كتب الأستاذ إيهاب شوقي:
منذ عقود ومنذ تشكّل حركات المقاومة وتصدّرها لساحات المواجهة بديلًا عن خروج الجيوش النظامية المأساوي من الصراع، يعتمد الكيان الصهيوني وراعيه الأميركي خيار الاستهداف والاغتيالات واستهداف المدنيين تارة لتخويف وتركيع الشعوب، واستهداف القادة تارة أخرى لتركيع حركات المقاومة. ولم يقتصر الأمر على العلماء أو القادة العسكريين، بل شمل الأمر الأدباء والصحفيين وكلّ من يعمل بالوعي ونشر ثقافة المقا.ومة.
ومن بين مفاعيل سياسة المعركة بين الحروب التي اعتمدها الكيان الصهيوني، ارتكب العدوّ جرائم استهداف قادة وعلماء للجمهورية الإسلامية لمحاولة ثنيها عن دعم ورعاية المحور المقاوم، كما ارتكبت أميركا أبشع الجرائم التي توجتها باستهداف الشهيد سليماني. ولكن الناتج العملي والمحصلة الاستراتيجية كانت صفرية ولم يجنِ العدوّ ورعاته من هذه الجرائم شيئًا، بل على العكس، فقد شحذت هذه الجرائم همم المجاهدين وحماستهم وإرادتهم بسبب امتلاكهم للإيمان والبصيرة وثقافة النصر أو الشهادة، وخلوّ القاموس المقاوم من مصطلحات الخوف أو الارتداع أو المذلة.
ومنذ عقد السبعينيات، واغتيال الروائي والصحفي الفلسطيني المقاوم غسان كنفاني في بيروت، مرورًا باغتيال أعضاء وقادة منظمة التحرير الفلسطينية وصولًا للشخص الثاني فيها بعد ياسر عرفات، وهو الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد"، في الثمانينيات، لم تتوقف المقاومة بل ازدادت رسوخًا وانجابًا لقادة جدد أذاقوا العدوّ ويلات المقاومة وعطلوا مشروعه التوسعي وأوهام ""إسرائيل" الكبرى" التي تعاظمت لدى العدوّ بعد تدجينه للأنظمة الرسمية بعد كامب ديفيد.
وازداد العدوّ شراسة وإجرامًا، في التسعينيات باغتيالات نوعية لقادة استثنائيين، من أمثال الشهيد صلاح خلف والشهيد السيد عباس الموسوي الأمين العام لحزب الله، والشهيدين فتحي الشقاقي ويحيي عياش، وغيرهم من القادة في بمختلف الفصائل وحركات المقاومة التي توحدت وتزينت بالشهداء في بذور مبكرة لتشكيل محور المقا.ومة ووحدة الساحات.
ومنذ بداية القرن تركزت الاغتيالات على رافضي خيار السلام المزعوم في الحركات التي اتبعت أوسلو، والقادة الميدانيين لفصائل المقاومة بكافة تنوعاتها، وتركزت الاغتيالات على المهندسين من مطوري الأسلحة والعلماء النوويين، ولم تستثنِ فصيلًا مقاومًا بكلّ جبهات محور المقاومة وتوجتها بجريمة اغتيال الشهيدين سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما.
ومنذ طوفان الأقصى والعدو يعوض فشله وارتداعه أمام المقاومة في لبنان باغتيال قادة ميدانيين من أخلص وأكفأ المجاهدين في حزب الله، ولم تتغير معادلة ولم تركع إرادة، بل على العكس يردّ الحزب على كلّ جريمة باستهدافات نوعية وتصعيد للنيران ونوعية الأهداف وباستخدام تقنيات وتكتيكات نوعية تكشف عن بعض بأسه.
المحصلة السياسية العامة هي أن العدوّ لم يربح أي خطوة إلا بتنازلات سياسية من المتنازلين عن خيار المقاومة ومن ركنوا إلى وهم السلام المزعوم مع عدو لا يؤمن بأي حق فلسطيني، وشيطان أميركي يمارس التضليل وكسب الوقت حتّى تصفية القضية.
والمحصلة الميدانية والاستراتيجية هي التطور النوعي والكمي لسلاح المقاومة وتنظيماتها وبروز قيادات كانت رديفة لتعتلي سدة القيادة وتثبت كفاءتها وبأسها.
والمقياس الاستراتيجي الدقيق هو المقياس المتتبّع للمسار والمعادلات، وهو يفيد بأن مسار المقاومة تصاعدي وأن معادلاتها من حيث الردع والرعب متقدمة، وأن الرهانات الصهيونية على الألم لم تأتِ إلا بنتائج عكسية، لأنها رهانات خائبة لا تقوم على دراسة معمقة لثقافة المقاومة وعقيدتها، بينما جاءت رهانات المقاومة على ألم العدوّ صائبة لأنها تقوم على دراسة التاريخ والسنن الكونية بأن الصمود والمقاومة والحق هي المنتصرة وأن أي احتلال أو ظلم مصيره الزوال طالما وجدت مقاومة صادقة مؤمنة.