عُوار في استراتيجية محور المقاومة
مقالات
عُوار في استراتيجية محور المقاومة
د. وليد عبد الحي
30 آب 2024 , 13:41 م

د. وليد عبد الحي

منذ أن أطل فجر طوفان الاقصى وما تلاه من جولات الصراع المريرة بين محور المقاومة وبين اسرائيل ، شكل المدنيون الفلسطينيون هدفا مركزيا متواصلا للقوات الاسرائيلية، بهدف الضغط على المقاومة من جانب نقطة الضعف هذه، لا سيما ان المساحة الصغيرة لقطاع غزة وارتفاع نسبة الكثافة السكانية بشكل يفوق اية كثافة في اي بلد في العالم جعل المعدل اليومي للضحايا وبقياس مراكز دراسات متخصصة في دراسة النزاعات الحربية هو الاعلى عالميا، ناهيك عن تدمير شبه تام وباقرار هيئات دولية على راسها الامم المتحدة للبنية التحتية وكافة مقومات الحياة من مصادر مياه او كهرباء او تنقل او مخازن غذاء او دواء او حتى حماية...الخ.

ويدرك صانع القرار الاسرائيلي وتحديدا نيتنياهو ان هذه المنطقة الرخوة في جبهة المقاومة يجب استغلالها الى ابعد الحدود ، وهو ما يفسر مقتل وجرح ما يزيد عن 150 الف نسمة حتى الآن ، ناهيك عن التشريد المتواصل لهذه الجموع البشرية،الى حد ان البعض جرى تهجيره اكثر من عشر مرات.

لا أحد ينكر ان محور المقاومة بدأ تقريبا وبشكل مباشر في مساندة المقاومة في قطاع غزة منذ بداية الحرب، لكن المحور اتخذ موقفا تسلل منه نيتنياهو وراح يوسعه تدريجيا الى ان اصبح أمرا مسلما به ، ويتمثل هذا الموقف في ان محور المقاومة أخرج المدنيين الفلسطينيين من معادلة العين بالعين والسن بالسن، فالتزمت اطراف المحور بالامتناع عن مهاجمة اهداف مدنية اسرائيلية على اساس قاعدة محددة وهي ان المحور سيضرب اهدافا مدنية اسرائيلية إذا –وإذا واضحة- قامت اسرائيل بمهاجمة المدنيين في نطاق جغرافيا كل طرف من اطراف المحور دون ان يشمل ذلك المدنيين الفلسطينيين ، وهو ما يعني ان ادارة الصراع في هذا الجانب تقوم على اساس:

1- سيرد المحور على اي هجوم على اهداف عسكرية او يهاجم اهدافا عسكرية اسرائيلية بدافع مساندة غزة

2- ان المحور لا يُدخل المدنيين الفلسطينيين في نطاق استراتيجية الرد المدني بالمدني ، وهو ما اعطى اسرائيل فرصة ضرب المدنيين الفلسطينيين دون رحمة وبمستويات عنف اثارت حتى بعض التحفظ من اقرب حلفاء اسرائيل.

ذلك يعني، ان على محور المقاومة أن يعيد النظر في استراتيجية ثنائية المدني الفلسطيني والمدني العربي او الايراني، واعتبار مفهوم وحدة الساحات مفهوما شموليا ينطبق على المدني في دول محور المقاومة(اللبناني واليمني والعراقي ) والمدني الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية.

ان هذا العُوار في استراتيجية محور المقاومة كان ناتجا عن قصور في فهم العقلية الصهيونية، فمنذ بداية الصراع عام 1917 كان المدنيون الفلسطينيون هدفا استراتيجيا لتحقيق المشروع الصهيوني، وها هو ينفرد الآن بهؤلاء المدنيين وبطريقة لم تبق حتى منظمة دولية واحدة تتفهم السلوك الاسرائيلي ، فلماذا يغض المحور الطرف عنه؟

على محور المقاومة ان يتخذ موقفا واحدا يقوم على ان وحدة الساحات تشمل الساحتين العسكرية والمدنية ، لأن اخراج المدنيين الفلسطينيين من معادلة وحدة الساحات يعني تسهيل الإيغال الصهيوني في الدم الفلسطيني ، ويعني ان لا عقاب على تدمير القوى والمدن الفلسطينية سواء في رفح او جباليا او في القدس او حتى في المسجد الاقصى.

ان ضرب اسرائيل للحديدة وطهران وبغداد ودمشق وبيروت يكرس استراتيجية صهيونية تلتف على استراتيجية المقاومة من ناحيتين ، العمل على حصر رد فعل المقاومة في البعد العسكري من ناحية، وان الرد على ضربات اسرائيل للمدنيين الفلسطينيين ليست ضمن استراتيجية المحور من ناحية ثانية ، وهو ما يشكل انتصارا كبيرا لنيتنياهو لانه حدد مساحة فعل المحور طبقا لاولوياته لا اولويات المحور.

أعلم ان الكثير ممن يسخرون وينتقدون ويشككون في دور المحور في معركة الطوفان سيعتبرون ذلك تأكيدا لما يُروجون، لكن هناك فرق بين من يحرض على " الرجولة " كما جرى مع حضهم لصدام للحرب على ايران ليغرقوه في حرب مجنونة ، ثم عندما هاجمته امريكا وقفوا الى جانبها بينما راح صدام يبحث في ايران عن ملجأ لطائراته الحربية.

ذلك يعني اننا نحث المحور على البحث في استراتيجية تشرخ الاطمئنان الاسرائيلي بالحق في التفرد بالمدني الفلسطيني ، وهو ما يشكل تخفيفا كبيرا من وطأة ما تحمله المقاومة في غزة ،بل لعله الحمل الأثقل وزنا...

من المؤكد ان تبني استراتيجية وحدة الساحات المدنية والعسكرية قد ينتج عنها إثقالُ الحِمل على المحور، وهو امر يدركه صانع القرار الاسرائيلي، وهو ما يستوجب البحث وبعقلانية عن مخرج بخاصة مع الداخل في جغرافيا المحور، ولا بد من التركيز الاعلامي على هذا الموضوع للتهيئة للدخول في هذه الاستراتيجية الجديدة، وبالتالي حرمان اسرائيل من التمتع بهذه الميزة كما هو الحال الآن، وهو امر سيريح المقاومة في غزة من عبء كبير كبير كبير، ويزيد القلق الدولي من احتمال اتساع الصراع اقليميا ، فيصبح موضوع المدنيين الفلسطينيين والتعرض لهم بندا على طاولة المفاوضات يجب حرمان نيتنياهو من استثماره.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري