*إسرائيل، التايتنك وجبل الجليد
مقالات
*إسرائيل، التايتنك وجبل الجليد
حليم خاتون
24 حزيران 2024 , 14:17 م

كتب الاستاذ حليم خاتون

٢٤/٦/٢٤

بين الكيان الصهيوني وسفينة التايتنك تشابه كبير...

كانت سفينة التايتنك فخر الصناعة البحرية البريطانية...

سفينة التايتنك كانت مشروعا يكرس سيطرة الغرب المطلقة في عالم المال والأعمال والتكنولوجيا، عبر السيطرة على عالم البحار...

كذلك كان مشروع اغتصاب فلسطين وإنشاء كيان كولونيالي في قلب الوطن العربي...

كما ربان سفينة التايتنك الذي حلم بتحقيق رقم قياسي في اجتياز المسافة بين طرفي المحيط الأطلسي فاصطدم برأس جبل جليد لم يستطع تجنبه بسبب زيادة متهورة في السرعة...

كذلك نتنياهو، بن غفير وسموتريتش؛ حلموا باجتياز النقطة الأخيرة في مشروع التطهير العرقي لفلسطين عبر شن ما ظنوا انها الضربة القاضية في غزة يتبعها ضربة أخرى في الضفة وضربة ثالثة واخيرة في الجليل...

هكذا حلم قادة إسرائيل، ومن ورائهم قادة الغرب الأطلسي بتثبت المشروع الغربي الاستعماري...

الذي يعتقد أن مشروع بايدن يختلف عن مشروع نتنياهو واهم...

زرع بايدن غانتز وأيزنكوت في مجلس الحرب لتنفيذ الضربة القاضية للقضية الفلسطينية وسط صمت عالمي وعربي...

كل ما في الأمر هو ان نتنياهو لم ير جبل الجليد، بينما رآه بايدن ولكن بعد فوات الأوان...

بقية قادة الغرب الأطلسي ليسوا سوى كومبارس يرددون كما الببغاوات ما تأمر به الامبريالية الأميركية...

أما النظام الرسمي العربي، فكما عادته منذ ما قبل النكبة سنة ٤٨؛ هو شريك تحت الجزمة في المؤامرة...

في البدء طلع الغرب بنغمة "حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها!"...

تحت هذا الشعار الذي ردده كل إبن زانية في الغرب كان الهدف تغطية المجازر والجرائم التي من المفروض ان تؤدي الى زرع الرعب ومنع اية إمكانية حياة ومن ثم النجاح في طردالفلسطينيين نهائيا من غزة قبل الانتقال في المرحلة الثانية إلى الضفة ثم إلى الجليل كحل نهائي للمسألة الفلسطينية...

لكن ما بدا إنه مجرد صخرة جليد، تبين انها جبل كامل من محور يمتد من ايران إلى اليمن إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان، وان المقاومة الفلسطينية ليست سوى رأس جبل الجليد هذا...

في المظاهرات هنا في الغرب، الجميع يهتف "cease-fire now"...

ربما كنت من القلائل جدا الذين لم يرددوا هذا الشعار...

وقف إطلاق النار قد ينقذ الآلاف اليوم ويؤجل سقوط الكيان إلى معركة أخرى او حرب أخرى، بالنقاط، كما عبرت قيادة محور المقاومة...

هؤلاء إنسانيون في مواجهة وحش كاسر لا يعرف الإنسانية...

أية فترة انتظار أخرى سوف تؤدي إلى مآسي رهيبة قد تطيح بهذه الفرصة التاريخية التي سنحت اليوم...

لنجاح اي أمر، يجب توافر الظروف الذاتية والظروف الموضوعية في نفس اللحظة التاريخية...

هنا توافر العامل الذاتي في وجود محور قادر على القتال، وتوافرت الظروف الموضوعية في عوامل من أهم ظواهرها حرب أوكرانيا التي وضعت روسيا في مواجهة الغرب، ومشكلة تايوان التي تهدد الهيمنة الغربية المطلقة على النظام العالمي وتمهد الطريق لانتهاء عصر الاستعمار الغربي وكل المشاريع الاستعمارية التي يشكل الكيان الصهيوني احد أهمها...

الذين يريدون وقف إطلاق النار عدة فئات:

هناك من يريد الوصول إلى حل الدولتين لإنقاذ المشروع الصهيوني من الانهيار الكامل عبر المحافظة عليه حتى بدون الضفة وغزة بما في ذلك القدس؛ هؤلاء هم بعض قادة الغرب الذين يعلنون جهارا ان حل الدولتين مصلحة إسرائيلية اولا واخيرا؛

هم طبعا على حق...

يقف مع هؤلاء نظام رسمي عربي مهترئ يريد التقاط أنفاسه والمحافظة على رأسه بعد أن داهمته الاحداث، وتوشك على تجاوزه وربما حتى اقتلاعه من الأساس...

فئة أخرى تبدأ ربما بحماس وبعض المحور وتصل إلى السلطة الفلسطينية التي تعيش تراجيديا الغباء المخلوط بجرعات من الخنوع والنذالة التي تصل حدود الخيانة...

هؤلاء يحلمون إما بتقاعد ذليل كما السلطة، وإما بمرحلة تقود في المستقبل إلى جزء ثاني لحرب تحرير يتم تأجيلها بسذاجة تصل حد الهبل لأن ديمومة توافر الظرف الموضوعي مع الظرف الذاتي في اللحظة التاريخية لا يمكن ضمانها...

هناك طبعا جموع الغربيين الذين يتطلعون بمثالية طوباوية إلى إمكانية تحويل اكثر من ثمانين في المئة من الاسرائيليين إلى حمامات سلام وهذا من سابع المستحيلات...

في السبعينيات من القرن الماضي، أثناء الحرب الأهلية في لبنان، وقع في يدي كتاب أظن أن عنوانه كان "نحو حل ديمقراطي للصراع العربي الصهيوني"؛

كانت فكرة المؤلف تقوم على إقامة دولة واحدة في فلسطين يعيش فيها العرب واليهود على طريقة ما حصل في جنوب أفريقيا لاحقا...

في الثمانينيات، حاول احد كبار قادة الصهيونية الليبيرالية في أميركا تسويق هذه الفكرة على اساس موافقة منظمة التحرير على تحويل مشروع الدولة اليهودية إلى مشروع دولة إسرائيل ( اي أسرلة العرب عبر حملهم الجنسية الإسرائيلية)...

لكنه اصطدام بجدار فولاذي من الصهيونية الدينية والانجيليين الصهاينة في أميركا وإصرار منظمة التحرير يومها على حق العودة لكل اللاجئين بالإضافة إلى عدم الراحة في خسارة الهوية الفلسطينية...

منذ بضعة سنين طرح المؤرخ الاسرائيلي المولود في فلسطين إيلان بابيه مشروع دولة فلسطينية واحدة من النهر إلى البحر تقبل بوجود اليهود الذين يتخلون عن المشروع الصهيوني...

كان البروفيسور بابيه نفسه تخلى عن الصهيونية بعد دراسته لأرشيف الكيان واضطلاعه على الظلم الذي وقع على الفلسطينيين والذي كانت الآلة الاستعمارية الضخمة تخفيه عن اليهود في فلسطين من الاجيال الجديدة كما تخفيه عن المواطنين الغربيين المؤمنين بكذبة المبادئ الانسانية للغرب...

كان المفروض ان تقوم دولة الكيان كما فعل الاوروبيون في أميركا وكندا وأستراليا بالاعتراف بالابادة في المستقبل لكن تحميلها للأجيال الفانية وتبرئة الدولة المولودة بعد تكريس شرعيتها كأمر واقع حيث يكون من بقي من الفلسطينيين أقلية هامشية داخل الكيان وقد تم تذويب الآخرين في بلدان اللجوء...

هل لا يزال المجال مفتوحا لفكرة إيلان بابيه؟

في رده على هذا السؤال الموجه اليه من احد الفلسطينيين في الغرب، قال بابيه:

لست أنا من سوف يقول للفلسطينيين ما يجب فعله...

على الفلسطيني أن يبني هذه الدولة ويسمح لي انا اليهودي من أصول ألمانية أن أعيش في هذه الدولة اذا قبل هو...

هناك الكثير ممن لا يثقون بامكانية التعايش هذه...

أثناء النضال في جمهورية جنوب أفريقيا، كان الأفارقة السود ثلاث فرق:

المؤتمر الوطني الأفريقي(ANC) بقيادة نيلسون مانديلا يدعو إلى وطن واحد للجميع تحت شعار قوس قزح في دولة المساواة الكاملة،

One man one voice...

حزب ال

Pan African congress

الذي يرفض وجود البيض بالمطلق ويطالب بترحيلهم إلى مواطنهم الأصلية من حيث أتوا...

وفي الاخير كان هناك الأفارقةالسود التقليديون الذين يوافقون على نظام الفصل العنصري ويقبلون العبودية تحت مسمى بدنا نعيش...

اراد مانديلا إعادة ما يستطيع من الحقوق إلى السود دون الاصطدام مع الغرب الأبيض على أمل أن التطور التاريخي سوف يفرض حقائق جديدة...

رفض روبرت موغابي الاقتياد بفكر مانديلا في زيمبابوي (روديسيا البيضاء)؛ لذلك تعرض للحصار الاقتصادي والعزلة حتى استطاع النظام العالمي الذي يقوده الغرب على تدمير البلد ونسف المنجزات...

كيف سوف نتعاطى نحن العرب؟

كيف سوف يتعاطى الفلسطينيون؟

هل لا تزال دولة فلسطين التي اقترحها إيلان بابيه مقبولة؟

هناك من يريد طرد جميع اليهود من فلسطين وعودتهم من البلاد التي أتوا منها...

وهناك من يؤمن بمشروع دولة فلسطينية واحدة من النهر إلى البحر مع مساواة كاملة بين الجميع في الحقوق والواجبات...

كيف يمكن أن تكون هذه الدولة؟

كيف يجب التصرف مع مجرمي الحرب أمثال نتنياهو وبن غفير وسموتريتش؟

كما كان اكثر من ثمانين في المئة من البيض في جنوب أفريقيا عنصريين، كذلك هو الأمر في فلسطين...

من لم يرض من البيض أن يعيش في الدولة الجديدة في جنوب أفريقيا، حمل شنطته، وعاد من حيث أتى...

بقي في جنوب أفريقيا حوالي خمسة ملايين أبيض يعيشون تحت حكم (ديمقراطي) بوجود اغلبية سوداء...

هل يكون قدر فلسطين على هذا النحو؟

وحدهم الفلسطينيون من يملكون هذا الحق في القرار...

الشرط الوحيد الذي يجب أن لا يغيب عن أي قرار هو الحفاظ على حق العودة لجميع الفلسطينيين دون استثناء...

اعادة كل الأملاك إلى اصحابها أيضا دون استثناء...

تكريس الهوية العربية الفلسطينية المستقلة لهذا البلد مرة واحدة والى الأبد...

اليوم علينا نحن أن نقرر ما هو اليوم التالي لهذه الدولة الجديدة...

لقد برهنت حركة المقاومة الفلسطينية، خاصة أيام تبادل الأسرى منذ أشهر أن الفلسطينيين شعب طيب جدا جدا...

من حقه وحده أن يسامح والمتهم الأساسي هم ليسوا فقط يهود بل عرب وغرب أيضا...

لكن الأكيد إنه كما كان غرق التايتنك حتمي، كذلك هو وضع الكيان اليوم...

يجب عدم خسارة هذا المنجز التاريخي عبر البلعطة السياسية...

عندنا في بلاد الشام يقولون:

اضرب الحديد، وهو حامي...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري