كتب فيصل الأشمر:
مقالات
كتب فيصل الأشمر: "التعتيم الإعلامي على الخسائر لم يعد يحمي "إسـ..ـرائيل"
30 كانون الأول 2025 , 10:41 ص


"في الحرب، الحقيقةُ هي الضحيةُ الأولى"

المفكر العسـكري كلاوزفيتز.

الحر ب خلف الستار:

إذا كانت الأسلحـة، من البندقية إلى الصوا ريخ الباليستية، هي أسـلحة المعارك المعتادة، فهناك سـلاح آخر إلى جانب هذه الأسلحة، وله تأثير لايقل عن تأثير الأولى،هو سلاح التعتيم الإعلامي، الذي تستعمله الدول لأجل المحافظة على تماسك جبهتها الداخلية أمام شعبها، وعلى صورتها الخارجية، أمام العالم.

ولأهمية التعتيم الإعلامي في دولة قامت وتعيش على الحروب،كـ"إسرائيل"،أنشأ الـكيان وحدة خاصة مهمتها الرقابة العسكرية، لديها صلاحية منع نشر أي خبر أو معلومة تؤثر في أمن"الدولة"أو"روح الجيش".

التعتيم: فلسفته ودوافعه:

اعتمدت "إسـ..ـرائيل" سياسة التعتيم الإعلامي في حروبها ضد العرب، هذا التعتيم الذي يسميه رونين برغمان، المحلل العسكري "الإسـ..ـرائيلي" "الغموض الاستراتيجي القاتل".

وسبب ذلك أن "المجتمع الإسـ..ـرائيلي" يتأثر جدًا، في حال سقوط خسائر، سواء في الجيش أو "المواطنين".

وكل خسارة فادحة تؤدي إلى اهتزاز ثقة هذا "المجتمع" بالجيش، وانهيار هالة وصورة الجيش الذي يردع أعداءه، بالإضافة إلى أن كشف الخسائر على حقيقتها سيكون له آثار سياسية كما حصل بعد حرب 1973، حين أدّى كشفُ الخسارة الهائلة لدى الـعــدو إلى سقوط رئيسة الوزراء غولدا مائير.

أبعاد التعتيم الإعلامي:

*1. تنقيط أعداد القـ..ـتلى.

تؤخر الرقابة العسكرية "الإسرائيلية" الإعلان عن أسماء القــتلى من جنود الجيش "الإسرائيلي" أحيانًا إلى أيام، بحجة ضرورة إبلاغ العائلات قبل نشر الأسماء، لكنْ في الحقيقة، فإنها تلجأ إلى ذلك لأجل نشر أسماء القــتلى بشكل متتابع (بروتوكول التنقيط) للتقليل من حجم صدمة وقوع الخسائر، وهو أسلوب لجأت إليه هذه الرقابة في معركة جنين عام 2002، حين سقط للعدو في كمين حي الفلوجة 13 جنديًّا، ففرضت الرقابةُ التعتيمَ الكاملَ، ومنعت دخولَ الصحافيين ولم تعترف بعدد الجنود القــتلى إلا بعد ذلك، وبعد تصريحات الجنود الذين كانوا مشاركين في المعركة.

2. حماية أسطورة الســلاح:

يتباهى الـعــدو "الإســرائيلي" بسـ..ـلاحه، لا سيما دبابات "ميركافا" (مركبة الرب)، لذلك يخفي مشاهد تدمــيرها، أو تدمـير واحتراق أي نوع من أنواع صناعاته العسكرية، ويقول إلِيّا ماغنير، الخبير العســكري: إنّ "إسرائيل" أخفت في حرب تموز 2006 عدد دبابات ال "ميركافا" التي دمَّرتها المقاومة الإسلامية بصواريخ "كورنيت"، لأن نشر المشاهد سيؤثر في صفقات تصدير هذه الدبابات.

الأمر نفسه حصل بعد عملـيـة "طوفان الأقـ.ـصى" في 7 تشرين الأول/أكتوبر2023،إذ إن مشاهد دبابات "ميركافا" المتضررة بسبب قذائــف "الياسين 105" البدائية الصنع، أثَّر تأثيرًا فادحًا على سوق السلاح "الإسرائيلي".

3. البعد الاقتصادي:

في عام2024ذكر بنك "إسرائيل" أنَّ تكلفةَ الحرب على لبنان تجاوزت ما كان متوقعًا بنسبة 30 %، بينما كانت الحكومة "الإسرائيلية"تتعمَّد تقديم أرقام توحي بالتفاؤل، من أجل تجنّب خفض التصنيف الائتماني من الوكالات المعنية مثل وكالة "موديز".

الإعلام البديل وكاميرا المقاتل:

مع أنّ الرقابة العسـ..ـكرية "الإسـ..ـرائيلية" كثيرًا ما تنجح في السيطرة على الإعلام التقليدي، من محطات تلفزيونية ومواقع إخبارية، لكنها لاتستطيع مـواجهة تدفق المعلومات والصور التي تتسلل إلى وسائل الإعلام ووسائل التواصل المختلفة، كقيام "المواطنين" بتصوير أماكن سقوط صوا ريخ المـ.ـقاومة الفلسـ.ـطينية (قبل وخلال عمـلية طوفان الأقـصى)، وصوا ريخ ومسيّرات المــقاومة الإســلا مية (خلال حربَيْ الإسناد وأولي البأس) والصوا ريخ والمسيّرات الإيرانية خلال حـرب الاثني عشر يوماً.

من ناحية أخرى، لطالما تسرّب إلى الإعلام "الإسـرائيلي" وغيره، مقاطع الفيديو التي كان ينشرها جنود الـعــدو مستعملين كاميرات GoPro الموضوعة على خوذاتهم والتي تُصوِّر عـمـلـيات استـهدافهم من قِبَل المقاومين في غــزة.

التداعيات الدولية والقانونية:

يخشى الـعـدو "الإسـرائيلي" أن تؤثر عملياته العسكرية على صورته التي حاول إظهارهاللعالم على أن الـكـيان "دولة" نزيهة، وأن جيش الـكيان جيش نظيف يدافع عن وجود الـكــيان ضد محاولات "الهـجوم عليه وعلى مستوطنيه"، لكنَّ كلَّ هذه المحاولات لم تنجح في إخفاء المجـازر اليومية التي قام بها الجيش "الإسرائيلي" في غــزة، وأدى فشل الـعـدو في التعتيم على هذه المجازر إلى اعتماد دولة جنوب أفريقيا في ملفها الذي رفعتهُ ضِدَّ"إسرائيل" في محكمة العدل الدولية على فيديوهات مسربة لجنود العدو يقومون بتدمير البنية التحتية للمواطنين الفلسطينيين في غزة، ما شكَّل إدانةً قانونية، ربما تكون غير مسبوقة ضد العدو.

نهاية عصر الاحتكار المعلوماتي:

لا شك أن ما قاله كلاوزفيتز: "في الحرب، الحقيقةُ هي الضحية الأولى"، صحيح، لكن في عصرنا الرقمي، أصبحت الحقيقةُ كاسِرةً لجدارِالصمت،والتعتيم الإعلامي لم يعد يحمي "إسرائيل"، وقد أصبح عليها من اليوم وصاعدًا أن تقلق قلقًا جديدًا، يضاف إلى قلقها على حال كيانها وجيشها، وعلى مناعته العسكرية، وهو القلق من الكاميرا التي كذّبت ما تدّعيه من نظافةِ جيشها، حتى صرنا نجدُ بعض الدول تحملُ أدِلّةَإدانةِ"إسرائيل"إلى المحاكم الدولية.