وسقط علي...
مقالات
وسقط علي...
حليم خاتون
12 حزيران 2024 , 14:55 م


١٢/٦/٢٤

من منكم لا يذكر علي...

علي الذي كان يلعب بطائرة الورق "ذات الخيطان"...

منذ نصف قرن، فاجأت علي طائرة "أكبر من بيت الجيران"...

يومها سقط علي مضرجا بدماء لم يطالب له أحد بحقها في الحياة...

كل ما حصل عليه علي يومها كان اغنية من مارسيل خليفة أبكت الأمة على حق الطفولة وحق الوطن السليب...

أمس،

عاد علي يحتل سماء جبل عامل...

في جبل عامل، في كل بيت،

محمد وعلي وحسن وحسين وفاطمة وزينب...

وصل الخبر خفيفا على القلب بادئ الأمر...

لقد استهدف العدوالصهيوني بيت لآل صوفان... لكن الحمدلله، الجميع في بيروت...

سألت...

انه بيت المرحوم سليم صوفان...

عادت بي الذاكرة إلى أيام الصبا...

يوم زفينا ابنة خالي فاطمة إلى بيت المرحوم سليم...

لكن حبل الذاكرة انقطع مع الخبر الثاني...

علي سليم صوفان شهيدا على طريق القدس...

بين جبل عامل والقدس بضعة كيلومترات من الاشواك والتراب المجبول بالدم...

مذ سلب الصهاينة فلسطين، لم يعد علي يستطيع زيارة القدس والصلاة في الأقصى...

ثم وصلت الصورة؛ صورة الشهيد علي...

اجل انه هو...

انه علي الذي ورث ملكة الشعر عن جده الشيخ علي بعد أن حمل اسمه...

عادت بي الذاكرة ربع قرن، يوم رأيته في ورشة البناء في الضاحية...

ربع قرن لم أر علي...

عرفته لأيام فقط قبل أن أغادر لبنان للمرة الثانية...

عرفته لأيام كانت تكفي كي أبكي...

حتى الشهداء السعداء على طريق القدس يجبرونك على البكاء...

لم أعرف إذا كنت أبكي علي، أم أبكي نفسي في هذه الغربة القاتلة بعيدا عن أرض الشهادة والكرامة والنبل والإيمان...

لم أعرف اذا كانت الدموع من أجل علي أم لأني تركت البلد حين كان البلد يحتاج شبابا تقاتل...

سقط جسد علي حين ارتقت روحه إلى السماء بينما نسقط نحن كل يوم...

سقط جسد علي بينما يعجز مليار وثمانمائة مليون مسلم عن رفع رؤوسهم فوق سطح الأرض...

قدم علي جسده في سبيل قضية فلسطين بينما ينام مليار وثمانمائة مليون مسلم دون أن يقوموا على سلطان جائر يحكم العالم العربي "بالجزمة"...

في المظاهرة السابقة، كان الجميع في الغرب يهتف لفلسطين...

كانت الحناجر تصرخ،

Free, free palestine

بينما أنا صامت أخجل من نفسي...

هل هذا كل ما استطيع فعله بعد هذا العمر...

حوالي مئة وخمسين كيلومتر بالسيارة لأصل إلى مكان التظاهر بمساعدة الجي بي إس... فقط لكي اصرخ لفلسطين بينما يقدم الشباب أرواحهم من اجل أقدس بقعة على هذه الأرض...

كانت إحدى الشعارات تطالب بإنهاء الاحتلال...

عن أي احتلال يتكلم هؤلاء...

فلسطين مغتصبة، وليست محتلة...

شعرت بالخجل...

كل ما استطيع فعله هو التظاهر...

وكفى المؤمنين شر القتال...

صحيح اني كبرت...

صحيح اني لم أعد اعرف حمل السلاح...

صحيح اني أعجز عن الركض والاقتحام وتعبئة أكياس الرمل وحفر الخنادق والأنفاق...

لكني أستطيع على الأقل حمل بندقية وانتظار اولاد الكلب حين يقتحمون...

ألا يجدر بي العودة من اجل كل هؤلاء الأطفال الذين يسقطون...

أولاد الكلب منتشرون يقبضون على زمام السلطة في كل العالم؛ بما في ذلك العالم العربي والدول التي تدعي الإسلام...

من كازاخستان وأذربيجان إلى كل الأنظمة الرسمية العربية...

أولاد كلب مع أولاد كلب...

إبن سلمان يقتحم البيوت التي تتجرأ الدعوة إلى الجهاد في سبيل فلسطين...

مفتي "السعودية" يسمي الدعوة للجهاد تسييسا لفريضة الحج...

بئس المفتي وبئس من وراء المفتي...

إبن مليكة يقبض على أعناق اكثر من مائة مليون خروف لا يجرأون على اقتحام سفارات الصهاينة الاسرائيليين والاميركيين والبريطانيين والالمان والفرنسيين...

وأمثال إبن مليكة كثيرون في عالم البؤس العربي المخصي...

يسأل المرء نفسه،

"أين العرب؟"...

في أي ملهى او بيت دعارة يحششون؟

آخر الأسبوع، هناك دعوة لمظاهرة ضخمة من اجل غزة...

من اجل فلسطين...

مرة أخرى سوف اقود السيارة واستعين بالجي بي إس...

على الأقل...

اناافضل من آلاف العرب والمسلمين المنتشرين في المقاهي مع زوجاتهم المحجبات ينظرون إلينا والى الأوروبيين نتظاهر بينما يتناولون هم القهوة او الطعام...

بئس أمة فقدت حتى الحياء...

بئس أمة فقدت الحياة...

بئس أمة بليت بالمعاصي عن قول الحق ولا تتستر على هذا البلاء...

حليم خاتون 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري