شهدنا شتاءً طويلاً مليئاً بالفيروسات وضغوط الحياة، التي زادت من تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى الالتزامات المعتادة من عمل ودراسة ورعاية الأسرة.
التوتر جزء لا مفر منه في الحياة، وعلى المدى القصير، تطورت استجابتنا للتوتر كآلية للبقاء، تساعدنا على اليقظة في مواجهة مواقف الخطر.
لكن عندما يتحول التوتر إلى حالة مزمنة ، يضعف الجهاز المناعي، مما يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض مثل نزلات البرد، الإنفلونزا، وكوفيد-19.
التوتر يُصعّب مكافحة الفيروسات
عندما يبدأ الجهاز المناعي بالانهيار، يصبح الفيروس الذي كان من الممكن للجسم السيطرة عليه في الظروف الطبيعية أكثر نشاطا.
ومع بدء الشعور بالمرض، يزداد التوتر، مما يجعل من الصعب على الجهاز المناعي مقاومة المرض، وقد تصاب بالأمراض بشكل متكرر ولفترات أطول، لأن جهازك المناعي لا يكون جاهزا بالقدر الكافي لمواجهة العدوى.
في التسعينيات، أجرى أستاذ علم النفس الأمريكي شيلدون كوهين وزملاؤه سلسلة من الدراسات، تم فيها تعريض أشخاص أصحاء لعدوى الجهاز التنفسي العلوي من خلال وضع قطرات من الفيروس مباشرة في أنوفهم.
ثم تم عزل المشاركين في فندق ومراقبتهم عن كثب لتحديد من سيصاب بالمرض.
وأظهرت النتائج أن التوتر النفسي المطول كان من أبرز العوامل التي تنبأت بمن أصيب بالمرض.
الكورتيزول يثبط المناعة
"التوتر القصير المدى" هو التوتر الذي يستمر لبضع دقائق إلى ساعات، بينما "التوتر المزمن" يستمر لساعات طويلة يوميًا لأسابيع أو حتى أشهر.
عند مواجهة تهديد محتمل، سواء كان نفسياً أو جسدياً، يقوم الدماغ عبر منطقة تحت المهاد بتفعيل نظام الإنذار في الجسم، ويؤدي ذلك إلى إفراز هرمونات متعددة، منها الأدرينالين والكورتيزول.
في استجابة التوتر النموذجية، ترتفع مستويات الكورتيزول بسرعة عند حدوث التوتر، ثم تعود بسرعة إلى مستواها الطبيعي بعد انحسار التوتر، وعلى المدى القصير، يعمل الكورتيزول على تثبيط الالتهاب لضمان توفر الطاقة الكافية للاستجابة للتهديد الفوري.
لكن على المدى الطويل، يمكن أن يكون التوتر المزمن ضارا، فقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد في عام 2022 أن الأشخاص الذين تعرضوا لضغوط نفسية قبل إصابتهم بكوفيد-19 كانت لديهم فرصة أكبر للإصابة بـ "كوفيد طويل الأمد"، وتم تعريف هذا الضيق النفسي بالاكتئاب، أو القلق المحتمل، أو التوتر، أو القلق بشأن كوفيد، أو الشعور بالوحدة.
وأظهرت الدراسة أن الذين عانوا من هذا الضيق كانت لديهم فرصة أعلى بنسبة تقارب 50% للإصابة بكوفيد طويل الأمد مقارنة بغيرهم، كما أظهرت الدراسات أن مستويات الكورتيزول كانت مرتفعة في أشد حالات كوفيد-19.
التوتر يسبب الالتهاب
الالتهاب هو استجابة قصيرة الأمد للإصابة أو العدوى، وهو المسؤول عن توجيه الخلايا المناعية في الجسم لضمان وجودها في الأماكن الصحيحة بالوقت المناسب وبالمستويات المناسبة.
تعمل الخلايا المناعية أيضاً على تخزين ذاكرة لهذا التهديد لتتمكن من الاستجابة بشكل أسرع وأكثر فعالية في المرة القادمة.
في البداية، تكتشف الخلايا المناعية المنتشرة العدوى وتنتقل إلى موقع الإصابة، وتطلق الخلايا المناعية بروتينات مرسلة تُعرف بالسيتوكينات المحفزة للالتهاب، لتنبيه الجهاز المناعي واستدعاء الدعم، ويستجيب الجهاز المناعي لتحييد التهديد.
خلال هذه الاستجابة، إذا أنتج الجهاز المناعي كمية كبيرة من هذه المواد الكيميائية الالتهابية، قد يؤدي ذلك إلى ظهور أعراض مثل احتقان الأنف وسيلان الأنف.
ماذا عن التوتر المزمن؟
يسبب التوتر المزمن إفراز الكورتيزول بشكل مستمر، مما يبقيه مرتفعاً حتى في غياب مسبب فوري للتوتر.
يصبح الجهاز المناعي أقل استجابة لهذا الكورتيزول، مما يؤدي إلى زيادة الالتهاب الصامت منخفض الدرجة وإنتاج المزيد من السيتوكينات المحفزة للالتهاب.
تبدأ الخلايا المناعية في الإرهاق وتتعطل وظائفها، ويفقد الجسم القدرة على التحكم في الاستجابة الالتهابية.
ومع مرور الوقت، يغير الجهاز المناعي طريقة استجابته، حيث يعيد برمجة نفسه ليعمل في "وضع المراقبة المنخفضة"، ولذلك يتجاهل الجهاز المناعي الفرص المبكرة لتدمير التهديدات، وقد يستغرق التعافي وقتاً أطول.
كيف يمكنك التعامل مع التوتر؟
يمكننا تعزيز مناعتنا الطبيعية والدفاعات عن طريق إدارة مستويات التوتر، فبدلاً من ترك التوتر يتراكم، حاول التعامل معه بشكل مبكر ومستمر من خلال:
الحصول على قسط كافٍ من النوم
النوم الكافي يقلل من مستويات الكورتيزول والالتهاب، وأثناء النوم، يفرز الجهاز المناعي السيتوكينات التي تساعد في مكافحة العدوى والالتهاب.
ممارسة الرياضة بانتظام
التمارين الرياضية تساعد الجهاز اللمفاوي (الذي يوازن السوائل في الجسم كجزء من الجهاز المناعي) على الدوران بشكل فعال، مما يسمح للخلايا المناعية بمراقبة التهديدات، في حين يساعد التعرق في طرد السموم، كما أن النشاط البدني يقلل من مستويات هرمونات التوتر من خلال إطلاق إشارات إيجابية في الدماغ.
تناول نظام غذائي صحي
التأكد من أن نظامك الغذائي يحتوي على ما يكفي من العناصر الغذائية – مثل فيتامينات ب، والمجموعة الواسعة من المعادن مثل المغنيسيوم، والحديد، والزنك – يساعد على تخفيف مستويات التوتر بشكل عام، كما أن الحفاظ على الترطيب الجيد يساعد الجسم على طرد السموم.
التواصل الاجتماعي وممارسة التأمل أو اليقظة الذهنية
هذه الأنشطة تزيد من إفراز الإندورفين والسيروتونين، مما يحسن المزاج ويخفف من الالتهاب، لأن تمارين التنفس والتأمل تحفز الجهاز العصبي السمبتاوي، مما يساعد في تهدئة استجابات التوتر وإعادة التوازن وتقليل مستويات الكورتيزول.