شكلت سرعة الخطوة الاسرائيلية بالسيطرة على معبر رفح الحدودي مع مصر مفاجأة للكثير من المراقبين، فالتحذير الدولي من خطوة الدخول الى رفح لم يمنع إسرائيل من كسر «تابو» نقل العمليات العسكرية الى رفح، بينما تُحافظ في الوقت نفسه على زخم المشاركة بمفاوضات البحث عن هدنة.
الضغط المتزايد على إسرائيل بهدف منعها من اجتياح رفح أدى على ما يبدو إلى دفع الإسرائيلي لتبني نهج جديد مبني على فكرة الضم التدريجي. حيث تُعطى الأولوية للسيطرة ومراقبة الحدود، بهدف تعزيز إسرائيل لنفوذها الأمني، مما يسمح لاحقاً بتوسيع العمليات بشكل أسهل في المرحلة المقبلة. ومع ذلك، فإن إنهاء الصراع في غزة أو قبول الهدنة يفرض تحديات كبيرة على الإسرائيلي الذي -وفقاً لرؤيته- لا يمكنه إعلان وقف للعمليات في غزة دون القيام بعملية ذات بعد أمني مثل السيطرة على الحدود والمعابر في رفح.
من وجهة نظر تحليلية، تُظهر هذه الخطوة تحولا لافتاً في شكل التكتيك الإسرائيلي المبني على الإبقاء على المفاوضات من جهة، ومن جهة أخرى التصعيد عسكرياِ بالهجوم البري المحدود في رفح الذي تسعى إسرائيل من خلاله لاستثمار مسألة السيطرة على الحدود أمنياً وسياساً وترسيخ حالة الأمر الواقع بهدف تهميش نفوذ حماس والحد من قدرتها على المناورة السياسية. فهذا النهج التكتيكي يُمثل تصعيدا تدريجيا في معركة رفح، ويفتح باب الحديث على مصراعيه حول هوية من يسيطر ويدير هذه المعابر مستقبلاً.
وكما هو معلوم فان أي تحرك إسرائيلي تجاه معبر رفح يهدف بالأساس الى السيطرة الكاملة على محور فيلادلفيا، والمنطقة الممتدة نحو جغرافيًا سيناء، وهو ما تعتبره العقيدة الأمنية الإسرائيلية حالياً أمراً حتمياً لا يمكن التنازل عنه قبيل وقف الحرب في غزة. فمن خلال إغلاق معبر رفح والسيطرة عليه، تهدف إسرائيل إلى تشديد قبضتها الأمنية على الصعيدين الداخلي والخارجي لغزة، الأمر الذي يسلط الضوء على الدور الحاسم الذي تلعبه الاعتبارات الأمنية عند معبر رفح، حيث تعتقد إسرائيل أنها لن تتمكن من السيطرة على تدفق السلاح إلى حماس ومنع حركة أفرادها إلا من خلال السيطرة الكاملة على محور فيلادلفيا وهذا الذي يجعل الإسرائيلي يرفض التفاوض الجدي على وقف الحرب في هذه المرحلة.
من الناحية الأمنية، يعتقد الإسرائيلي أن دعواته لإخلاء منطقة رفح سيتم الاستجابة لها بشكل أكبر مع سيطرته على المعابر الحدودية، وهو بذلك يحقق هدفين أساسيين: إعادة تشكيل المشهد الأمني للمعبر والحدود والسعي لخفض الكثافة السكانية في رفح حتى يتسنى لإسرائيل خلق الظروف المواتية لمواجهة أكثر فعالية مع فصائل حماس المتمركزة في هذه المنطقة، وفي الوقت نفسه تلبي المطالب الأمريكية بضمان تقليل الخسائر في صفوف المدنيين.
هذا التحول في الإستراتيجية الإسرائيلية يؤكد على مسألة الأولوية الأمنية برغم تعقيدات الصراع والضغوط غير المسبوقة التي يتعرض لها الإسرائيلي من حلفائه، وخاصة الولايات المتحدة. ومع ذلك، فمن خلال فرض سيطرتها على المعابر الحدودية الرئيسية، لا تسعى إسرائيل إلى الحد من قدرات حماس فحسب، بل تسعى أيضاً إلى بناء سرديتها الخاصة المرتبطة بهذا الصراع. حيث سيتم التركيز بشكل كبير على المسألة الإنسانية والتسهيلات التي ستقوم بها بهدف التخفيف من حجم المعاناة الإنسانية، فمن الممكن هنا طرح فكرة استخدام المعابر البديلة مثل كرم أبوسالم للأغراض الإنسانية، حتى لو بشكل محدود بسبب المخاوف الأمنية المتزايدة. وفي التوقيت ذاته، يبدأ عمل الميناء الأمريكي العائم على شواطئ غزة، بهدف تلبية أوسع للاحتياجات الإنسانية وإظهار التركيز على دور الإغاثة الإنسانية. ومع ذلك، قد يُشكل الميناء العائم أيضًا فرصة للهجرة الطوعية لأولئك الذين يبحثون عن ملجأ وسط حالة انعدام الأمن وعدم اليقين المستمرة.
في النهاية، تُمثل التحركات الاسرائيلية تحولاً استراتيجياً في نهج إنهاء الصراع وفقاً لرؤيتها. من خلال كسر المحظورات المرتبطة باجتياح وتعزيز السيطرة على المعابر الحدودية، ترغب إسرائيل بتعزيز دورها كلاعب رئيسي في تحديد مسار المفاوضات ورؤية حل الصراع. ومع استمرار هذه الحرب، يزداد الضغط على إسرائيل بشكل أكبر، ويشكل لأول مرة تحديًا حقيقياً لقدرتها على الموازنة بين ضروراتها الأمنية والاعتبارات الإنسانية والمتطلبات الدولية، مما يعني أن الخطوات القادمة لابد أن تكون حاسمة في تشكيل المسار نحو إيجاد حل دائم للصراع.