الكيان امن الدولة بين التسريبات والاقالة.
مقالات
الكيان امن الدولة بين التسريبات والاقالة.
م. زياد أبو الرجا
6 تشرين الثاني 2024 , 16:20 م

   

منذ نشأة الكيان على الارض الفلسطينية ، لم يطرح على طاولة الدولة العميقة للكيان ومركزها في البنتاغون، موضوع امن الدولة وقضية وجودها. كانت عملية طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول/اوكتوبر ٢٠٢٣ وفتح جبهات الاسناد لغزة في اليوم التالي تقوم على مطالب بسيطة وغير معقدة في ظاهرها، وقد لخصها الناطق العسكري لقوات القسام المناضل ابو عبيدة ((تنظيف سجون العدو من الاسرى وعدم التعرض للمسرى مقابل اطلاق سراح اسرى العدو )).ان تلبية هذه المطالب يعني في البعد السياسي رضوخ الكيان لشروط المقاومة، وهذا يشكل سابقة لمسلسل طويل من التنازلات.
يعي رئيس وزراء الكيان نتنياهو، وقادة اركان جيشه، ومن خلفهم امريكا قاطرة الناتو جيدا خطورة ذلك.وعليه شن جيش الكيان الحرب على قطاع غزة وحدد الاهداف الاستراتيجية بما يلي ((القضاء المبرم على حركة حماس،وتهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة الى صحراء سيناء وتحرير كل الرهائن)) .اذن خرج الصراع عن الاهداف الاولى المعلنة، وفرض محور المقاومة على الكيان حرب استنزاف طويلة الامد، واستمر جيش الكيان بحرب مزدوجة حرب ابادة وتطهير عرقي ضد المدنيين وحرب مواجهة مع قوات المقاومة.ادت المجازر الهمجية ضد المدنيين والمؤسسات المدنية الى تحريك الرأي العام الدولي وخاصة في الدول الغربية، ونزل الملايين الى الشوارع والميادين، يستنكرون المجازر التي يرتكبها جيش الكيان، وانتفض شباب الجامعات ونظموا الاضرابات والاحتجاجات، وطالبوا بقطع العلاقات بين جامعاتهم مع الكيان، وتطورت الى رفع سقف مطالبهم منادين بتحرير فلسطين من النهر الى البحر.وانتصرت السردية الفلسطينية على سردية الكيان.
امام الصمود الاسطوري والعجائبي للمقاومة الفلسطينية في غزة، وصمود الحاضنة الشعبية معها وشعارها (( عهد الله ما نرحل، نموت ونجوع ولا نرحل، واحنا قطعة من ها الارض وعمر الارض مابترحل )).وخلال عام من الحرب الضروس، دمرت المقاومة الفلسطينية في غزة نصف دبابات واليات جيش الكيان وحيدت واخرجت اكثر من ثلاثين بالمئة من عديد قواته المشتبكة بالحرب.ناهيك عن خسائره الفادحة على الجبهة اللبنانية حيث قامت المقاومة الاسلامية - حزب الله -بتركيز ضرباتها على الاهداف العسكرية الثابتة والمتحركة والمغتصبات في شمال فلسطين.
من اهم التداعيات والنتائج التي افرزتها حرب الاستنزاف، انها اجبرت العدو رغم تستره على خسائره الفادحة، بان يعلن ان ما يواجهه هو حرب وجودية، على لسان رئيس وزراء الكيان والاهم من ذلك ما عبر عنه كبار الحاخامات بان الكيان سينهار قبل ان يكمل الستة وثمانين عاما من عمره.وصارت هذه الرؤيا التشاؤمية هاجس كل الكيان قادة ومستوطنين.لكن على الضفة الاخرى ، ضفة محور المقاومة والجماهير الفلسطينية والعربية، زاد الشعور المفعم بالامل بان يوم التحرير والعودة صار في المدى المنظور.وهذا بدوره ينسحب جدليا على طلائع شبابية عربية تنضم الى صفوف المقاومة من دول الطوق والمحيط القريب ، وهذا ما يأرق ويثير  قلق الانظمة من تطور وانتشار الروح النضالية، مما يدفعها الى الانسجام مع ما تطرحه راعية الكيان امريكا من ضرورة  التعامل مع الحلول العبثية والتطبيع مع الكيان.
حين تتعرض الكيانات دولا كانت او منظمات الى خطر وجودي، تأخذ بالبحث عن مخارج من خلال القبول بشروط عدوها ، او الوصول الى حلول وسطية او ان تلجأالى خوض الصراع حتى نهايته المنطقية نصرا  بائنا او هزيمة نكراء.فلنأخذ الحالة الفلسطينية عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تتصدر المواجهة مع الكيان، وكان اليمين الفلسطيني هو المهيمن على صنع القرار، ومنسجما مع المواقف الرسمية العربية فيما يتعلق بالصراع مع الكيان، واعفاها واعطاها صك البراءة من الصراع مع الكيان (( كان يسمى الصراع العربي الاسرائيلي وتحول الى الصراع الفلسطيني الاسرائيلي )).نجح اليمين الفلسطيني في اخذ منظمة التحرير والحالة الفلسطينية الى مشاريع التسوية، واستطاع عبر وسائل متعددة، من ضمنها سياسة العصا والجزرة مع الفصائل الفلسطينية ان يعمم رؤيته على مجمل الساحة الفلسطينية، واستغل حصار جيش الكيان للغاصمة اللبنانية بيروت ان ياخذ المقاتلين الفلسطينيين الى المنافي البعيدة عن فلسطين بدلا من التوجه الى شرق لبنان واعادة التموضع هناك.ترتب على ذلك الخروج المهين من بيروت مذابح صبرا وشاتيلا، وتصفية القيادات الفتحاوية المناوئة لهذا المسلسل التنازلي  وصولا الى اوسلو، وفتح ابواب التطبيع العربي والدولي مع الكيان.كان محصلة ذلك فشل منظمة التحرير في الابقاء على وجودها ككيان جامع وفشلت في حماية وجود ما تبقى من قياداتها.فتم تصفية ياسر عرفات ابو عمار بالسّم وبقية قيادات الفصائل تمت تصفيتهم واغتيالهم او سجنهم وبالمقابل  الان وخلال معركة القيامة والوجود التي يخوضها نتنياهو ضد محور المقاومة ، بانه ثابت عند رؤيته الاستراتيجية،ولن يتنازل قيد شعرة عنها، وانه سيبقى يحارب حتى تحقيق النصر الكامل، وانه سيستمر بها الى نهايتها المنطقية.
برزت داخل الكيان قيادات وقوى، تعبر عن خشيتها من ان سياسة نتنياهو والاستمرار في الحرب، قد تعرض امن الدولة ووجود الكيان للخطر الداهم، وخاصة اذا ما اراد توسيعها لتصبح حربا اقليمية،ويبدو ان هناك في داخل الدولة العميقة في امريكا ( جناح الديموقراطيين )من يشاطرهم هذه الخشية.بتقديري ان هؤلاء هم من يعمل على الاطاحة بنتنياهو سلميا، من خلال ما بدأ به مسلسل التسريبات الذي شارك فيه مسؤولين كبار في مكتب نتنياهو وتم اعتقال اربعة منهم.يضاف الى ذلك ما نشرته وحدة لاهاف 
433 في شرطة الكيان يوم الثلاثاء الخامس من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي.، وانها تجري تحقيقا جنائيا منذ عدة اشهر" يتعلق باحداث منذ بداية الحرب.وبحسب بيان الوحدة، فانه كجزء من التحقيق تم اجراء عدد من انشطة التحقيق العلنية" وفي اطار هذه القضية من المتوقع ان يتم استجواب مسؤول كبير في مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
استمر نتنياهو بالمضي قدما في حربه حيث كان يراهن على الوقت حتى تؤتي الانتخابات الامريكية اُكُلها بفوز ترامب.وقبل اعلان النتائج كان واضحا ان نتنياهو وصلته معلومات مؤكدة بفوز ترامب فعجل باتخاذ قرار اقالة وزير الدفاع يواف جالانت وتعيين يسرائيل كانتس بدلا منه.
قال يواف جالانت: ان امن دولة اسرائيل كان وسيبقى رسالتي في الحياة.
من جهته قال العضو السابق في مجلس الحرب الاسرائيلي بيني غانتس ان اقالة غالانت هي اقالة سياسية على حساب امن الدولة
كما نقلت هيئة البث الاسرائيلية عن مصدر امني قوله ان نتنياهو اختار السياسة بدلا من امن الدولة.
بدورها اعتبرت هيئة عائلات الاسرى الاسرائليين في غزة ان اقالة جالانت تمثل استمرارا لجهود نتنياهو لاحباط مساعي اعادة المخطوفين.
[  ] طالب رئيس حزب الديموقراطيين الاسرائيلي  يائير غولان من الاسرائليين النزول الى الشوارع عقب ازالة وزير الدفاع.
نقلت صحيفة يديعوت احرنوت عن مسؤول كبير قوله ان جالانت تم التضحية به على مذبح قانون الاعفاء من التجنيد.
وفي المقابل هنأ وزير الامن القومي الاسرائيلي ايتمار بن غفير نتنياهو على قرار اقالة جالانت، مشددا على انه لا يمكن تحقيق النصر الكامل معه.
سيجتاز نتنياهو هذه الازمة كما في السابق ، وعلى محور المقاومة فصائل وحكومات ان تستعد لمرحلة جديدة من الصراع (( مرحلة ترامب- نتنياهو))وعلى دول الطوق ان تستعد لمرحلة تغيير حرائط سايكس-بيكو التي انتهت صلاحيتها والاستعداد للخريطة التي رفعها نتنياهو من على منبر الامم المتحدة
فيا حكام العرب  انتم مطالبون بان تكونوا مرة واحدة فقط شجعاناً بالسّنان وبالّسان.
وان تكونوا كراما كعرب الجاهلية الذي شاع فيهم المثل القائل:
ان الكريم لو دعي الى طعنة بليل لأجاب. 
م/زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري