كتبَ الدُّكتور علي حجازي:
ثقافة
كتبَ الدُّكتور علي حجازي: "الأغربة السود".قصّة قصيرة.
21 أيلول 2024 , 09:48 ص

الطائرات أغربة سود تعربد؛ تحرث الفضاء؛ تبحث عن صيد عن ضحيّة.


   عدسات الأهل ترقب؛جدارالصوت رسالة. قلوب الأحبّة معلّقة، ترجو الله؛ تدعو لعشاق الأرض بالسلامة.

العيون مشدودة إلى الأرض، إلى الفضاء. الأيدي مبسوطة تبتهل.
فجأة، علا الصوت. 
اهتزت الأرجاء، وحلّ الموت. 

وسائلُ الإعلام ضجّت، إلى هويّة الضحيّة سعت، وانجلى الغبار؛ ارتقى الإسم وطار.

عيون الطلاب دمًا سكبت، الثانوية أعلنت الحِداد وأقفلت. 

--ما الخبر ؟ 
- - أسرة التعليم حزينة. أستاذ الفيزياء هو الهدف؛ أنت تعرفه . 
⁃ ومن لا يعرفه.إنّه الأستاذ محمد، أستاذ الفيزياء والأدب.
- لفّني الحزن. تلفّعت بصمت ثقيل. أغمضت عينيّ، ورحت أستعيد صورتَه الجميلةَ، من على مقعدٍ في  فضاء تلك القاعةِ الكبرى في كليّة الآداب؛ المأدبة المحبّبة إلى قلبه.

    مادّة القصّة، لاأزال أذكر أنّني،بعد الانتهاء من الدرس النظري، وزّعتُ قصّةَ "الطالب الجامعي يحاضرُ شهيدًا عن ثقافة الحياة" ثمّ قرأتُها، طالبًا إلى كلّ واحد منهم أن يدرسها دراسة سيميائية في المنزل.

القصّةُ تحكي عن حسين، الطالب الذي  يتابعُ الدروسَ نهارًا؛ وينقضّ على المحتلّ الغادرِ بسلاحه ليلًا.

   لحظةُ صمتٍ غير معتادة، من طلاب يضجّون حيويّةونشاطًا؛بعدها،ألقيتُ نظرةً طويلةً إلى عيونهم، فأبصرت بريقًا أخّاذًا، من الدمع الشفيف، يلتمعُ مضفيًا على الوجوه التي كانت تتصافح، ويُرَدِّدُ أصحابُها بصمت: "إنّ أمثال هذا الطالب الجامعي البطل كثر هنا في هذه القاعة". وكان وجه الطالب الأستاذ محمد فرّان ينضح طيبة. ابتسامته تسبقه إلى الكلام،على حياء وخفرٍ شديدَيْن.

فتحت عينيّ، وأخذت اتكلّم، بصوتٍ مسموع:
لماذا تغتال هذه العصاباتُ اللقيطةُ الهجينةُ الغريبةُ القادمةُ من شتات الأرض، وهي لا تُتقِنُ سوى القتل غدرًا، فتستقدمُ طائراتٍ حربيّةً ،و مدافعَ وصواريخَ، لِتُسكِتَ أصوات الأحرار المُدافعةِ عن الحق، عشّاقِ البذلِ والحرية، وتسعى إلى كسرِ أقلامهم، وإسكاتِ أصواتهم؟!!

  أجل أنا عرفتُكَ استاذًا للأدب. الآن عرفتُكَ أستاذًا مؤدِّبًا الصهاينة، ومعلِّمًا يلقننا دروسًا في حبّ الحياة  وثقافتها، وفي الدفاع عن الأرض والعرض والشجر والمقدّسات.

   التففت على حزني.بسطّت كفيَّ،وشرعت أُهدِيهِ، في عليائِه، السلامَ وفاتحةَ الكتاب إلى روحِه المتالّقةِمع أرواحِ الشهداءِالأبرارِ،  في المقامِ الأعلى من جنان الخلد.

إلى روح الشهيد البطلِ، الأستاذ محمد فرّان الذي اغتالته طائراتُ العدو، وهو في طريقه إلى الثانويّة التي يدرّس فيها.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري