بعد قرار محكمة العدل الدولية.. تزايد عزلة “إسرائيل”
مقالات
بعد قرار محكمة العدل الدولية.. تزايد عزلة “إسرائيل”
نضال بركات
26 أيار 2024 , 19:03 م


كتب الأستاذ نضال بركات:

لم يكن مستغرباً رفض “إسرائيل” لقرار محكمة العدل الدولية الذي تطالبها فيه بالوقف الفوري للعمليات العسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وانسحاب قواتها , ضمن القضية التي رفعتها جنوب افريقيا واتهمت فيها “إسرائيل” بارتكاب إبادة جماعية , وواصلت قصفها لرفح متجاهلة قرار المحكمة الدولية الذي يعيق أي تحرك لما طالبت به المحكمة سواء فيما يتعلق بإعادة فتح معبر رفح أمام دخول المساعدات إلى القطاع، أو حتى ضمان وصول أي لجنة تحقيق دولية لتقصي الحقائق بشأن تهم جرائم الحرب والإبادة الجماعية بالقطاع.

وبالتالي فإن تل أبيب لن تلتزم بما طالبت به المحكمة حول تقديم تقرير خلال شهر عن الخطوات التي ستتخذها, وهذا ما كان واضحا من تصريحات قادة تل أبيب الذين رفضوا الالتزام بقرار المحكمة وتبرير استمرار العدوان على الفلسطينيين, فوزير المالية بتسلئيل سموتريتش قال إن “إسرائيل” في حالة حرب من أجل وجودها، ومن يطالبها بوقف الحرب يطالبها بإنهاء وجودها، ولن نوافق على ذلك أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير فلم يهاجم المحكمة ويرفض قرارها وحسب وإنما عاد واستخدم التعبير الذي بات الرأي العام العالمي يرفض أكذوبة معادة السامية واتهم بأن المحكمة تعادي السامية والجواب الوحيد على هذا القرار هو “احتلال رفح , وزيادة الضغط العسكري حتى هزيمة المقاومة، وتحقيق النصر الكامل في الحرب”، على حد تعبيره , ولم يكن رفض القرار من الحكومة الإسرائيلية بل أيضا من زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد الذي قال إن عدم ربط محكمة العدل في حكمها بين وقف القتال في رفح وعودة المختطفين “انهيار أخلاقي وكارثة أخلاقية” بحسب تعبيره.

إن هذا الرفض الإسرائيلي لن يغير من حقيقة المأزق الذي تعانيه مع تزايد عزلتها الدولية رغم دعم واشنطن لها في المحافل الدولية, وهذا ما أشار إليه الأستاذ في القانون الدولي لحقوق الإنسان بكلية ترينيتي في دبلن والموظف السابق في محكمة العدل الدولية مايكل بيكر من أن هذا القرار لا يضع تل أبيب فحسب تحت ضغط كبير لتغيير سلوكها بل واشنطن أيضا مؤكدا بأن هذا القرار يعد الأول من نوعه الذي يأمر بتعليق عملياتها العسكرية في رفح , وهذا ما أكده الخبير في القانون الدولي جيل دوفير من ان القرار سيزيد الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة , وهو ما أشارت إليه صحيفة الواشنطن بوست وقالت إن نتنياهو سيجد نفسه شيئاً فشيئاً معزولاً على الساحة العالمية.

وفي حين أن “إسرائيل” ليست طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية، لكنها في الوقت ذاته عضوا في الأمم المتحدة وبالتالي فهي ملزمة قانونا بالامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية خاصة وأن القرار الأخير صادر عن أعلى سلطة قضائية في الأمم المتحدة وبات أمرا واقعا في القانون الدولي , ورغم ذلك أعلنت تل أبيب أنها لن تلتزم به, وهذا ما يزيد من عزلة “إسرائيل” السياسية لأن القرار الجديد يمتلك ثقلا دوليا كبيرا بعد سلسلة من الانتهاكات المسجلة داخل القطاع لأكثر من سبعة أشهر ويغير المشهد الدولي تجاه القضية الفلسطينية التي عادت بقوة إلى الواجهة من أدراج النسيان بفضل طوفان الأقصى الذي حرك طوفانا قويا من التظاهرات في العالم بأسره وتأييدا من دول عديدة لم تكن تتجرأ فيما سبق أن تتقد جرائم “إسرائيل” بحق الفلسطينيين , بينما الدول العربية لم تحرك ساكنا ضد الكيان الغاصب , وما كان لافتا ما قالته يولاندا دياز نائبة رئيس الوزراء الإسباني بأن فلسطين ستحرر من النهر إلى البحر , بينما طالبت فرانشيسكا البانيز المُقرّرة الخاصّة للأُمم المتحدة المُجتمع الدولي بقطع العلاقات مع كيان الاحتلال فورًا، وفرض عُقوبات عليه حتى ينصاع لقرارات المحاكم الدوليّة ويوقف حرب الإبادة والتّجويع وما كان لافتا أيضا هو أن قرار العدل الدولية جاء بعد أيام فقط من إعلان النرويج وإسبانيا وأيرلندا أنها ستعترف بدولة فلسطينية مستقلة، وهو ما عكس الإحباط الدولي العميق من الإجرام الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

إن الأوضاع فيما بعد قرار محكمة العدل الدولية لن يكون كما قبله بعد أن غير طوفان الأقصى المشهد بأسره وأعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة مجددا لتكون البداية الحقيقية لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه وفق قرارات الأمم المتحدة.


المصدر: موقع إضاءات الإخباري