركز الزلازل القادمة لا ريب...

كل ما استطاعت اسرائيل ومن خلفها الغرب الانتهازي فعله، هو ارتكاب المجازر في حرب إبادة لم يشهد العالم لها مثيلاً حتى في غيتوات أوروبا...

كانت النازية تقضي على الناس هناك بالمجاعة داخل سجن كبير؛ لكن لم يترافق ذلك مع قصف جوي بحري بري كما يجري في غزة...

لكن ما لا تعرفه أميركا واسرائيل هو أن الإبادة سلاح ذو حدين...

غزة تنتصر بقوة الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، إلى جانب القتال الشرس على أيدي ابطال جسّدوا كل معاني الرجولة والفداء...

لكن السؤال يبقى:

حتى متى يمكن لهذه الإبادة الاستمرار قبل انفجار الوضع الإقليمي...

يستطيع عبد الفتاح السيسي النوم، كذلك محمد السادس وابن سلمان وأبناء زايد وغيرهم من أشباه الرجال...

لكن فقراء العرب...

لا بد خارجون يوما على سلطان جائر خان قضايا الأمة في الدين والدنيا...

يقارن البروفيسور مارشايمر بين حزب الله الثمانينيات، وحزب الله اليوم ليقول إن نتنياهو يأخذ اسرائيل إلى ورطة لن تخرج منها بخير حتى لو ساعدتها أميركا...

اسرائيل وضعت الغرب في موقف لا يحسد عليه...

انتهى عصر تجاهل وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه...

حرب غزة سوف تستنزف الغرب...

فما بالك بحزب الله والأنصار في اليمن...

حرب الإبادة التي حصلت ولا تزال تجري عرّت الغرب من كل القيم...

حتى متى يمكن لهذا الغرب تغطية عملية الإبادة...

حتى متى يمكن لهذا الغرب المأزوم التكفل بإطعام ملايين الفلسطينيين الذين قامت إسرائيل بتدمير مقومات عيشهم...

بل حتى متى يمكن لهذا الفلسطيني أن لا يندفع في عمليات استشهادية على كل مفرق طرق...

حتى متى لا يجلس كل شيخ لم يعد قادراً على القفز بين الجبهات؛ يجلس إلى كومة حجار ومعه بندقية يصطاد فيها ما تيسر له من جنود العدو قبل أن يفجر قنبلة تأخذه ومعه ثلة من رجال الإجرام الصهيوني الذي يغتصب النساء والبنات بينما يدفن حكام العرب رؤوسهم العفنة في التراب...

كل ما قامت اميركا ببنائه بين اسرائيل والنظام الرسمي العربي، قامت المقاومة الفلسطينية بتحطيم أسسه يوم السابع من أكتوبر...

انتقل مركز هزات الحرب العالمية الثالثة الجارية من أوكرانيا إلى غزة...

إذا كانت جنوب افريقيا العنصرية قد سقطت بعد حوالي عقدين من سقوط حاميها البريطاني عن عرش الامبراطوريات...

فإن إسرائيل سوف تسقط حتماً حتى قبل سقوط راعيها الأميركي الغربي الذي يئن هذه الأيام تحت وطأة العار على كل الشاشات وفي الكثير من الساحات...

متى تتحرك الصين...

الى أية درجة تستطيع أميركا لجم اسرائيل عن مغامرة سوف تقضي عليها حتماً...

نتنياهو يراهن على استمرار التدمير حتى وصول ترامب كي يقوم بحرب ضد لبنان...

لكن حتى ترامب لن يستطيع إنقاذه من الهزيمة الحتمية...

الحرب الخفية بين أميركا وإيران قد تنفجر علنا في حال وصول ترامب... لذلك من الأفضل مجيء ترامب...

إذا كانت إسرائيل استطاعت التدمير الكامل في غزة دون وازع، فإن الأمر في لبنان مختلف تماماً...

سوف يقابل التدمير بالتدمير...

لكن رغم نباح جماعة أميركا في لبنان وفي العالم العربي فإن من سوف يقوم بعد هذا التدمير المتبادل ليس اسرائيل، بل لبنان...

لبنان الذي اعتاد أن يقوم بعد كل نكبة هو من سوف يقوم، سواء تقدم إلى الميدان أغنياء الخليج ام لم يتقدموا لأن شرط إعمار غزة ولبنان وسوريا والعراق يجب أن يكون شرطا ملزما لمن يريد العيش بسلام في هذه المنطقة...

قد يهرب المدعو معتز إلى أوروبا ومن هناك يتنكر لمن حافظ له على إمكانية البقاء حيا قبل أن يقع في العبودية من تلقاء نفسه، لكن من بين سبعة ملايين فلسطيني على أرض فلسطين التاريخية وخمسة ملايين آخرين في الشتات يوجد آلاف مؤلفة، بل عشرات ومئات الآلاف وربما الملايين ممن سوف يعيد كتابة التاريخ كما يجب، وبالحبر الذي يجب، فوق خربشات المشروع الإمبريالي الذي كانت الإبراهيمية اخر فصوله المخزية...

لم يكن العميل معتز اول عميل، ولن يكون الأخير...

لكن الذي يكتب التاريخ هم الابطال، وليس العملاء...

من لا يصدق ذلك، عليه فقط التفتيش في المزابل عن سعد حداد و أنطوان لحد ومن سيلحق بهم من عملاء اليوم...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري