بقلم :- راسم عبيدات
واضح بأن غزة أدخلت دولة الإحتلال في ازمات عميقة جداً سياسية وعسكرية واقتصادية ومعنوية ونفسية، وكذلك عمقت من حالة الإنقسامات والتصدعات في المؤسستين العسكرية والأمنية،والخلافات والصراعات بين تلك المؤسستين والمستوى السياسي وخاصة مع نتنياهو وحكومته ..ولم تعد حكومة "اسرائيل" وقيادتها قادرة على استلحاق الخسائر ...في الميدان والجانب العسكري ..كلما اوغل جيشها في رمال غزة الحارقة ومستنقعها،كلما زادت خسائره البشرية جنوداً وضباطاً ومعدات عسكرية آليات ومدرعات ودبابات...ناهيك عن تأكل قوة الردع وتراجع المعنويات والروح القتالية عند الجيش "الإسرائيلي" ..الذي بات يشعر كما يشعر الكثير من قادته العسكريين والأمنيين، بأن هذه الحرب بلا جدوى وبدون أهداف محددة وأفاق واضحة،وبأن نتنياهو يقود هذه الحرب ويسعى لإطالة أمدها خدمة لمصالحه الشخصية والسياسية ،ولكي ينفرط عقد حكومته من داخلها،ولا يريد توقف تلك الحرب،حتى لا تطاله المساءلة والمحاسبة بتحميله مسؤولية الفشل الأمني والإستخباري وهزيمة جيشه في 7 أكتوبر...وباتت تلك الحرب فقط من اجل الحرب ،قتل وتجويع مدنيين وتدمير بنى وقطاعات مدنية ونسف مربعات سكنية كاملة،بما ينتج إبادة جماعية ...وهي لن تحقق اهدافها الإستراتيجية المتطرفة،لا في القضاء على المقاومة الفلسطينية وفي قلبها حماس ولا تدمير قدراتها العسكرية والتسليحية والأنفاق الهجومية،ولا إستعادة اسرى عسكريين ومدنيين ولا اعادة سكان مستوطنات الغلاف الى مستوطناتهم، بل أن المقاومة الفلسطينية استفادت من تجاربها وتعلمت من اخطائها ،وباتت تخوض الحرب مع جيش الإحتلال عبر مجموعات قتالية صغيرة،حرب عصابات " غوريلا" موقعة بجيشه المزيد المزيد من الخسائر،عبر عمليات القنص والإستدراج الى فتحات الإنفاق وتفجيرها في جنوده ،وكذلك في قوات النجدة الآتية لإنقاذهم ..وأيضاً قنص القوات المتحصنة في المباني وتفجيرها بالقوات الموجودة داخلها،وايقاع القوات الأتية لتخليصها في كمائن حقول الألغام ...ناهيك عن استهداف دباباته وألياته بقذائف الياسين والشواظ والإلتحام من نقطة الصفر،ولا ننسى استخدام المسيرات في إسقاط القذائف على دبابات وعربات جيشه ...
ولعل معارك جباليا وحي الدرج والزيتون والمواصي والنصيرات ورفح قالت بشكل لا يقبل التاويل،بأن جيش الإحتلال يعيش وهم القضاء على المقاومة أو الإقتراب من تحقيق أهدافه، فالقوة النارية التي تستخدمها المقاومة والقدرات العسكرية والتسليحية التي تمتلكها،والتكتيكات والتقنيات والإعداد والإمكانيات الإستخبارية والإستطلاعية والمراقبة،والتي اعادت فيها المعارك الى الأيام الأولى من معركة ال7 من أكتوبر ..تؤكد على ان ما ينتظر نتنياهو وغالانت وزير حربه وهليفي رئيس اركانه،حرب استنزاف طويلة، لن يستطيع جيشهم الصمود فيها ولا تحقيق نصر او صورة نصر، فكمين جباليا ليلة السبت 25/5/2024 بإستدراج قوة عسكرية " اسرائيلية" الى احد الأنفاق وتفجيره فيها،وما نتج عنها من قتل واصابة واسر 16 جندياً ....وقصف تل ابيب برشقة صاروخية كبيرة ظهر اليوم الأحد من قبل المقاومة الفلسطينية...وسبق ذلك تفنيد كذبة الرواية " الإسرائيلية" عن مقتل قائد فرقة غزة في بداية معركة 7 اكتوبر أساف حمامي،والقول بأنه اسير في يد المقاومة ....هذه الوقائع والمعطيات، تؤكد على المقاومة الفلسطينية ،ليست قريبة لا من الهزيمة ولا من الإنهيار ...بل هي تجترج المعجزات والمفاجأت وستعجل في سقوط نتنياهو وتفكك جيشه ومؤسسته الأمنية وستعمق من حالة الإنقسام والصراع الداخلي،وكذلك سترفع من حدة الصراع لتضع " اسرائيل" على بوابات حرب أهلية.
وخسارات "اسرائيل" المتلاحقة ليست عسكرية وميدانية فقط،بل خسائر متلاحقة في أكثر من جانب ومستوى،فعلى المستوى القضائي،كانت هناك ضربتان متلاحقتان،الأولى قرار محكمة الجنايات الدولية،وعلى الرغم ما شابه من عوار كبير وثغرات،ولكن كان هناك تطور نوعي وتاريخي،بتوجيه الإتهام لنتنياهو ووزير حربه غالانت بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية،وهذا يعني بأن هناك " تسونامي" سيكون له ارتدادات سياسية واقتصادية وحقوقية ومعنوية على " اسرائيل" ،ونحن لسنا هنا بصدد تفصيل تلك التداعيات،ولكن هذا القرار نوعي وغير مسبوق ،وأعقبه قرار محكمة العدل الدولية،بسبب القضية المرفوعة من دولة جنوب افريقيا على " اسرائيل" بإرتكاب جرائم ابادة جماعية واستخدام التجويع كسلاح في الحرب، حيث القرار الذي صدر عنها بالطلب من " اسرائيل" بوقف عملياتها العسكرية فوراً في رفح،وفتح معبر رفح وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية وبشكل كاف لقطاع غزة،وكذلك تسهيل دخول لجان التحقيق وبعثات تقصي الحقائق للتحقق من جرائم الإبادة الجماعية ،هذا القرار اصاب قيادة دولة الإحتلال بحالة من الهستيريا،عبر عنها برفض تطبيق هذا القرار وتوجيه الإتهامات لمحكمة العدل الدولية،بأنها منظمة معادية للسامية ،وذهب البعض من الفاشية اليهودية امثال بن غفير للرد عليها بالعودة الى الإستيطان في قطاع غزة واعادة إحتلالها من جديد،ومما عمق من حالة التخبط والإرباك " الإٍسرائيلية"،تصريحات الحكومتين النروجية والإسبانية، بأنهما ستلتزمان بقرار محكمة الجنايات الدولية،وستقومان بتطبيق قرارها بحق نتنياهو وغالانت ،في حين كان موقف النائبة الثانية لرئيس الوزراء الإسباني يولاندا دياز" قاسياً جداً واتخيل لا يجرؤ عليه أي زعيم عربي بقولها بأن "فلسطين حرة من نهرها لبحرها"،وكذلك المقررة الأممية للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا البانيز،قالت بأنه يجب على " اسرائيل" ان تحترم قرار محكمة العدل الدولية،وعلى دول العالم قطع العلاقات معها في حال عدم إمتثالها للقرار.
وفي الجانب السياسي كان هناك صفعة أكبر ،وهي اعلان ثلاثة دول من دول الإتحاد الأوروبي عن اعترافها بالدولة الفلسطينية،ايرلندا واسبانيا والنرويج متحررة من سيطرة " اسرائيل" على قرارها السياسي ،ومبتعدة عن الموقف الإمريكي الذي يربط الإعتراف بالدولة الفلسطينية من خلال التفاوض مع " اسرائيل"،هذه الصفعة ردت عليها " اسرائيل" بالقول بأنها ستعمل على إقامة مستوطنة جديدة في الضفة الغربية،مقابل كل دولة تعترف بالدولة الفلسطينية،بل وذهبت الى أبعد من ذلك،حيث منعت قنصلية اسبانيا في القدس من تقديم خدماتها للمواطنين المقدسيين،وبالنسبة للنرويج الغت ما عرف بالمخطط النرويجي،مخطط ايداع اموال المقاصة الفلسطينية في البنوك النرويجية وعبرها يتم تحويلها للسلطة الفلسطينية.
أما في الجوانب الدبلوماسية يتزايد عدد الدول التي تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع " اسرائيل" ،ولم تعد تقتصر على بوليفيا وكولومبيا وغيرها من الدول.
نعم غزة والمقاومة وجبهات الإسناد في الشمال والشرق ،تدخلان " اسرائيل" في ازمات وإنقسامات عميقة،وبات نتنياهو المسكون ب"فوبيا" حماس وتحقيق ما يسمى بالنصر الساحق،بات يعيش في مأزقين،عدم القدرة على التراجع،وهذا يعني الإمتثال لشروط المقاومة والتسليم بالهزيمة،والتقدم ويعني المزيد من الغوص في رمال غزة ومستنقعها وحرب استنزاف طويلة...ولعل عملية نفق جباليا وأسر المقاومة لجنود " اسرائيليين" وقصف تل ابيب بعد ما يقارب 8 شهور،وخاصة اذا ما نشرت القسام اسماء وأرقام من أسرتهم من جنود أو ربما من "الشاباك" والوحدات الخاصة،بعد إنكار الناطق باسم الجيش " الإسٍرائيلي" خطف واسر جنود ،فهذا سيشكل فقدان كبير للثقة بالحكومة "الإسرائيلية" وكذلك بالمؤسستين العسكرية والسياسية،وسيترك ذلك تأثيرات كبيرة على اهالي الأسرى من جنود ومواطنين عند المقاومة،وأيضاً عند الجيش " الإسرائيلي" نفسه لجهة المعنويات والإستعدادية والروح والدافعية القتالية،وقد يدفع نحو تمرد وحدات من الجيش عن المشاركة في مواصلة العملية العسكرية في رفح خاصة وقطاع غزة عامة.
فلسطين – القدس المحتلة
27/5/2024