كتب الناشط و الكاتب السياسي محمود موالدي
تتعمق انتصارات جبهة (المقاومة)، وتتوسع كتلة النار لتشمل مختلف مناطق فلسطين المحتلة، وتتعدد الجبهات، ليضع هذا النظام الصهيوني الإقليم بأكمله على صفيح ساخن، فدخول رفح زاد شراسة المعركة بقدر ما زاد الكيان إجرامه وإرهابه بحق المدنيين، ليظهر للعلن النفاق الأمريكي و مراغوته، وتظهر من جهة أخرى الانقسامات الحادة داخل الكيان، وتفاقم الوضع الداخلي الذي يهدد بشكل جدي قوام الدولة ووحدتها، تكاد لا تمر ساعة حتى نسمع أصوات تنتقد رئيس وزراء العدو ومجاميع الحمقى الذي يخوضون معه الحرب، ومن هنا كان واجباً استقصاء الطابع الكلي لقيام هذا الكيان وأسس نشأته وتشخيص مراحل تطور الصهيونية، فالعدو ومنذ عقود يتمسك بمسلمات لا يمكن له تجاوزها، لكنه اليوم تجاوزها بل، وزاد في التفلت من كل قيد أسُس عليه هذا الكيان المؤقت، لنرجع إلى جذور الخلاف وبداية الانقسام الصف الداخلي للعدو، أما الخلاف اليوم في ظل ( الطوفان ) واشتعال عدة جبهات، فيتمثل في خلافاتٍ بين الحكومة والجيش، خصوصًا مع تشكيل رئيس الأركان في الجيش لجنة تحقيقٍ لبحث أسباب الإخفاق في السابع من تشرين الأول. وهو ما أثار الشكوك لدى نتنياهو ووزراء حكومته المصغرة بأن رئيس الأركان يقيم هذه اللجنة استعدادًا للتحقيق الرسمي الذي سيقام بعد انتهاء الحرب، وإنني على قناعة تامة بأن شكوكهم في محلها. يقول رئيس الأركان إنه يريد أخذ العبر مما حصل في السابع من تشرين الأول تفاديًا لتكراره، ويردّون عليه بأن الجيش طالما استخلص العبر بعد انتهاء الحدث مباشرة، وأن ما يريده هو الاستعداد لما بعد الحرب قبل انتهائها. في الحقيقة، كل منهم يفكر في الانتخابات القادمة وما بعد الحرب: أي لجنة تحقيق ستتشكل؟ من ستتّهم؟ أي روايةٍ ستقبل وأيها سترفض؟ من سيكون مذنبًا؟ ومن سيدفع الثمن؟
هذه خلفية الصراعات الحالية، وقد تنتج كل يوم نقاط خلاف جديدة، لكن في فترة الحرب -وهو من مصلحة نتنياهو- يغلب الصمت، ويجري التغلب على بعض هذه الصراعات أو تأجيلها لما بعد الحرب، حيث قد تعود حينها أوسع مما هي عليه اليوم. لذا، فإن هذه التصدعات قد تكون ذات تأثير كبير على مسار الحرب، خصوصًا أن نتنياهو منذ اليوم الأول فشل في قدم الحرب على أنها حرب وجودية، رابطًا بين هجوم السابع من تشرين الأول والنازية وداعش، وكذبَ إلى مستويات لا تصدق عندما تحدث عن تقطيع الرؤوس وحرق الناس والاغتصاب، محاولًا تجنيد الرأي العام الإسرائيلي، وكذلك الغربي الرسمي، لمصلحة روايته الكاذبة في سبيل الدفاع عن «إسرائيل». لكن المجتمع الإسرائيلي اليوم، إلى جانب الأمريكيين والأوروبيين، يرون أن «إسرائيل» في خطر وجودي حقيقي مع تصاعد وتيرة الحرب ودخول الذكي لمحور ( الmقاوmة)، إن الحركة الصهيونية باتت مفضوحة اليوم، خصوصًا مع تراجع مصداقيتها لدى الرأي العام الأوروبي وفقدان الرواية الإسرائيلية لشرعيّتها، وهذا هام جدًا. لكن طالما أن الحرب قائمة فستبقى الرواية الرسمية المسيطرة داخل «إسرائيل» هي التهديد الوجودي نظراً لسيطرة الفكرة المتطرفة، وعليهم أن يتحدوا بغضّ النظر إن كان أي منهم يمينيًا أو يساريًا أو وسطيًا أو متدينًا أو علمانيًا.