بقلم :- راسم عبيدات
هناك عربيا من يواصل تهديد المقاومة الفلسطينية وتخويفها وترهيبها والضغط عليها،بالقول لها بأن عليكم القبول بالصفقة المطروحة وبشروط نتنياهو،وإلا فالمنطقة ذاهبة نحو حرب إقليمية،وكأن المقاومة الفلسطينية،هي المعيقة لإتمام الصفقة،وفي هذا الترهيب والتخويف تبني لمطالب وشروط نتنياهو، نتنياهو الذي أقرب شركائه وابناء جلدته من غالانت وغانتس ولبيد وقادة المؤسستين الأمنية والعسكرية "الإسرائيلية"،يقولون بأنه المعيق والمعطل لإتمام للصفقة والذي لا يرغب بعقدها ولا وقف الحرب على قطاع غزة،ليصل الأمر به الى حد طلب تعهد مكتوب من الإدارة الأمريكية بأنه بعد استعادة جزء ليس بالبسيط من أسراه في مرحلة الهدنة (42) يوماً،يمكنه استمرار حربه التدميرية على قطاع غزة،الإدارة الأمريكية التي تبنت مقاربة جديدة لمبادرتها التي أطلقها الرئيس بايدن في ايار وصادق عليها مجلس الأمن الدولي في 2/7/2024 ،قرار (2735 ) ،قبلت بها حماس والمقاومة ،ولكن نتنياهو استمر في المماطلة والتسويف وتقطيع الوقت ...وعندما حددت الإدارة الأمريكية جولة جديدة من المفاوضات،جاء توقيتها بالأساس،ليس من أجل وقف الحرب على قطاع غزة ،بل توقيتها جاء بعد اقدام اسرائيل على اغتيال القائدين شكر وهنية في الضاحية الجنوبية من بيروت وفي قلب طهران،لكي تمنع رداً عسكرياً من ايران ومحورها على تلك الإغتيالات وقصف " اسرائيل" لميناء الحديدة في اليمن ....ما يسمى بالوسطاء العرب لا يملكون الجرأة بالقول حتى كحال العديد من قادة " اسرائيل"،بما فيهم فريقه المفاوض بأن نتنياهو المعطل لصفقة تبادل الأسرى محكوماً بمصالحه السياسية والشخصية،ومسكوناً بالخوف من سقوط حكومته وتفجيرها من داخلها من قبل القوة اليهودية والصهيونية الدينية ،بن غفير وسموتريتش،وما سيترتب على ذلك السقوط من تشكيل لجنة تحقيق تحمله المسؤولية المباشرة عن الفشل الأمني والإستخباري في السابع من اكتوبر/2023،وما لحق بجيشه من هزيمة،مضافا الى ذلك التهم الجنائية المنظورة ضده امام القضاء " الإسرائيلي " الرشوة وسوء الإئتمان وخيانة الأمانة،وبالتالي قضاء بقية حياته في السجن....أمريكا تبنت المقاربة الجديدة لمبادرتها بما يتماهى مع شروط نتنياهو،وهذا ما عبرت عنه حماس باسم المقاومة في ردها،على التعديل الذي جرى ادخاله على المبادرة الأمريكية الأصيلة، فالحديث لا يجري عن انسحاب شامل للقوات " الإسرائيلية من القطاع ولا وقف إطلاق نار دائم ولا اتمام صفقة لتبادل الأسرى تستجيب لشروط المقاومة،بل ان يكون إسرائيل حق "الفيتو" على 100 من الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم في الصفقة ،وابعاد 200 آخرين الى خارج مناطق سكناهم في الضفة الغربية الى قطاع غزة والخارج ،ولذلك هي تتمسك بالمبادرة الأمريكية " الأصلية".
نتنياهو يقول بأنه يجب عليكم الضغط على حماس والسنوار ،فهم من يعطلون الصفقة،وبالتالي بلينكن ونتنياهو والإدارة الأمريكية وما يعرف بالوسطاء يريدون وضع حماس والمقاومة أمام خيارين، احلاهما مر، القبول بالشروط الأمريكية – "الإسرائيلية" لصفقة التبادل ووقف إطلاق النار،وهذا يعني بان الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني ومقاومته أكثر من 140 الف شهيد وجريح ومفقود،سيذهب سدى ويحمل المقاومة مسؤولية هذا الدمار والثمن الباهظ ،،والخيار الأخر ان الرفض لصفقة التبادل من قبل حماس والمقاومة بالشروط " الإسرائيلية" سيحملها مسؤولية فشل الصفقة لتبادل الأسرى ودفع الأمور نحو الحرب الإقليمية،وبما يسمح لنتنياهو بمواصلة حربه التدميرية على القطاع ،حتى يصل الى الأهداف الكبرى " الإسرائيلية "- الأمريكية،طرد وتهجير 2 مليون فلسطيني من القطاع و"هندسته" جغرافياً و" وديمغرافيا" بالسيطرة على 12 % من مساحة القطاع،ودفع جزء لا يستهان به من سكان القطاع تحت الضغط العسكري لمغادرة القطاع " الهندسة الديمغرافية"،وصولاً الى الأهداف الإستراتيجية الكبرى،السيطرة على منصة الغاز الفلسطينية " غزة غاز"،35 مليارمتر مكعب من الغاز النقي في شمال القطاع،وإقامة ما يعرف بقناة بن غوريون كبديل لقناة السويس، وإقامة منطقة " نيوم" السياحة الاقتصادية السعودية على مساحة واسعة،بما يشمل الأراضي الفلسطينية،وصولاً للهدف الأكبر والأشمل إعادة رسم خرائط المنطقة من جديد،وبما يمكن من إقامة ما يعرف بالشرق الأوسط الكبير.
نتنياهو خبير في اعادة التفاوض على ما جرى التفاوض عليه،وهو يعتقد بأن العرب والفلسطينيين لا يثبتون ولا يتمسكون بمواقفهم،بل من خلال الإبتزاز والتهديد والضغط يخضعون،ويقدمون على تقديم التنازلات والتخلي عن مواقفهم وشروطهم ومطالبهم ومبادراتهم،وليس أدل على ذلك عندما اعاد نتنياهو اعادة فتح ما جرى الإتفاق عليه،والتفاوض عليه من جديد، اتفاق الخليل نموذجاً،فبعد توليه الحكم عام 1996م،رفض تنفيذ اتفاق اوسلو،وتطبيقه،ورفض الإنسحاب من مدينة الخليل،حسب ذلك الإتفاق، لكي ينال مراده ومبتغاه،ويجري تقسيم الخليل الى ما يعرف ب" اتش واحد" و"اتش2" مناطق خاضعة للسيطرة والسيادة الفلسطينية،واخرى خاضعة للسيادة والسيطرة " الإسرائيلية" ،وثمن الموافقة الفلسطينية، ندفع ثمنه باهظاً في الخليل وعلى مستوى الحقوق والقضية،وكذلك العرب الذين طرحوا في قمتهم التي عقدت في بيروت آذار/2002، ما سمي بمبادرة السلام العربية "الأرض مقابل السلام" ،وكان جواب رئيس وزراء الإحتلال أنذاك شارون عليها ، اقتحام الضفة الغربية ومحاصرة الرئيس الراحل ابو عمار في المقاطعة / رام الله،ومن بعد ذلك استمر العرب بالهبوط بسقف مبادرتهم لكي تقبل بها " اسرائيل،ولتصل التنازلات بالعرب الى حد " التطبيع مقابل السلام"،ونتنياهو يعتقد بأن زيادة الضغط العسكري على المقاومة ومواصلة ارتكاب الجرائم بحق المدنيين،سيحقق له مبتغاه بإستعادة اسراه لدى المقاومة وبوقف لإطلاق النار بالشروط التي تمكنه من تحقيق ما يسمى بالإنتصار الساحق ،رغم ان الواقع والميدان يقولان بشكل واضح ، بأن نتنياهو يغرق في رمال ومستنقع غزة، فلا انجاز عسكري ولا ميداني يتحقق ولا نصر أو صورة نصر ،والمقاومة الفلسطينية الحالية وحماس بقيادة السنوار ،تقول بشكل واضح أنها تفاوض بيد ،وتستمر بالمقاومة باليد الأخرى ،وما لم يحققه الإحتلال في الميدان،لن يستطيع تحقيق بالسياسة والمفاوضات،وهي تدرك بأن امريكا وكونها ليس بالوسيط النزيه ولا بالمحايد،بل هي الشريك للإحتلال في حربه العدوانية على شعبنا الفلسطيني، لن تحمل الإحتلال مسؤولية فشل المفاوضات،وهي تريد ان تصل الى وقف لإطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى على حساب حماس والمقاومة،وهم من يجب عليهم دفع الثمن وليس " إسرائيل"،ومن اجل ذلك هي واكبت هذه الجولة من المفاوضات،ولذلك هي تقول بأن عدم موافقة المقاومة وحماس على الصفقة،يدفع نحو الحرب الإقليمية،سياسة الترهيب هذه لن تنفع مع المقاومة وحماس،وهي ليست من تخشى وجبهات الإسناد ومحور المقاومة هذه الحرب الإقليمية،وهم مستعدين لها وأعدوا جيداً لذلك الخيار،و"إسرائيل" هي ليست من يمتلك المبادرة او بالقادرة على شن مثل هذه الحرب ،وهي تدرك بأن ميزان الردع ليس لصالحها،ولذلك تتواجد القوات الأمريكية (40) الف جندي في المنطقة مع حشد من المدمرات والبوارج والسفن وحاملات الطائرات ومنصات إطلاق الصواريخ من أجل حمايتها والدفاع عنها .
الحرب الإقليمية اذا ما اندلعت لن يعول ان ينضم الى جبهات الإسناد قوى جديدة،بل ايران هي من سينضم الى تلك الحرب،ودول النظام الرسمي العربي،جزء منها سيستمر بلعب دور صليب أحمر ،وجزء متواطىء ومشارك في الحرب العدوانية على القطاع والشعب الفلسطيني.
أمريكا لا تريد ل" إسرائيل" أن تخرج مهزومة من هذه الحرب ،فهزيمة "إسرائيل" هزيمة للمشروع الأمريكي في المنطقة،وبالتالي هذا يعني بأنها ستخسر وجودها وقواعدها العسكرية في العراق وسوريا..
المحور وقوى المقاومة التي أخرت وأجلت ردها على عمليات الإغتيال " الإسرائيلية" في الضاحية الجنوبية وطهران، كانت تأمل بأن تؤدي جولة التفاوض الأخيرة الى إنهاء العدوان على قطاع غزة،ولكن في ظل التعنت " الإسرائيلي" والشراكة الأمريكية لها في هذا العدوان،فواضح بأن الرد بات يقترب ،وبما يوسع من دائرة الحرب في المنطقة ..والتي سيتوقف على نتائجها وتداعياتها خلق معادلات وتحالفات وتوازنات إقليمية ودولية جديدة في المنطقة والعالم.
فلسطين – القدس المحتلة
19/8/2024