تاريخ الاختراقات في غزة: هكذا فهمت المقاومة عدوها
مقالات
تاريخ الاختراقات في غزة: هكذا فهمت المقاومة عدوها
يوسف فارس
19 أيلول 2024 , 16:01 م

تعيد حالة الفوضى التي يعيشها المجتمع اللبناني في أعقاب عملية تفجير أجهزة «البايجر» واللاسلكي خلال اليومين الماضيين، التذكير بتاريخ طويل من عمليات اختراق مماثلة، وإن على نطاق أضيق، حصلت في قطاع غزة، ووصل بعضها إلى حدّ تنفيذ عمليات اغتيال بزرع عبوات صغيرة في أجهزة الاتصال الشخصية التي يستخدمها قادة في المقاومة بحجم القائد الكبير في «كتائب القسام»، عماد عقل، في مطلع التسعينيات. كذلك، حفلت سنوات المواجهة الأخيرة بالكثير من عمليات الاختراق الناجحة والفاشلة، والتي أفضت إلى حالة من الجدل وانعدام اليقين في الشارع، في أوقاتها. والعامل المشترك بين جميع تلك العمليات، أن المقاومة استطاعت تجاوزها وخرجت منها أكثر خبرة ويقظة.ولا تمثّل العملية التي استشهد فيها القائد «القسامي»، نور بركة، في تشرين الثاني 2018 والتي أطلقت عليها «كتائب القسام» اسم «حد السيف»، إلا واحداً من حوادث الاختراق الأمنية التي نفّذها جيش الاحتلال مستغلاً كل الوسائل المدنية والمؤسسات الإنسانية لتحقيق أهدافه. في تلك العملية، تمكّنت قوة تابعة لجهاز الأمن العام «الشاباك»، من التسلّل إلى قطاع غزة، وتقمّصت طوال ستة أشهر هيئة العائلات الغزية وطرق عيشها، قبل أن يكتشفها الشهيد بركة بمحض صدفة، أثناء تنقّلها بسيارة مدنية مثيرة للشكوك في منطقة حدودية. آنذاك، دار اشتباك بالأسلحة النارية أفضى إلى مقتل أحد عناصرها واستشهاد بركة وعدد من المقاومين الذين اندفعوا للإسناد. وكشفت تحقيقات المقاومة حينها أن جيش الاحتلال استغلّ إحدى المؤسسات الأهلية المختصة بتقديم العون للمعوّقين، ولديها تنسيق وشراكة مع جهات دولية، وهرّب عبر سياراتها التي تَعبر من منفذ بيت حانون (إيرز) الذي يربط القطاع بالأراضي المحتلة، ما يحتاج إليه من أسلحة ومعدات. كما كشفت التحقيقات أن مهمة القوة التي عملت لمدة طويلة في غزة، كانت الوصول إلى شبكات الاتصال السلكية للمقاومة، وزرع أجهزة تنصّت ومراقبة في مناطق حسّاسة. وأجرت المقاومة عقب اكتشاف القوة، سلسلة طويلة من التدابير الوقائية التي تحول دون تحقيق أهداف العدو.

العدو استغلّ في غزة كل الوسائل المدنية والمؤسسات الإنسانية لتحقيق أهدافه

وفي العام نفسه، كان العدو قد استهدف في عمليات أخرى مقاسم الاتصالات السلكية التابعة للمقاومة. ولعلّ واحداً من أبرز تلك الأحداث المعقّدة، وقع في منطقة الزوايدة، حيث اكتشف المقاومون أن قوات إسرائيلية خاصة نجحت فعلاً في الوصول إلى مقاسم الاتصالات ونصبت شبكة تنصّت خطيرة وممتدة. وخلال فحص أمني لتتبّع المقاسم المخترقة وتحديد نقاط الاختراق، فجّر الاحتلال إحداها، ما تسبّب باستشهاد ستة من مقاومي «كتائب القسام»، أربعة منهم قادة ميدانيون مهمون، وأبرزهم المهندس محمود الأستاذ.

في كل تلك العمليات، وظّف جيش الاحتلال كل ما يستطيع اختراقه من منظومات إنسانية واقتصادية تحظى بهامش من الأمان وبروتوكول خاص في المعاملة على الحواجز الأمنية في القطاع. ويقول مصدر أمني، لـ«الأخبار»، إن «الاحتلال يعرف مثلاً أن سيارات المؤسسات الدولية التي تنشط في المجال الطبي والإغاثي والخيري لا تخضع للتفتيش الأمني الدقيق على الحواجز التابعة للأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولا يتورّع عن دسّ مجنّدين تابعين للشاباك في وسط طواقمها. كما يستغل هذه الامتيازات في تهريب معدات وأشخاص بشكل آمن إلى داخل القطاع. وقد اكتشفت المقاومة العشرات من تلك العمليات، وربما نجحت اختراقات لم تُكتشف».

على أن الأخطر من كل ما سبق، هو اتخاذ القوات الخاصة الإسرائيلية التابعة لجهاز «الشاباك» الإسرائيلي، من مقر رئاسة «الأونروا»، نقطة أخيرة للاحتماء في حال انكشاف مهماتها. حدث ذلك عقب عملية «حد السيف» عام 2018. حينها، أثارت سيارة تابعة لمنظمة دولية الشكوك، بعدما رفضت الانصياع لعملية تحقّق شرع فيها أحد رجال الأمن قبل أن تفرّ هاربة إلى مبنى رئاسة «الأونروا» غرب مدينة غزة. وكشفت مصادر أمنية، وقتذاك، أن شخصين أجنبيين يحملان جنسية مزدوجة، ويُرجّح أنهما يعملان لـ«الشاباك» احتميا في مبنى الوكالة، فيما كان من الممكن أن يتسبّب اقتحام المقر بأزمة تنعكس على استمرارية خدمات «الأونروا» في القطاع. ولذا، قبلت المقاومة بتسوية الأزمة بأقل الخسائر.

بيت القصيد، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي اخترق سلاسل التوريد واستباح في عمليات القتل العشوائية كل لبنان، لديه تاريخ أسود في تجاوز كل المحرّمات الإنسانية لتحقيق أهدافه، فيما تخوض قوى المقاومة حرباً غير متكافئة لجهة الفارق في مستوى الهيمنة والعلاقات والتطور التكنولوجي. وسيكون دائماً من المتوقع أن تحدث اختراقات، غير أن ما تحقّقه المقاومة كل يوم من منجزات ميدانية، يؤكد أن نجاح العدو في أحد جوانب المعركة، لا يعني كسبه الحرب كلّها.