الغزو البري للبنان.. المقاومة تقلب ساعة الرمل
مقالات
الغزو البري للبنان.. المقاومة تقلب ساعة الرمل
ندى درغام
3 تشرين الأول 2024 , 19:34 م

روّج العدو الإسرائيلي في الأول من هذا الشهر، لإعلانه بدء العمليات البرية داخل لبنان، ورغم أن الدخول البري حصل في اليوم التالي، إلا أن من الضروري التمعن في التسمية التي أطلقها على هذا الغزو، وأهدافه التي وضعها، ومصير قواته في اليوم الأول، لنتمكن من فهم واقعي لحقيقة المعركة ومصيرها. فقد أعلن الجيش الإسرائيلي عن بدء ما أسماه “عملية برية محددة الهدف والدقة ضد حزب الله في المنطقة القريبة من الحدود في جنوب لبنان”، وهذا كان بعد فترة وجيزة من كسره لكل الخطوط الحمراء منذ اندلاع المواجهة مع المقاومة في لبنان في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي. جاء هذا الإعلان بعد أكثر من أسبوعين على إلقائه أقوى أوراقه في ساحة المواجهة مع لبنان، من تفجيرات أجهزة البيجر إلى اللاسلكي، وما أسفرت عنه من عشرات الشهداء وآلاف الجرحى، وصولاً إلى اغتيال قادة قوة الرضوان والعديد من قادة الصف الأول والثاني في حزب الله، ليتمكن بهذا من توجيه ضربة مؤلمة للمقاومة إضافة إلى عامل الصدمة والإرباك المتوقع في صفوفها.

واستغل العدو هذا الأمر ليطلق في 23 أيلول/ سبتمبر أعنف قصف جوي استهدف به قرى وبلدات الجنوب والبقاع وأكمله على الضاحية الجنوبية لبيروت، مخلفاً آلاف الشهداء والجرحى بوحشية قصد من خلالها إظهار علو كعبه في ميدان المعركة وقدرته التدميرية الغاشمة لبث الرعب في القلوب، وتجييش اللبنانيين وتحريضهم للانقلاب على موقف المقاومة المساند لغزة. وأكمل سلسلة إجرامه مساء 27 من الشهر ذاته، في اغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، بهجوم جوي على مربع سكني بالضاحية الجنوبية لبيروت بأكثر من 80 طناً من المتفجرات، ليكسر بهذا قلوب المقاومين وبيئة المقاومة، ويظهر بمظهر الرادع غير المردوع، ويبدأ مخطط الهيمنة وضرب ما تبقى من مقاومة. لكن المقاومة أثبتت خلال أيام قليلة ثباتها وتوازنها، وأفهمت العدو بالتصريحات وبالضربات الصاروخية وبإكمال ذات المنحى العسكري الممتد منذ نحو العام، أن اهتزازها بعيد المنال، وأن بناءها صعب التفكك والتخلخل، فجاء الإعلان الإسرائيلي عن العملية البرية في لبنان.

هوَّل الإسرائيلي إعلامياً لهذا الهجوم البري، حتى ظن الكثيرون أن اجتياحاً كبيراً قادماً لا مجال لوقفه إطلاقاً، لكن التركيز على إعلان العدو بداية، يكشف لنا حجم الخشية والخوف الذي يتملكه من المواجهة، وقلقه من المجهول رغم انتشائه السابق بالنصر. فالإعلان الإسرائيلي لم يتحدث عن هجوم ولا غزو ولا اجتياح كما حصل في عام 1982، ولو أعلن ذلك لما كان ليستغربه الكثيرون بسبب ضرباته القاسية السابقة التي لا يمكن إغفال تأثيرهالكن إعلانه عن بدء “عملية برية محددة الهدف والدقة ضد حزب الله في المنطقة القريبة من الحدود في جنوب لبنان”، يثبت أنه يخشى المقاومة ويعلم أن كل ما قام به لم يؤثر في بنيتها العسكرية ولا في ثبات مقاوميها. فالأميركي والإسرائيلي يعلمان كلفة التوغل البري في لبنان، ولهذا قاموا بتحديد سقف منخفض للأهداف، وهو التوغل المحدود والمؤقت. والقرار الإسرائيلي في الدخول البري، لا يخرج عن كونه خيار الضرورة، لأن كل ما قام به العدو من قتل وتدمير لم يتمكن من تحقيق هدف ضرب الإرادة وفرض الشروط الإسرائيلية. ورغم ذلك كان الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر، يوم بدء العملية البرية الإسرائيلية في لبنان، يوماً ملحمياً أبطاله مقاومون، ونقطة فاصلة نقشتها أصابعهم في المعركة، وكانت نتائجه أكثر مما تمناه أهل المقاومة ومحبوها، وأكبر مما تخيله عقل العدو وداعموه.

فقد أذل به المقاومون نخبة قوات العدو التي تسللت إلى الجانب اللبناني المتاخم لحدود فلسطين المحتلة، وضربوا كل مجموعة إسرائيلية دخلت أرض لبنان، وأوقعوا في صفوف العدو عشرات القتلى والجرحى، عدا عن تدمير عدد من دبابات العدو التي لم تستطع الثبات وفرَّت هاربة، فيما أكد إعلامه ما سمح بنشره عن مقتل 8 ضباط وجنود وجرح العشرات، في أول يوم من عمليته البرية في مواجهة حزب الله. وكان ما فعله المقاومون أعظم من أن يحجبه العدو الذي اعتاد على إخفاء خسائره، فنقل إعلامه صور المروحيات وهي تنقل من الحدود مع لبنان جثث قتلاه وجنوده المصابين إلى المشافي الإسرائيلية. فكان هدف العدو من هذا الدخول البري، خطوة ضرورية لهدفه المعلن في عودة مستوطنيه إلى الشمال، لكنه اصطدم برجال كالجبال الراسخة كانت صيحاتهم وإرادتهم أقوى من رصاصهم، ولا شيء يعلو فوقها إلا عويل وبكاء نخبة قوات العدو.

وبالنظر إلى هدف العدو من كل جرائمه في لبنان  والتي تتمحور حول عودة الأمن إلى شمال الكيان، يبرز التساؤل حول حقيقة ما حققه على أرض الواقع في سبيل هذا الهدف، فبدلاً من عودة الأمن إلى الشمال، أمسى الواقع أن أمن تل أبيب في خطر محدق، وذلك بعد استهدافها من قبل المقاومة التي سبق وحولت كل شمال الكيان حتى حيفا إلى ما كان عليه الحال في مستوطنات الشمال، قبل بدء التوحش الإسرائيلي على لبنان.

وما شاهدناه مساء الثلاثاء الماضي من القصف الصاروخي الإيراني على إسرائيل، هز الهدف الإسرائيلي وأرعب جنده ومستوطنيه، وأعاد الأمل بالنصر لقلوب الكثيرين، ويكفي ما سمعناه من ضحكات أهل غزة، ودموعهم ودعائهم كي تنتقم هذه الصواريخ من قاتل أطفالهم، وتكفي سعادة الملايين الذين آلمهم بطش هذا الكيان، حينما رأوا أقوى وأعنف هجوم بأكثر من 200 صاروخ باليستي سقطوا على الكيان في سابقة لم تحدث منذ إنشائه على أرض فلسطين. فالضربات المتتالية من محور المقاومة تثبت فشل العدو الإسرائيلي في تحقيق أهدافه وما يسعى إليه، إضافة إلى عجزه الواضح عن فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، مع إصرار المقاومة على جبهة الإسناد دعماً لغزة حتى وقف العدوان

فالحرب ليست في التفاصيل، لكنها في القدرة على تحقيق الأهداف، وهنا لا بد من الإشارة إلى التحدي الذي وضعه الشهيد السيد حسن نصر الله في آخر خطاب له أمام الإسرائيليين، بأنهم لن يستطيعوا إعادة المستوطنين إلى الشمال إلا بوقف العدوان على غزة، وها هي المقاومة ثابتة على تحدي قائدها الشهيد، ليس بالأمنيات والأحلام بل بالممارسة والأفعال البطولية، بالصمود الأسطوري، بالصلابة والتحدي والعزم على تحقيق أهدافها وإفشال مخططات العدو، وهذا ما نراه جلياً اليوم

وبالتوازي مع هذا الاشتعال الحاصل ميدانياً، يكثر الحديث والدعوات لتطبيق القرار 1701، هذا القرار الذي ينص في أحد بنوده على منع الظهور المسلح للمقاومة في جنوب الليطاني، وهذا ما التزمت به المقاومة منذ العام 2006، لكن إسرائيل هي التي أقدمت آلاف المرات على خرق هذا القرار، فمن الذي سيضمن تنفيذها له مستقبلاً؟ ورغم ذلك، فلا شك أن المقاومة على استعداد تام لتطبيق هذا القرار الدولي كما التزمت به سابقاً، ولكن الوضع الآن مختلف جداً، فالحرب قائمة والعدو الإسرائيلي يريد فرض ترتيبات أمنية على حساب مساندة غزة، ولذلك فليس هناك فرصة لتطبيق القرار اليوم، فالحرب لا تزال في بدايتها ومن المبكر الحديث عن فرض الشروط. فتطبيق القرار مرهون بوقف العدوان على غزة ولبنان، ولا إمكانية لذلك لو استمر الإسرائيلي بالشعور بفائض من القوة، وما نشاهده من ضربات محور المقاومة ما هو إلا كسر لهذه القوة وفرض لمعادلات رادعة..

المصدر: موقع إضاءات الإخباري