نظام عالمي جديد: تعدد أقطاب أم ثورة اجتماعية عالمية؟ / حلقة 1
مقالات
نظام عالمي جديد: تعدد أقطاب أم ثورة اجتماعية عالمية؟ / حلقة 1
جورج حدادين
21 آب 2024 , 06:13 ص


كتب جورج حدادين:

طوفان الأقصى أحدث زلزالاً عنيفاً في النظام العالمي القائم، وكشّف تصدعات، بعضها كامن غير مرئي وبعضها ظاهر ومرئي.

منطلق الحوار يرتكز الى تشخيص متغيرات، معطيات وحقائق، أحدثت تداعيات في الدوائر الثلاث المتداخلة:

العالمية، الإقليمية والمحلية، انتجت وقائع جديدة نسعى لإظهارها وتحديد بعض سماتها،

معطى أول: موازين القوى الفاعلة والمؤثرة في سيرورة ومسار التحول الجاري بالفعل وفي الواقع، والتأشير إلى ملامحه ومآلاته،

معطى ثاني: المنظومة التي سيستقر عليها النظام العالمي الجديد، راهناً ومستقبلاً

مقاربتان ونموذجان مختلفتان لسيرورة تشكل العالم الجديد:

مقاربة: صراع اقطاب

مقاربة: الثورة الإجتماعية العالمية

1. مقاربة صراع القطبية، صراع من اجل إنهاء هيمنة القطب الواحد، لصالح عالم متعدد الأقطاب،

فبعد إنهيار المنظومة الإشتراكية ( أحد النماذج المحتملة لبناء الاشتراكية ) وبروز نظرية سيادة القطب الواحد، المنظومة الرأسمالية المضاربة، سعت الطغمة المالية، التي توهمت بانتصارها النهائي، نهاية العالم وصراع الحضارات، والسيطرة المطلقة على القرار العالمي، في سياق ما يعرف

" توافقات واشنطن " حيث اجتمع ممثلي الرأسمال المالي (الشركات العملاقة ) في واشنطن بداية العقد التاسع من القرن الماضي، وتوافقت على قواعد جديدة للهيمنة على العالم تقوم على:

خصخصة القطاع العام أينما وجد ، منع النقابات العمالية والمهنية والمنظمات الشعبية من القيام بدورها في الدفاع عن مصالح منتسبيها،

حرية حركة رؤوس الأموال، منع نشؤ رأسمال وطني في دول المحيط.

فتح الأسواق ودمجها في سوق عالمي موحد، يخضع لقوانين موحدة ، تخدم مصالح رأس المال المالي،

رفع الحماية الجمركية، ومنع تدخل الدولة في آلية السوق، إبقاء دول المحيط التابع، دول ومجتمعات الماقبل رأسمالية.

ورفع الدعم عن السلع الأساسية، سحق المسحوقين.

دخلت هذه المنظومة المضاربة في صراع مع المنظومة الرأسمالية المنتجة ( روسيا والصين ودول البركس) منذ عقدين من الزمن، كما دخلت في صراع بيني داخل المركز الرأسمالي ذاته، ظهر بوضوح وبشكل جلي في صراع كتلتين وازنتين داخل الولايات المتحدة ذاتها:

• كتلة المحافظين الجدد، التي تمثل مصالح رأسالمال المالي ( الطغمة المالية ) وتستند إلى نهج الهيمنة على العالم، من خلال القوة العسكرية الطاغية ( المجمع الصناعي العسكري ) وقوة الدولار ( المؤسسات المالية ) ومن خلال فرض العقوبات على المنافسين والتواقين للتحرر من الهيمنة، عبر النظام المصرفي العالمي وصندوق النقد والبنك الدوليين، أدوات الطغمة المالية العالمية، وعبر اشعال الحروب، خدمة لمصالح المجمع الصناعي العسكري وشركات الدواء التي تعاظم دورها في صناعة السياسة العالمية.

• كتلة الإنكفائيين، التي تمثل مصالح الرأسمالية المنتجة ، حيث تسعى إلى إعادة انتاج منظومة السلع والخدمات، والعودة الى قانون التنافس في السوق، ولذلك تتبنى سياسة خفض قيمة الدولار أمام العملات الأخرى لصالح المنافسة في السوق العالمي، وخاصة مع الصين، وفرض خاوات ( ضريبة الحماية ) مقابل الحماية على دول المركز والمحيط.

2. الثورة الاجتماعية العالمية وحركات التحرر الوطني، إثر طوفان الأقصى حدث نهوض غير مسبوق على صعيد المجتمع العالمي،

كان بروز بوادر ثورة اجتماعية عالمية، إثر ما يسمى " أزمة الرهن العقاري " التي انفجرت بقوة الصاعقة عام 2008 ولم يزل مفاعليها قائماً الى اليوم،

لم تستطع الطغمة المالية الخروج من هذه الأزمة لحد اليوم، ولم تتمكن من إيجاد حلول حقيقية لهذه الأزمة الممتدة، كون كافة الحلول التي طرحت وطبقت كانت ذاتها عناصر مولّدة للأزمة، حلول تستند الى اعتبار الأزمة، أزمة مالية، وليست أزمة بنيوية، أزمة بنية النظام الرأسمالي المضارب، حيث كتلة المال المضارب في السوق تشكل عشر أضعاف كتلة الرأسالمال المنتج، ونتيجة لهذا الإختلال الصارخ في هذه المعادلة، حصل إنهيار في بنية الرأسمالية المضاربة، وبالرغم من ذلك تم ضخ كميات هائلة من الدولارات في المؤسسات المالية، التي هي ذاتها من سبب الأزمة، كان حل ( وهمي ) على حساب الطبقات والشرائح الكادحة والمنتجة، فتافقمت وتائر المديونية ونمت البطالة وازداد معدلات الفقر، واجتاحت مروحة الفقر، ما يسمى الطبقة الوسطى ( البجوازية الصغيرة ) أذ ترتب على هذه الأزمة انحدار البرجوازية الصغيرة الى دون مستوى الفقر، أطباء ومهندسين وصيادله وجيولوجيين ، اصبحوا بلا مأوى يعيشون في الشوارع والخيام.

ولّدت هذه الأزمة وطريقة معالجتها بذور الوعي لدى الشرائح الكادحة والمنتجة، وعي بأن الرأسمالية المضاربة قد دخلت في طور فنائها، وأنهم لم يعودوا يحتملوا استمرار نهج "حل أزمات الرأسمال على حساب الكادحين والمنتجين " وعلى حساب لقمة عيشهم وصحة أبنائهم ومستوى تعليمهم، ومستوى الخدمات الصحية والتعليمية المتدنية المقدمه لهم.

بدأت عناصر الرفض والمقاومة تنمو بين صفوفهم، وجاء طوفان الأقصى ليشكل الصاعق لإنفجار حراكات شعبية: طلابية وعمالية وفئات من النخب والفنانين والمفكرين والأدباء ورجال الدين،

حيث ربطت هذه الحراكات ، بعد طوفان الأقصى ، بين رفض المجازر بحق الشعب الفلسطيني وتمويل هذه المجازر من الضرائب التي يدفعونها، ورفض تمويل الحروب في العالم على حساب قوت يومهم،

أدى هذا الوعي الى رفع شعار " رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني بداية لرفع الظلم عن كافة الطبقات والشرائح الكادحة في العالم " أي وعي ترابط النضال العالمي ضد الطغمة المالية وضد المنظومة الرأسمالية العالمية.

" كلكم للوطن والوطن لكم "

يتبع

المصدر: موقع إضاءات الإخباري