المهمة أنجزت
مقالات
المهمة أنجزت
حليم خاتون
17 آب 2024 , 10:15 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

يقول ماو تسي تونغ إن أفضل شيء يمكن فعله عند حصول كارثة، هو أن يحاول المرء تحويل الفعل السلبي إلى نتيجة إيجابية...

هذا بالفعل ما يحاول الكيان فعله؛ كل الكيان بجميع أطيافه...

لا يختلف نتنياهو عن يائير لابيد أو غانتز؛ كما لا يختلف أيزنكوت عن هاليفي أو غالانت أو هنغبي...

ما حصل في السابع من أكتوبر كان كارثة بكل المعايير بالنسبة للكيان...

قرر هذا الكيان تحويل هذه الكارثة إلى فرصة عبر تنفيذ الجزء الثاني والأخير من النكبة على كامل تراب فلسطين التاريخية...

أما شعار "أرض إسرائيل، من الفرات إلى النيل"، فيمكن تحقيقه بالتدريج والتعاون مع الصهيونية العربية عبر التطبيع والدين الابراهيمي الجديد...

الكل في الكيان يريد ارتكاب أقصى انواع المجازر للوصول إلى التطهير العرقي الكامل أو شبه الكامل...

يجب إسقاط مقولة "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض" على أرض فلسطين التاريخية عبر التهجير القصري إلى دول الجوار وتذويب الفلسطينيين في المحيط العربي القريب المتمثل بمصر، الأردن، لبنان، سوريا، العراق أو غيرها...

المهم وفق وصف البروفيسور جون ميرشايمر أن الكيان يستطيع بعد تنفيذ التطهير العرقي أن يتخلص من تهمة الابارتايد التي قد تسقطه وتزيله من الوجود كما فعلت بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا...

تحويل غزة إلى ساحة صيد البشر من الفلسطينيين، وتدمير كل مقومات الحياة البشرية في كامل القطاع هو بالضبط ما سوف يؤدي إلى هذا التهجير القصري...

يعمل الكيان على جعل الحياة الطبيعية مستحيلة في غزة، ويقف إلى جانبه في هذا الأمر نظام الامبريالية العالمية ممثلا بالولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي...

كل الكلام عن تهدئة يهدف فقط إلى التقاط الأنفاس قبل العودة إلى الحرب لتحقيق هذا الهدف...

هذا ما كان يحدث في حرب النكبة سنة ٤٨؛ وهذا ما كان يفعله الكيان دائما في المئة سنة الأخيرة...

خير دليل على ذلك ما يحدث في الضفة وسط صمت وغطاء دوليين...

ما حدث مؤخرا في بلدة "جيت" الفلسطينية في الضفة الغربية هو نفس السيناريو الذي حصل في أربعينيات القرن الماضي وفق الأرشيف البريطاني وأرشيف الكيان الذي أخرجه إلى العلن المؤرخ الإسرائيلي المولد، المعادي للصهيونية إيلان بابيه في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين"...

لم يكن بناء الرصيف البحري في غزة سوى خطوة كانت تهدف إلى فتح معبر لجوء لأهل القطاع بعد أن رفضت مصر مسألة التهجير باتجاه سيناء وفقا لخطط صفقة القرن...

وعندما افتضح أمر هذا الرصيف، تم استعماله لمرة واحدة في عملية إنقاذ أربعة أسرى "إسرائيليين" قبل سحبه بعيدا باتجاه الشمال...

أما تهجير أهل الضفة نحو شرق الأردن، فهو قيد التنفيذ في مراحله الأولى القائمة على المجازر اليومية وسط عجز محمود عباس وسلطة أوسلو، بما في ذلك أوسلو نفسها التي سحب الكيان الصفة الديبلوماسية عن موظفيها في فلسطين ال٤٨...

ربما تعقدت الأمور بعض الشيء بسبب الظروف الدولية ورفض بلديْ اللجوء مصر والأردن لهذا الامر حتى الآن...

لكن عندما تصدر الأوامر النهائية عن القطب الدولي الأوحد والقوة الاعظم عسكريا وسياسيا، سوف تنفذ الأطراف هذه الأوامر صاغرة و"رجلها على رأسها"...

ترى الصهيونية الدينية بفرعيها اليهودي، والإنجيلي أن هذه الفرصة قد لا تسنح مرة ثانية، ولذلك لن تسمح بأية تهدئة مستدامة قبل تنفيذ المشروع خاصة وان الطرف الوحيد الذي يقف في وجه هذا المشروع والمتمثل بمحور المقاومة لا يزال حتى اليوم يراهن على الوقت والاستمرار في مراكمة القوة إلى ما شاءالله، ولم يصل بعد الى قناعة أنه يملك بالفعل مفتاح مستقبل هذا العالم القائم، او ربما هو لا يزال يحاول إيجاد وسيلة لتخفيف الأثمان...

هل يضغط وضع الحزب الديمقراطي والدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية باتجاه هدنة ما إلى ما بعد الانتخابات؟

ربما...

لكن الكيان سوف يعود الى هذه الحرب عاجلا أم آجلا...

الفرق الوحيد بين ما يسمى اليسار الصهيوني والصهيونية الدينية المتمثلة ببن غفير وسموتريتش وجزء لا يستهان به من حزب الليكود هو أن الأول يريد تحقيق التطهير العرقي دون ضجة تستفز الرأي العام العالمي الذي مال بعض الشيء بإتجاه رفض حرب الإبادة الجارية على الشاشات، بينما تريد الصهيونية الدينية حرق المراحل طالما ان الدولة العميقة في الولايات المتحدة لا تزال تخضع للسلطة المالية الخاضعة بدورها لمنظمات ضغط يسيطر عليها أباطرة المال والأعمال الذين ينتمي السواد الاعظم منهم إلى الصهيونية الانجيلية والصهيونية اليهودية...

لعل أكثر من يفهم ما يجري هو محور المقاومة نفسه...

لكنه يبدو كما تم الحديث أعلاه لا يزال يراهن على الفوز بالنقاط عبر الاستمرار في احتواء الضربات التي يتلقاها بانتظار الفرصة لتوجيه الضربة القاضية إلى وجه الخصم...

هو يتصرف بعقلانية...

لكنه يراهن في نفس الوقت على عقلانية عند طرف يملك قوة نارية هائلة وقوة نووية سبق أن استعملها وقوة لا أخلاقية كانت دائما نبراس ممارساته من فيتنام إلى العراق وصولا إلى ما يجري في فلسطين اليوم...

عندما يخرج محمد بركات بخلاصة أن محور المقاومة خسر الحرب سلفا، فهذا ناتج عن عدم فهمه لديناميكية حركة الصراع التي سوف تدفع محور المقاومة دفعا باتجاه توجيه الضربة القاضية؛ قد يكون محور المقاومة في وضعية تحين فرصة توجيه هذه الضربة، لكن الامبريالية لا تترك له مجالا واسعا وسوف يجد نفسه عاجلا أم آجلا مضطر إلى توجيه هذه الضربة...

لن تأتي الضربة فقط من عماد ٤؛

كما لن تأتي فقط من بضعة صواريخ يطلقها الحشد الشعبي في العراق...

يبكي محمد بركات بسبب الفوسفور الذي سوف يمنع الحياة الطبيعية في القرى الامامية من لبنان على حدود فلسطين...

من حقه البكاء لو كانت المسألة فعلا سوف تتوقف على تهدئة أو هدنة والعودة الى ما قبل السابع من أكتوبر...

لكن العودة إلى الستاتيكو السابق دخل في المستحيل...

في محور المقاومة رجال يعرفون جيدا أن العودة إلى الوراء باتت مستحيلة...

يتم الضغط على يحي السنوار وعلى محور المقاومة بعدد الجثث وكمية الدم والدمار...

يرقص جان عزيز فرحا لأن حديثا جرى أن السنوار يراهن على كمية الدم لخدمة القضية؛ وكأن هذا عيب...

لا يمكن إنكار أن هذا الضغط يفعل فعله احيانا كثيرة؛

نرى حماس تتراجع في بعض المطالب بشأن الأسرى مثلا...

لكن ما لا يفهمه محمد بركات أو جان عزيز وغيرهما ممن يحملّون السابع من أكتوبر مسؤولية هزيمة لن تحصل لمحور المقاومة، هو أن جبهة العدو في الجهة المقابلة لن تهدأ عن الدفع باتجاه تحويل كارثة أكتوبر هذه إلى نتيجة إيجابية تنتهي بالقضاء على القضية الفلسطينية...

سوف يجد محور المقاومة بكل أطرافه؛ وربما هو وصل فعلا إلى هذه القناعة بأن القضية بالنسبة له هي مسألة حياة أو موت؛ مسألة شرعية وجود أو نهاية لهذه الشرعية، وبالتالي لهذا الوجود...

لقد ارتبطت شرعية المحور بما في ذلك شرعية الثورة في الجمهورية الإسلامية في إيران بانتصار الحق الفلسطيني...

إذا ضاعت فلسطيني، سوف يضيع كامل المحور...

الترابط بين الفريقين، الفلسطيني ومحور المقاومة صار عضويا إلى درجة انتهاء الكثير من المسائل القطرية، او على الأقل وجوب تجاهلها في هذه المرحلة...

نعم من حق شارل جبور أن يخاف...

المقاومة التي سوف تنتصر سوف تبني دولا لا تتسع لامثاله من العملاء...

المقاومات التي تنتصر ولا تبني دولا سوف تنتهي في مزابل التاريخ...

الغريب ان الإجابة على محمد بركات تأتي احيانا من فريق هو على يمين محمد بركات في المسألة من حركة الصراع...

بدا أمس خطار بو دياب المشهور بعدائه لمحور المقاومة أكثر منطقا عندما اعترف ضمنا بقوة كامنة في محور المقاومة تستطيع ليس مجرد تخريب ديكور هذا النظام العالمي، بل زعزعة هذا الاستقرار إلى درجة فقدان التوازن الكلي...

صحيح ان رسالة عماد ٤ هدفت إلى رفع معنويات المحور بعد مجيء كل زناة الأرض واجتماعهم للدفاع عن هذا الكيان اللقيط...

وان عماد ٤ هدف إلى توجيه إنذار إلى هذا التجمع الامبريالي بأنه إذا كان حزب الله يملك ما يملك، فماذا عن قلب المحور وعقله في إيران...

قد يبد الأمر وكأن كل طرف يستعرض القوة ضمن لعبة، " بيّي أقوى من بيّك"...

جلب الكيان الامبريالية...

جلبت الامبريالية الأساطيل...

رد السنوار بعدم الذهاب إلى التفاوض وأخرج حزب الله فيديو جديد لن يكون الأخير ليثبت للكيان أن مستقبله على المحك، ويقول للامبريالية أن الحرب الشاملة لن تقتصر قيمتها على ٥٠٠ مليار دولار كما خرجت بعض التحليلات في الغرب...

تدمير سوريا كلف اكثر من ٢٠٠ مليار،

وها هي سوريا تعود...

تدمير العراق كلف الامبريالية حوالي ١٠٠ مليار وها هو العراق يعود...

تدمير اليمن احتاج الى أكثر من ٢٠٠ مليار وها هو الحوثي يتحول إلى قوة اقليمية لم يعرفها تاريخ اليمن منذ نشوء كيان بني سعود...

القضية أكبر من مجرد ٥٠٠ مليار...

كما هي أكبر بكثير من لجوء عشرات الملايين إلى أوروبا كما يخشى الاتحاد الأوروبي...

القضية صارت في ندية وجود محور مقاومة من جهة في مقابل محور امبريالي شرير...

عندما سوف تُضغط الازرار، لن يبقى اقتصاد عالمي؛ بل لن يبقى هذا العالم الذي نعرفه اليوم...

نعم نحن سوف نخسر الكثير الكثير، لكننا سوف نربح أنفسنا...

أخيرا سوف نكتب الحرف الأخير في الكلمة الأخيرة في السطر الأخير على كل مؤامرات الغرب من نابليون بونابرت إلى يومنا هذا مرورا بكامبل وبلفور وكل أولاد الكلب الذين ارادوا كتابة نهاية تاريخ هذه الامة العظيمة التي لن تموت...

المصدر: موقع إضاءات الإخباري