أظهرت دراسة علمية أن الذراع التي يُحقن فيها اللقاح قد تلعب دوراً حاسماً في مدى فاعلية الاستجابة المناعية. ومع ذلك، لا يزال الجدل قائماً: هل من الأفضل تلقي الجرعة المعززة في نفس الذراع أم في الأخرى؟
- نتائج متباينة: هل الذراع الواحدة أفضل؟
بعد انتشار جائحة كوفيد-19 عام 2020، لاحظ باحثون في ألمانيا أن إعطاء جرعات اللقاح في نفس الذراع أدى إلى استجابات مناعية أقوى خلال أسبوعين.
لكن دراسة أمريكية عكست هذه النتيجة، حيث بيّنت أن تغيير الذراع بين الجرعتين أدى إلى زيادة أربعة أضعاف في مستويات الأجسام المضادة بعد أربعة أسابيع من الجرعة الثانية.
- الدراسة الأسترالية تدخل على الخط
في أستراليا، قاد فريق من معهد غارفان للأبحاث الطبية وجامعة نيو ساوث ويلز تجربة جديدة على 30 مشاركاً لم يُصابوا بكوفيد-19. تلقى 20 منهم جرعتين من لقاح فايزر في نفس الذراع، بينما تلقى 10 جرعتهم الثانية في الذراع المقابلة.
وأظهرت التحاليل أن الذين تلقوا الجرعتين في نفس الذراع أنتجوا أجساماً مضادة معادِلة للفيروس بشكل أسرع وأكثر فاعلية خلال الأسبوع الأول، خصوصاً ضد المتحوّرات مثل دلتا وأوميكرون.
- فعالية قصيرة الأمد
رغم هذه النتائج المشجعة، فقد لوحظ أن التفوق المناعي الناتج عن استخدام نفس الذراع لا يدوم طويلاً، فبعد أربعة أسابيع، تساوت مستويات الأجسام المضادة بين المجموعتين.
وهو ما علّقت عليه الدكتورة مونييه بقولها: "إذا تلقيت اللقاحين في ذراعين مختلفتين، لا داعي للقلق – فالفروقات في الحماية تتلاشى مع الوقت، لكن في الأسابيع الأولى أثناء الجائحة، قد يكون لهذا التأثير أهمية على مستوى الصحة العامة".
- تفسير علمي عبر نماذج الفئران
لفهم آلية هذا التأثير، استخدم الباحثون نماذج من الفئران. عندما تلقت الفئران جرعتين في نفس الجانب من الجسم، أظهرت العقد اللمفاوية المسؤولة عن تصريف ذلك الجانب استجابة مناعية معززة.
فاللقاح يُقدّم العامل الممرض أو مكوناته إلى العقدة اللمفاوية الأقرب، حيث تتفاعل الخلايا المناعية مثل البلعميات الكبيرة (Macrophages) مع خلايا الذاكرة البائية (Bmems). هذه الخلايا تحتفظ بذاكرة الهجوم وتدخل في مصانع متخصصة داخل العقدة لإنتاج الأجسام المضادة.
عند إعطاء الجرعة الثانية في نفس الذراع، تكون الخلايا المناعية قد أصبحت أكثر جاهزية وتقوم بتنشيط أعداد أكبر من خلايا الذاكرة البائية—تصل إلى عشرة أضعاف مقارنة بالذراع الأخرى.
- نتائج متطابقة لدى البشر
خضعت 18 من المشاركين البشريين لأخذ عينات من العقد اللمفاوية باستخدام إبرة دقيقة. وتبين أن من تلقوا اللقاح في نفس الذراع لديهم نسبة أكبر من خلايا الذاكرة البائية داخل مصانع إنتاج الأجسام المضادة.
- الحاجة لمزيد من الدراسات
ورغم هذه النتائج المشوقة، شدّد الباحثون على ضرورة إجراء أبحاث إضافية قبل اعتماد أي توصيات رسمية.
فقد تكون هذه النتائج أكثر أهمية في حالات الجرعات الأولية المتقاربة زمنياً، وليس بالضرورة في اللقاحات الموسمية التي تُعطى بفاصل زمني طويل يسمح بتوازن الاستجابة المناعية بين جانبي الجسم.
كما قال الدكتور تري فان، أخصائي المناعة:
"هذا اكتشاف جوهري في كيفية تنظيم الجهاز المناعي لنفسه لمواجهة التهديدات الخارجية – الطبيعة أوجدت نظاماً عبقرياً ونحن بدأنا للتو بفهمه.

