تستعد الهيئات الرقابية في وزارتي الخارجية والدفاع "البنتاجون" الأميركيتين، لنشر نتائج التحقيقات بشأن احتمالات "انتهاك" إدارة الرئيس جو بايدن، القوانين في تصدير الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل، من أجل دعم حربها على قطاع غزة.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن المتحدث باسم مكتب المفتش العام في وزارة الخارجية، مارك هوفمان، قوله إن المكتب "سينشر قريباً نتائج إجراءات التفتيش لمكتب الشؤون السياسية والعسكرية، الذي يشرف على السياسات والبرامج المتعلقة بالمساعدات الأمنية والمبيعات العسكرية إلى إسرائيل".
وفي الوقت نفسه، ذكرت المتحدثة باسم مكتب المفتش العام في "البنتاغون" مولي إف هالبرن، أن عدداً من المشروعات المتعلقة بالمساعدات الأمنية الأميركية لإسرائيل لا تزال تنتظر نتائج التحقيق.
كما تخطط هيئة الرقابة التابعة للبنتاغون أيضًا لنشر نتائج التحقيق في الرصيف العائم الذي أنشأه الرئيس جو بايدن، وهي طريقة متوقفة لإيصال المساعدات إلى غزة، والتي كلفت مئات الملايين من الدولارات قبل أن تصبح غير صالحة للعمل بسبب البحار الهائجة، وقد نشر المفتش العام للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) مؤخرًا تقريره الخاص عن الرصيف، قائلًا إن الخبراء حذروا مسبقًا من أن المياه المتلاطمة قد تشكل تحديًا، وأن المشروع نفسه قد ينتقص من الجهود الدبلوماسية لتأمين طرق برية أكثر موثوقية للمساعدات.
بدأت هذه التحقيقات بعد شكاوى من داخل الحكومة الأميركية من احتمالات وجود "انتهاك" للقوانين التي تحظر نقل المساعدات العسكرية الأميركية إلى الحكومات التي انتهكت قوانين حقوق الإنسان، أو تمنع وصول المساعدات الإنسانية.
ويشكك المنتقدون لهيئات الرقابة الحكومية في قدرة نتائج التحقيقات المرتقبة على محاسبة إدارة بايدن في القضايا الحساسة المتعلقة بالسياسة الأميركية تجاه إسرائيل، بحسب "واشنطن بوست".
كما قال مكتب المفتش العام للبنتاجون إن لديه "عدة مشاريع جارية ومخطط لها تتعلق بإسرائيل وغزة". قد يتم حجب أجزاء من التحقيقات اعتمادًا على مستويات التصنيف، ومن المتوقع أن تصدر بعض هذه التقارير في وقت متأخر عن تقارير وزارة الخارجية.
ويشكك المنتقدون الداخليون لهيئات الرقابة الحكومية في أن التقارير القادمة ستحاسب إدارة بايدن على أكثر القضايا حساسية المتعلقة بالسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل. وقد أعرب أحد المسؤولين الذين شاركوا في كتابة رسالة "فيدراليون متحدون من أجل السلام" عن خيبة أمله من عدم التزام أي من المفتشين العامين بفحص ”ما إذا كانت القيادة قد تحايلت على القوانين وتجاهلت عمداً الأدلة، أو الأسوأ من ذلك، تلاعبت بالأدلة، من أجل تسهيل ما يرقى إلى عمليات نقل أسلحة غير قانونية". تحدثت هذه المسؤولة بشرط عدم الكشف عن هويتها لأنها لم تكن مخولة بالتحدث إلى وسائل الإعلام.
وقال هاريسون مان، وهو ضابط سابق في الجيش الأمريكي استقال في مايو/أيار اعتراضاً على السياسة الأمريكية في غزة ويعمل مع منظمة "فيدز متحدون من أجل السلام"، إن الرقابة الموثوقة أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى.
وقال: "يبدو أن المسؤولين في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ومجتمع الاستخبارات قد غضوا الطرف عمداً عن نمط واضح من انتهاكات القانون الإنساني الدولي وقوانين النزاع المسلح، وتجنبوا التحقيق في عدد لا يحصى من الادعاءات الموثوقة".
ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر أي فكرة مفادها أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قد ضلل الرأي العام بشأن تصرفات إسرائيل.
وسبق أن اعترفت إدارة بايدن باحتمالات أن إسرائيل التي استخدمت الأسلحة الأميركية في حربها على غزة، انتهكت القانون الدولي، لكنها بررت عملية نقل الأسلحة بالتأكيد على حق تل أبيب في الدفاع نفسها.
انتقادات مستمرة
وتخطط هيئة الرقابة في "البنتاجون" لنشر نتائج تحقيق بشأن الرصيف العائم الذي أنشأه الجيش الأميركي قبالة ساحل قطاع غزة من أجل تسهيل عملية إيصال المساعدات، وكلّف ملايين الدولار قبل اتخاذ قرار بإزالته بسبب عوامل جوية.
ووفقاً لـ"واشنطن بوست"، سيعلن المكتبان استلام رسالة موقّعة من عشرات الموظفين الفيدراليين ينتقدون فيها أكثر من 30 وكالة أميركية، كما يتهمون الهيئات الرقابة بالفشل في اتخاذ الإجراءات المناسبة بشأن سياسة تصدير الأسلحة الأميركية.
وقال الموقعون على الرسالة، إن "وزارة الخارجية الأميركية أرسلت أسلحة إلى أوكرانيا وإسرائيل في حربها على غزة، ومع ذلك، لم نر أي إجراء حتى الآن من جانب المفتشين العامين"، معتبرين أن ذلك "يتناقض بشكل واضح مع الجهود القوية لمراجعة وتقييم الدعم الأميركي لأوكرانيا".
وأعرب أحد المسؤولين الذين شاركوا في كتابة الرسالة، عن خيبة أمله من عدم التزام المفتشين العامين بالتحقيق في "ما إذا كانت الإدارة تحايلت على القوانين، وتجاهلت أو تلاعبت بالأدلة، من أجل تسهيل عمليات النقل غير القانونية للأسلحة".
وفي المقابل، دافع المتحدثون باسم المفتشين العامين في "البنتاجون" ووزارة الخارجية عن جهود الرقابة التي تبذلها مكاتبهم، بحسب الصحيفة الأميركية.
قانون ليهي
وقالت هيئة الرقابة في وزارة الخارجية، إنها "تراجع ممارسات التدقيق المتعلقة بقانون ليهي (تشريع يحظر على وزارة الخارجية ووزارة الدفاع تقديم المساعدة العسكرية لقوات الأمن الأجنبية التي تنتهك حقوق الإنسان)"، لافتة إلى أن "هناك خططاً لمراجعة سياسات العقوبات التي تنتهجها الوزارة ضد إسرائيل والضفة الغربية وغزة، وردة فعلها الاستراتيجية للتهديدات التي تشكلها الجماعات المدعومة من إيران".
وينص قانون ليهي على قطع المساعدات عن أي جهة عسكرية إذا وجدت وزارة الخارجية أدلة موثوقة على ارتكاب انتهاكات جسيمة، ويشمل ذلك أيضاً تدريب وزارة الدفاع للجيوش الأجنبية.
قد سلمت الولايات المتحدة أكثر من 50 ألف طن من الصواريخ والقنابل والمدفعية وغيرها من المعدات العسكرية إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر، حسبما قالت وزارة الدفاع الإسرائيلية الشهر الماضي. وفي أواخر يونيو الماضي، قال مسؤولون أمريكيون للصحيفة إن واشنطن نقلت ما لا يقل عن 14 ألف قنبلة من قنابل MK-84 شديدة التدمير من وزن 2000 رطل و6500 قنبلة من وزن 500 رطل. وقبل ذلك بشهر، قرر بايدن إيقاف شحنة واحدة من القنابل التي يبلغ وزنها 2000 و500 رطل - أي أقل من 1% من الأسلحة المرسلة إلى إسرائيل منذ بدء الحرب. وقد استأنفت الإدارة الأمريكية منذ ذلك الحين شحن القنابل التي تزن 500 رطل.
ولم يقدم البيت الأبيض أو السفارة الإسرائيلية في واشنطن أي تعليق.
ساندرز يعلن التحرك لعرقلة مبيعات أسلحة لإسرائيل
وعد السيناتور الأميركي بيرني ساندرز بطرح عدة قرارات بمجلس الشيوخ، من شأنها إيقاف مبيعات أسلحة أميركية لإسرائيل تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار، وهو جهد يبدو بعيد المنال، لكنه يُمثل أقوى محاولة في الكونجرس حتى الآن للرد على الدمار في غزة مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لحرب إسرائيل على غزة.
وقال ساندرز في رسالة إلى زملائه بمجلس الشيوخ يوم الأربعاء، إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون "متواطئة في هذه الكارثة الإنسانية".
وفي تدوينة عبر حسابه بمنصة "إكس"، كتب السيناتور الأميركي: "الكثير من هذه المجازر حدثت في غزة باستخدام المعدات العسكرية المقدمة من الولايات المتحدة. لماذا توافق الولايات المتحدة على بيع أسلحة أخرى بقيمة 20 مليار دولار لإسرائيل؟ سأتحرك لمنع هذه الأسلحة. لن ندفع سنتاً آخر مقابل حرب نتنياهو غير القانونية".
وستجبر هذه الخطوة المجلس على عقد تصويت لوقف مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، رغم أن فرصة تمريرها بأغلبية غير محتملة إلى حد كبير، وفقاً لوكالة "أسوشيتد برس".
ومع اقتراب الحرب من دخول عامها الثاني، وعدم وضوح نتائج جهود الرئيس الأميركي جو بايدن للتوسط في صفقة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين، يسعى بيرني ساندرز إلى كبح الهجوم الذي يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على غزة.
وفي حين أنه من غير المرجح أن يوافق مجلس الشيوخ المنقسم سياسياً على هذه التدابير، فإن الهدف منها هو إرسال رسالة إلى نتنياهو بأن مجهوداته الحربية تقوض الدعم الثنائي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري طويل الأمد الذي كانت تتمتع به إسرائيل في الولايات المتحدة. وقال ساندرز إنه يعمل مع زملائه على هذه التدابير.
وتشمل طلبات ساندرز وقف مبيعات أنظمة الصواريخ وذخائر الدبابات وأسلحة أخرى، تمت الإشارة إليها باعتبارها السبب في بعض من أشد الدمار في غزة، بالإضافة إلى طائرات مقاتلة جديدة. وكان الكونجرس عطل مؤقتاً بعض مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل في وقت سابق هذا العام، حيث حاول المشرعون تحذير السلطات من ارتفاع حصيلة الضحايا.
وزار نتنياهو واشنطن في يوليو الماضي، بعد تلقيه دعوة لإلقاء كلمة أمام الكونجرس الأميركي، حيث قدم خطاباً متشدداً أظهر الانقسام المتزايد في الولايات المتحدة حول مجهوداته الحربية.
وجاءت دعوة نتنياهو من رئيس مجلس النواب مايك جونسون، وهو جمهوري، لكن العديد من الديمقراطيين قاطعوا الخطاب، وانتقد العديد من القادة الديمقراطيين محتوى خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الكونجرس.
وبموجب قواعد مجلس الشيوخ، بمجرد أن يُقدم ساندرز القرارات الأسبوع المقبل، يمكنه فرض تصويت تقريباً على الفور. ويتم اقتراح التدابير كقرار مشترك لرفض مبيعات الأسلحة، وهو آلية تتيح للكونجرس الإشراف على الشؤون الخارجية.
وقال ساندرز، إنه سيحظى ببعض الدعم لمقترحه، لكن من غير المتوقع أن يحصل على دعم من الأغلبية، أي 51 صوتاً، في مجلس الشيوخ لتمريره.
وفي مجلس النواب، سيكون هناك احتمالات أصعب لعرقلة مبيعات الأسلحة لإسرائيل، حيث أن الجمهوريين يحتفظون بالأغلبية، وقد وقفوا بشكل كبير مع نهج نتنياهو في حربه على غزة.