وليد دقة ثائر كبير.. عملاق متمرد في زمن الفساد، والخنوع والسقوط
فلسطين
وليد دقة ثائر كبير.. عملاق متمرد في زمن الفساد، والخنوع والسقوط
طارق ناصر ابوبسام
8 نيسان 2024 , 23:08 م

كتب طارق ناصر ابوبسام


براغ، 8\4\2024

بمناسبة استشهاد الرفيق وليد دقة اعيد نشر هذه المقالة كنت قد كتبتها قبل عدة أشهر بتاريخ ٣٠/٦/٢٠٢٣، قبل رحيل المناضل والقائد والمفكر الكبير وليد دقة، وقبل معركة طوفان الأقصى التي تخوضها المقاومة من أجل تحرير هؤلاء، وما زالت مستمرة ونعمل ونأمل مع جميع المقاومين أن تنتهي بتحقيق النصر التاريخي الكبير ليس على دولة الكيان وحسب بل على معسكر الأعداء، و أود أن أشير هنا إلى ملاحظة وردت في المقال تحت عنوان التقصير بحق الأسرى، كنت من خلالها أشير إلى تقصير السلطة وكنت كتبت عن ذلك كثيرا في السابق.

واستغل هذه المقالة لأتوجه باسمي وباسم عائلتي بخالص العزاء لزوجة الرفيق وابنته وأسرته وكافة أصدقائه و محبيه ورفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والعزاء الأكبر لشعبنا الفلسطيني الذي خسر برحيله قائدا وطنيا بارزاً شكل مدرسة في النضال ستظل تنهل منها الأجيال . نقول للرفيق وليد نم قرير العين وبلغ تحياتنا لمن سبقوك في نيل الشهادة، ونحن على العهد باقون.

اكتب اليوم عن بطل من بلادي، من فىلسطين الأبية، اكتب عن المقاوم بلا حدود،عن القائد والرمز، عن الثائر المتمرد،

اكتب عن من يصنع الحياة وهو خلف القضبان..

اكتب عن مقاوم يصنع الأمل ويحارب اليأس والإحباط.

اكتب عن عملاق الصمود ورمز التحدي

اكتب عن من اصر على مواصلة الحياة، وتواصل الأجيال

اكتب عن من تزوج وهو خلف القضبان

وعن من انجب رغما عن السجان

كل ذلك باتفاق مع شريكة حياته وزوجته سناء .

اكتب عن من تجاوز الممكن وصنع المستحيل .

اكتب عن وليد دقة ابي ميلاد

في البداية لابد من كلمة اعتذار اوجهها بإسمي وبإسم مئات الالاف من ابناء شعبنا للرفاق وليد دقة واحمد سعدات ومروان البرغوثي وكافة الأسرى القابعين خلف القضبان، كوننا قصرنا في حقهم، وان فعلنا كان اقل بكثير من واجبنا نحوهم، ولا يتناسب مع حجم قضيتهم، ولم نتمكن من تحريرهم بعد سنوات العذاب الطويلة، بل وأجرء على السؤال، هل حاولنا أصلاً!!!

ولهذا اسباب كثيرة كتبت عنها سابقا في مقالات متعددة تحت عنوان

واجباتنا نحو اسرانا.

وليد دقة بطل من فلسطين يقبع في سجون الإحتلال في أقسى الظروف واصعبها منذ ٣٨ عاما، مثّل أسطورة في الصمود ومواجهة الجلاد.

واضاف للرواية الفلسطينية رواية أخرى من خلال النموذج الذي قدمه، ومازال.

لقد تحدى الإحتلال والسجان مرات ومرات في المعتقلات وخارجها وشكل نموذجا يحتذى للمقاومين والأسرى، وتاريخه يشهد على ذلك.

ولم يكن يوما الا مقاوما بالبندقية التي وجد فيها طريقاً للتحرير، و مقاوما بالجسد صد العذاب والتعذيب، ومقاوما بالفكر وصانعا للوعي ايمانا منه ان الوعي هو من يصنع الثورة

لقد تحدى وليد الإحتلال مرات ومرات عندما رفع راية المقاومة ونفذ العديد من العمليات، وكان على رأس التحركات الشعبية المواجهة للاحتلال، وفي مقدمتها.

وتحدى الإحتلال مرات عديدة اخرى فى السجون، وكان التحدي الأكبر الى جانب الصمود، إصراره على الزواج من شريكة حياته وعقد قرانه في السجن رغما عن انف الإحتلال.

لكن التحدي الأكبر كان في تشبثه في الحياة وإرادته في الإنجاب بعد الزواج من شريكة حياته التى احب و احبته. قناعة منه ان الحياة يجب ان تستمر في اعقد الظروف و اكثرها صعوبة وهذا ما كان وهنا كانت صناعة المستحيل.

لقد فعل ذلك رغما عن السجن والسجان عندما قرر مع زوجته سناء الإنجاب بواسطة نطفة يتم تهريبها، ان ذلك لم يكن سهلاً واعترضته العديد من العقبات لكن ارادة الزوجين (وليد وسناء) دقة كانت هي الأقوى وهي التي انتصرت، عندما نجحت العملية بعد تخطيط محكم، وعندما حملت سناء وجائت المولودة الجديدة ميلاد التي بقدومها بشرت بحياة جديدة، وبعثت املأ ومستقبل جديد .

نعم لقد تجسد الصمود والتحدي في رجل هو وليد دقة.

كما تجسدت الإرادة والامل في امرأة هي سناء دقة.

وفي الطفلة المعجزة ميلاد التي بعتت الأمل ورسمت ملامح حياة جديدة

وفي هذه المناسبة لا يسعني إلا أن أتوجه بتحية الفخر والاعتزاز بالرفيق وليد وزوجته سناء و المولودة الجديدة. والتحية موصولة لكافة الأسرى في سجون الاحتلال واسرهم الصامدة

وادعوا بالحرية لهم جميعاً.

اكتب عن وليد دقة الذي لم تصنعه المدارس ولا الجامعات وانما صنعته تجربة الحياة في العمل والنضال وفي السجون.

اكتب عن وليد دقة المفكر والكاتب والباحث

اكتب عن وليد دقة صاحب العديد من الكتب والروايات ومنها

يوميات المقاومة في جنين.

الزمن الموازي.

صهر الوعي.

حكاية سر الزيت.

من هو وليد دقة

ولد وليد دقة في عام ١٩٦٢ في باقة الغربية، فلسطين المحتلة منذ عام ١٩٤٨. شارك في العمل المقاوم منذ ريعان شبابه، تأثر كثيرا في اجتياح الـ ١٩٨٢ الذي قام به الكيان على الثورة الفلسطينية في لبنان حيث ترك انعكاسات كبيرة على وعيه وعمله، وكان من النشطاء البارزين في مقاومة الإحتلال.

تم اعتقاله في عام ١٩٨٦ ووجهت له تهم القيام بالعمل العسكري ضد المحتل .

حكم عليه بالاعدام ولاحقا تم تخفيف الحكم بالسجن لمدة ٣٧ عاما، وبعد انتهاء محكوميته رفضت المحكمة الإفراج عنه وقامت بتمديد مدة الاعتقال سنتين اضافيتين، بحجة تهمة جديدة وهي المساعدة على ادخال اجهزة التلفون النقال للأسر ى.

وليد دقة تاريخ متواصل من النضال، لا تتسع مثل هذه المقالة لتغطية تاريخه، لكنني اريد ان اتوقف عند قصة مهمة في حياة وليد وهي الزواج والانجاب، لما تحمله هذا القصة من تحدى واصرار على الحياة .

لقد تم زواج وليد دقة في عقر سجن عسقلان و بشروطه وهذه القصة لم تحصل في التاريخ وقد لا تتكرر لاحقا.

بعد الزواج استمر وليد وزوجته يفكران بكيفية الإنجاب في مثل هذه الظروف وكان هذا التحدى الأكبر وخاض وليد وزوجته سناء نضالا شرسا في سبيل تحقيق ذلك وفي المحاكم (الإسرائيلية) كي تسمح لهم بذلك لكن المحكمة كانت ترفض دوما ذلك وتكرر هذا الرفض مرات عدة .

بعد ان ادرك وليد وسناء ان هذه المحاولات لن تنجح بدأوا التفكير الجدي بوضع خطة وتطبيقها وتنفيذ قرار الانجاب. و قررا معا السير في هذا الطريق والإنجاب من خلال تهريب نطفة من وليد خارج السجن غصبا عن الإحتلال وكان لهما ذلك، حيث تم تهريب النطفة وتم زراعتها في رحم سناء بتاريخ ٢٧/٥/٢٠١٩ بنجاح وكانت نتيجتها مجيء وولادة الملكه والملاك ميلاد المبشرة بحياة جديدة.

لقد كانت هذه المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك مما افقد العدو صوابه واعصابه.

هو يصنع القتل.. ونحن نصنع الحياة.

لقد كان الحدث بمثابة هزة أرضية اصابت العدو، وبالمقابل كانت فرحة عارمة لكل من وليد وسناء والأهل والرفاق والأصدقاء.

نعم لقد حلم وليد وأصبح الحلم حقيقه

وكما تحقق حلم وليد وسناء بالإنجاب سوف يتحقق حلم الملايين من الفلسطينين بتحرير أراضيهم والعودة اليها.

اما الآن، وليد يعاني من وضع صحي صعب جدا وخطير، كونه مصاب بسرطان نخاع العظام، وتم استئصال جزء من الرئة اليمنى ويعاني في اليسرى، وقد اصيب بضعف شديد انعكس على قدرته على الحركة والنطق.

وعند الحديث عن مرض وليد دقة لابد من الاشارة إلى سابقة في غاية الاهمية تعبر عن وحدة الاسرى والتضامن بينهم، عندما قام البطل زكريا الزبيدي عضو المجلس الثوري لحركة فتح الذي نتوجه له بتحية الاعتزاز والتقدير بتقديم طلبا مستعجلا الى سلطات سجون الإحتلال يطلب فيه التبرع بنخاعه العظمى الى الاسير وليد دقة .

نعم هكذا تجلت الوحدة الوطنية الحقيقية في زمن الإنقسام وهذه هي روح شعبنا الفلسطيني العظيم.

لقد نجح العدو في زرع الموت في اجساد المناضلين ولكنه فشل في زرع الموت في عقولهم والنيل من ارادتهم.

ومن المعلوم ان المحكمة ( الإسرائيلية) انعقدت بتاريخ ١٨/٦/٢٠٢٣ ونظرت في طلب الإفراج المبكر عن وليد بسبب حالته الصحية، لكنها رفضت ذلك.

نعم لقد جسد وليد دقة بصموده ونضاله الرواية الفلسطينية على حقيقتها.

وعلى جميع المقاومين والفصائل، وخاصة الجبهة الشعبية التي ينتمي وليد اليها ان تقوم بتجسيد العمل المتواصل من اجل تحرير وليد، وسعدات وكافة الأسرى من سجون العدو.

لم يعد اليوم في كافيا اصدار البيانات والمناشدات للمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية بل اصبح يتوجب على الجميع العمل والعمل.. ثم العمل، من اجل طلاق سراح جميع الأسرى واعطاء هذه القضية الأولوية.

لا نريد ان يرتقي القائد وليد دقة او غيره من الأسرى شهيداً في سجون الإحتلال كما حصل مع الشهيد ناصر ابو حميد وخضر عدنان وغيرهم، نريدهم أحراراً خارج السجون بين اهلهم وشعبهم.

التحية كل التحية للمناضل القائد والمفكر وليد دقة.

التحية لزوجته وابنته

التحية لكافة الأسر ى والمعتقلين

الرحمة للشهداء

النصر لنا والحرية لفلسطين

الهزيمة للعدو الصهيوني واتباعه ومن يتحالف معه.

نامل ان يكون اليوم الذي تشرق فيه شمس الحرية ليس بعيدا