غرقت السفينة الفاخرة "بيسيان" قبالة سواحل صقلية في 19 آب، مما أدى إلى وفاة ما لا يقل عن ستة أشخاص على متنها، وقد كانت السفينة راسية في مياه البحر الأبيض المتوسط عندما تشكل إعصار مائي مفاجئ وعنيف، مما تسبب في غرق السفينة بسرعة، وعبّر الخبراء عن دهشتهم إزاء كيفية حدوث هذه العاصفة السريعة في مياه البحر الأبيض المتوسط، التي تعتبر عادة هادئة.
عواصف مفاجئة في البحر الأبيض المتوسط
قد يكون الجواب مرتبطا بالتغير المناخي، حيث بدأ العديد من العلماء بالإشارة إلى ارتفاع درجة حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط كسبب محتمل للأنماط الجوية غير المعتادة، ويقول العلماء أن هذا الاحترار في المياه يُعتبر مساهماً رئيسياً في مثل هذه الأحداث الجوية، ويشعر البعض بالقلق من أن العواصف مثل التي أغرقت "بيسيان" قد تصبح شائعة في المستقبل.
ما الذي قاله المعلقون عن احترار مياه البحر الأبيض المتوسط؟
وصف لورا بيديسون من شبكة CNN البحر الأبيض المتوسط "مشهور بمياهه الصافية والهادئة"، لكن هذه المياه "يمكن أن تكون خطيرة"، وهي "تصبح أكثر خطورة مع ازدياد الاحترار الناجم عن تغير المناخ الذي يؤدي إلى تزايد وتيرة العواصف العنيفة"، ومن الواضح أن "تغير المناخ يؤدي إلى عواصف أكثر شدة، التي يغذيها الماء الدافئ من المحيط"، وبينما "تتأثر حرارة المحيط بالتقلبات المناخية الطبيعية"، ويعتقد العلماء أن الاحترار العالمي الناجم عن الأنشطة البشرية، مثل حرق الوقود الأحفوري، "يزيد من حدة هذه الظواهر".
احترار مياه البحر الأبيض المتوسط
يستمر البحر الأبيض المتوسط في الاحترار، فقد بلغت "درجات حرارة المياه حول صقلية حوالي 30 درجة مئوية"، وفقاً لما قاله لوكا ميركالي، رئيس الجمعية الإيطالية للأرصاد الجوية، بأنه هذه تعتبر من أعلى درجات حرارات المياه السطحية على مستوى العالم، والتي يعتقد العلماء أنها قد تسهم في أحداث مثل العواصف والإعصارات المائية، ووفقاً لما ذكره أليك لون من مجلة Wired، فإن "اللجنة الدولية للتغيرات المناخية لم تجد علاقة مؤكدة بعد - حيث لم يتم إجراء الكثير من الأبحاث حول كيفية تأثير التغير المناخي على الأعاصير المائية - لكن الخبراء يقولون أن الظروف المساعدة على تشكيل الأعاصير المائية تحدث بشكل متزايد".
الأعاصير في البحر الأبيض المتوسط
وصلت "درجات حرارة المياه الآن إلى مستويات غير مسبوقة"، وكشفت "دراسة أجريت عام 2022 عن حدوث 234 إعصاراً مائياً في البحر الأبيض المتوسط الإسباني على مدى العقود الثلاثة الماضية وأنها كانت أكثر احتمالاً للحدوث عندما كانت درجة حرارة سطح البحر أعلى من 23 درجة مئوية" وفقاً لما ذكره لون، وفي حالة "بيسيان"، كانت العاصفة التي تسببت في غرق اليخت "عنيفة للغاية، وكثيفة، وشديدة، مع كمية كبيرة من المياه وأعتقد أنها نظام دوار يشبه الإعصار"، كما قال كارستن بورنر، قبطان قارب كان راسيا بجوار "بيسيان" لوكالة رويترز، وكانت المياه "ساخنة للغاية بالنسبة للبحر الأبيض المتوسط، وهذا يسبب بالتأكيد عواصف شديدة، مثل التي شهدناها قبل أسبوع في جزر البليار، وكما حدث قبل عامين في كورسيكا وما إلى ذلك"، أضاف بورنر.
تشكل الأعاصير وتغير المناخ
نظراً لعدم وجود الكثير من الأبحاث القاطعة حول الأعاصير المائية وتغير المناخ، لا يزال من غير الواضح مدى تأثير المياه الدافئة، وما إذا كان ذلك سيؤدي إلى زيادة كبيرة في العواصف، ويبقى الخبراء "حذرين من تأكيد وجود علاقة مؤكدة مع تغير المناخ"، وفقا لما ذكرته مجلة ناشيونال جيوغرافيك، وذلك لأن الأعاصير المائية "هي ظواهر قصيرة الأجل ومحدودة النطاق، ولذلك من الصعب إرجاعها إلى تأثيرات تغير المناخ"، وفقاً لمتحدث باسم مكتب الأرصاد الجوية الأسترالي (BOM) لمجلة ناشيونال جيوغرافيك.
وفي حين أن تغير المناخ "يجعل درجات حرارة سطح البحر أكثر دفئاً، من غير الواضح كيف سيؤثر ذلك على الظروف الأخرى اللازمة لتكوين الأعاصير المائية"، وفقاً لمجلة ناشيونال جيوغرافيك، حيث تحتاج الأعاصير المائية "إلى فرق في درجات الحرارة بين الهواء والبحر، وإذا كانت درجة حرارة الهواء ترتفع بنفس معدل ارتفاع درجات حرارة المسطحات المائية، فمن غير المرجح أن تزداد الأعاصير المائية"، كما قال ديفيد سيلز، المدير التنفيذي لمشروع الأعاصير الشمالية، للمجلة.
تحذير من سوء الأحوال الجوية المستقبلية في البحر الأبيض المتوسط
ومع ذلك، يواصل بعض العلماء تحذيرهم من سوء الأحوال الجوية المستقبلية في البحر الأبيض المتوسط. وقال بيتر إينيس، عالم الأرصاد الجوية بجامعة ريدينغ لشبكة CNN، إن ربط الأعاصير المائية بشكل حاسم مع تغير المناخ هو "خطوة بعيدة جدا في الوقت الحالي"، لكن "الاحترار العالمي - وخاصة احترار البحر الأبيض المتوسط - من المرجح أن يؤدي إلى زيادة حدة عدد من الأنظمة الجوية الخطيرة المحتملة في تلك المنطقة".