نجح تلسكوب "إيفنت هورايزون" (Event Horizon Telescope) في تحقيق أعلى دقة رصد من سطح الأرض، وذلك من خلال صور تجريبية لمجرات بعيدة. هذا الإنجاز يفتح المجال لصور أكثر تفصيلاً للثقوب السوداء العملاقة، مع تحسينات مستقبلية قد تكون أدق بنسبة 50% مقارنة بالصور المتاحة حالياً، مثل تلك الخاصة بالثقب الأسود M87* الذي يبعد 55 مليون سنة ضوئية، و"القوس A*" (Sgr A) في مركز مجرتنا.
تم إجراء هذه الملاحظات باستخدام عدد محدود من التلسكوبات التي تُشكل مجموعة "إيفنت هورايزون" (EHT)، ورغم ذلك، لم تُنتج هذه الملاحظات صوراً جديدة حتى الآن، تتطلب الصور الكاملة استخدام القوة الكاملة للمجموعة بأكملها.
لكن هذا الإنجاز يُعد خطوة هامة في رصد الكون بأعلى دقة تم تحقيقها من سطح الأرض، حيث تمكن العلماء من الكشف عن الضوء تحت الأحمر البعيد بتردد عالٍ يصل إلى 345 جيجاهرتز، وطول موجي يبلغ 0.87 مليمتر فقط.
تحديات تحسين دقة الصور الفلكية
يقول عالم الفيزياء الفلكية ألكسندر ريموند من مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا: "باستخدام تلسكوب EHT، حصلنا على الصور الأولى للثقوب السوداء باستخدام رصدات بطول موجي 1.3 مليمتر، لكن الحلقة المضيئة التي رأيناها، التي تشكلت بسبب انحناء الضوء بفعل جاذبية الثقب الأسود، كانت ضبابية لأنها كانت في الحدود القصوى لحدة الصور التي يمكننا تحقيقها".
ومع الرصد عند طول موجي 0.87 مليمتر، ستكون الصور أكثر وضوحاً وتفصيلاً، مما قد يكشف عن خصائص جديدة للثقوب السوداء، سواء تلك التي تم التنبؤ بها مسبقا أو خصائص غير متوقعة.
التداخل الأساسي الطويل جداً وتقنيات الرصد المتقدمة
تم تطوير الصور السابقة للثقبين الأسودين M87* وSgr A* باستخدام تقنية تُسمى "التداخل الأساسي الطويل جدًا" (VLBI)، التي تعتمد على التعاون بين العديد من التلسكوبات الراديوية المنتشرة حول العالم، والتي تعمل معا بتنسيق دقيق للحصول على صور دقيقة.
الهدف من دمج العديد من التلسكوبات هو زيادة مساحة التجميع بحجم الأرض. وكلما زاد عدد الهوائيات المستخدمة، زادت دقة البيانات الناتجة. ومع ذلك، يتطلب هذا النظام الكبير معالجة كمية ضخمة من البيانات، وفرزها وتحليلها لإنتاج صورة واضحة لأفق الحدث للثقب الأسود، وهو ما يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين.
تحسينات مستقبلية في رصد الثقوب السوداء
حتى الآن، تبقى الصور ضبابية نسبيا، وهناك طريقتان فقط لتحسين الدقة: الأولى هي زيادة حجم التلسكوب، وهو أمر غير ممكن حاليًا نظرًا لأن "إيفنت هورايزون" يماثل حجم الأرض. الطريقة الثانية هي الرصد عند تردد أعلى، وهو ما يعتبر أكثر إمكانية، ولكنه يواجه تحديات متعددة. على سبيل المثال، يمتص بخار الماء الموجات عند 0.87 مليمتر بشكل أكبر من الموجات عند 1.3 مليمتر، مما يزيد من غموض الغلاف الجوي في ذلك الطول الموجي. في السابق، تطلبت الرصدات عند 0.87 مليمتر استخدام تلسكوبات فضائية، التي لا تمتلك نفس مساحة التجميع الكبيرة لتلسكوب "إيفنت هورايزون".
آفاق جديدة لرصد الثقوب السوداء
تعد الملاحظات الجديدة بوصول دقة تعادل رؤية غطاء زجاجة على سطح القمر من الأرض، مما يعني أننا قد نتمكن من رؤية ثقوب سوداء عملاقة أصغر وأبعد وأخف ضوءًا. كما يُتوقع أن نرى قريباً مشاهد متعددة الألوان للمادة الساخنة التي تدور حول هذه الأجسام الكونية العملاقة، من خلال التصوير عند الأطوال الموجية 1.3 مليمتر و0.87 مليمتر في الوقت نفسه.
يقول عالم الفيزياء الفلكية شيبرد دوليمان من مركز الفيزياء الفلكية في جامعة هارفارد ومركز سميثسونيان للفيزياء الفلكية: "لفهم أهمية هذا الإنجاز، فكر في التفاصيل الإضافية التي تحصل عليها عند الانتقال من الصور بالأبيض والأسود إلى الصور الملونة".
"هذه 'الرؤية الملونة' الجديدة تمكننا من التمييز بين تأثيرات جاذبية أينشتاين والغازات الساخنة والمجالات المغناطيسية التي تغذي الثقوب السوداء وتطلق نفاثات قوية تمتد لمسافات مجرية."
نحن نقترب من معرفة الكثير عن الثقوب السوداء أكثر مما كنا نعرفه من قبل. ترقبوا، العلم العظيم يلوح في الأفق.