كتب الأستاذ حليم الشيخ:
بين ٨ و ٩ أيار ضاعت حقيقة الانتصار على الفاشية في أوروبا...
هل تم الانتصار على الفاشية فعلاً؟
حتى قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت الفاشية الغربية التي لبست ثوباً مرقطا بالديمقراطية؛ كانت تلعب بالعالم وفقاً لقانون الغاب...
بدأت الحرب العالمية الثالثة مباشرة بعد انتهاء الحرب الثانية...
ربح الاتحاد السوفياتي معركة فيتنام؛ لكن اميركا ردت مباشرة في أفغانستان...
انهار الاتحاد السوفياتي بالضربة القاضية في الوحل الأفغاني...
تغير وجه التحالفات في الحرب العالمية الثالثة حتى وصلنا إلى الصيغة القائمة اليوم...
اميركا والغرب واليابان وبضعة دول تابعة مختلفة الأحجام والتأثير من جهة، ضد بقية العالم بما في ذلك تلك الدول الخائفة من البطش الأميركي...
الحرب العالمية الثالثة تجري اليوم في غزة... وفي أوكرانيا...
تقف الصين بعيدة خلف الصورة..
تحاول اميركا جرها إلى حرب مباشرة في تايوان لأن الميزان العسكري يميل لمصلحتها...
لكن الصين تفضل الحرب غير المباشرة...
روسيا تتقدم في أوكرانيا...
غزة عرّت الغرب من ورقة التين التي تخفي الفاشية الغربية...
ما يحدث في الجامعات الغربية وفي الشوارع الغربية فضح كذبة الديمقراطية الغربية والإنسانية المزعومة...
بعد التدخل الاميركي في محكمة العدل الدولية التي منعت حتى الآن إدانة اسرائيل بارتكاب جرم الإبادة، ها هي اميركا تتدخل وتهدد القضاة في محكمة الجنايات الدولية من إدانة أي شخصية إسرائيلية...
نفس الرسالة التي أرسلها الغرب إلى وزيرة خارجية جمهورية جنوب إفريقيا السيدة باندور، وصلت إلى قضاة المحكمة مع فارق بسيط...
السيدة باندور لم تخضع، وجمهورية جنوب إفريقيا تقود الحملة ضد الفاشية الغربية المتمثلة اليوم في كيان استيطان فلسطين، بينما يرتجف كريم خان خوفا في محكمة الجنايات الدولية، وترفض محكمة العدل الدولية طلب نيكاراغوا منع المانيا من تزويد الكيان الصهيوني بأسلحة الإبادة ضد الفلسطينيين...
ما قامت به حركة حماس وفق نظرية الفيل والناموسة للدكتور طلال أبو غزالة هو بالضبط الدوران حول الفيل الأميركي عبر الاستمرار في لدغ اسرائيل...
حماس تضع العالم مرة أخرى أمام معضلة الخيار...
اميركا والغرب في مأزق...
كل يوم يمضي، مع كل شهيد يسقط، يسقط كل البنيان الأخلاقي الغربي...
من يعتقد أن ايقاف شحنات السلاح إلى اسرائيل من قبل بايدن مسرحية ليس تماما على حق...
اميركا شريكة في الجريمة مئة في المئة؛ هذا صحيح...
لكن اضطرار بايدن إلى لعب مسرحية وقف شحنات السلاح يعبر عن مأزق أميركي...
اميركا تخسر السردية ضد الصين...
وصل الأمر إلى حد الاعتراف علنا بأن أميركا تخسر حرب الإعلام مقابل التيك توك؛ لذلك توافق ميت رومني ومجموعة من المشرعين الأميركيين مع وزير الخارجية بلينكن على وجوب حظر التيك توك...
السيطرة على فيس بوك وتويتر التي أصبحت منصة (X) مع إيلون ماسك ممكن...
مقر هذه المنصات وغيرها موجود في الغرب، تماما كما وسائل الإعلام التقليدية...
شراء تيك توك من الصينيين لم ينجح، لذلك يتم العمل على حظرها...
لكن كيف؟
خاصة مع الانتفاضة الطلابية والشعبية المتأثرة جدا بالحقائق التي تصل بشكل أساسي عبر منصة تيك توك رغم كل التشويش الذي يحصل...
الناموس الحمساوي وبقية حور النقاومة لا يزعج فقط اميركا والغرب...
في محاضرة في كلية العلوم الانسانيه في جوهانسبرج، تحدثت وزيرة خارجية جمهورية جنوب إفريقيا عن الفرق بين القارة الأفريقية التي وقفت بصلابة وقوة إلى جانب نضال السود في جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري والدعم الغربي لهذا النظام، وبين ضعف الموقف العربي الذي يكاد يتماهى مع حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني...
ناموس محور المقاومة المؤلف من حماس، حزب الله، الحشد الشعبي العراقي وأنصار الله في اليمن يقض مضاجع أميركا والغرب...
يمنع محور المقاومة الفيل الأميركي من الراحة في الإبادة، كما يمنع التوابع العربية من الراحة في السيطرة على الشعوب التي إذا ما استفاقت يوما، فقد يسقط كل النظام الرسمي العربي إلى غير رجعة...
بفضل التواصل الاجتماعي وبالأخص منصة تيك توك، عرف المغاربة بالدور السيء الذي لعبه الحسن الثاني في نقل تسجيلات قمة الرباط وما تحويه من اسرار ومخططات الجيوش العربية وهذا ما أدى إلى هزيمة حزيران ٦٧...
ما يحصل في رفح اليوم هو مزيد من تحليق الناموس حول الفيل الغربي...
نتنياهو يرفض السقوط وحيدا ويتسبب بمزيد من الإحراج...
مصر تقف كما الزوجة المخدوعة في اتفاقية كامب ديفيد...
خرق الاسرائيليون هذه الإتفاقية دون أدنى مراعاة لشعور السيسي والجيش المصري...
حتى الآن، لا يوجد ردة فعل مصرية...
محمود عباس وماجد فرج وحسين الشيخ يريدون تسلم معبر رفح مدخلاً لإزاحة حماس وفصائل المقاومة...
اقتراح تسليم رفح لشركات أمنية أميركية ليس بالسهولة التي يتصورها البعض...
المقاومة الفلسطينية سوف تصطاد هؤلاء الأميركيين ما سوف يزيد من غليان الشارع في أميركا والغرب...
لذلك ربما يجري تسليم السلطة هذا المعبر وبعث الصراع بين الفلسطينيين...
تصر السلطة على منع إطلاق مروان البرغوثي في عملية التبادل...
الرجل هو الوحيد الذي يمكن أن يتفاهم مع فصائل المقاومة ويمنع عملاء اسرائيل في السلطة من اللعب بالنار...
كلما تقدم الاسرائيلي خطوة يزداد المأزق...
نتنياهو يريد الوصول إلى السيطرة الكاملة على رفح...
اميركا تريد ذلك أيضاً...
لكن محور المقاومة لا يستطيع قبول ذلك...
انها مسألة حياة أو موت...
ما يحصل في غزة هو تكرار لما يحصل في الضفة...
فقط معجزة يمكن أن تصل إلى نقطة توافق بين أميركا والغرب واسرائيل من جهة، وبين محور المقاومة في غزة وفي الضفة...
انها المهمة المستحيلة التي منها سوف نعرف نتائج الحرب العالمية الثالثة، حتى ولو لم تستعر بشكل أوسع، وهي قد تستعر فعلاً في الأيام القادمة...