مقالات
نتنياهو لمحو ذكرى السابع من اكتوبر
راسم عبيدات 6 تشرين الأول 2024 , 15:01 م
بقلم :- راسم عبييدات
نتنياهو يدرك تماماً بان السابع من اكتوبر/2023،بمثابة الكابوس الشخصي بالنسبة له،فما زال سيف المساءلة والمحاسبة والمحاكمة والسجن مسلط على رأسه،فهو من يتحمل المسؤولية المباشرة عن الفشل الأمني والإستخباري والهزيمة التي لحقت بجيشه في السابع من اكتوبر،ناهيك عن التهم الجنائية المنظورة ضده امام القضاء الإسرائيلي من رشوة وسوء ائتمان وخيانة امانه،ولذلك منذ البداية والرد عل ىعملية السابع من اكتوبر،وضع نصب عينيه توسيع دائرة الحرب خارج الحدود الجغرافية لقطاع غزة،لتشمل المنطقة والإقليم،لأن ذلك كما يقول المأثور الشعبي " يضيع الطاسه" ،ويعوم عملية المساءلة والمحاسبة،عندما تضع الحرب اوزارها وتتشكل لجان التحقيق،في اخفاقات السابع من اكتوبر عسكرية وأمنية واستخبارية،ولذلك كان دوماً يدفع نحو الحرب الإقليمية التي تشاركه فيها أمريكا ودول الغرب الإستعماري والعديد من الدول العربية الوظيفية..لكي ينقذ مستقبله السياسي والشخصي ويحقق ما يسميه بوهم الإنتصار الساحق،ومن هنا كان دوماً يردد في حروبه على غزة ولبنان وسوريا، بأن ايران هي العنوان،وهي التي يجب ان تدمر قدراتها العسكرية والتسليحية ومنشاتها النفطية وبرامجها العسكرية من صواريخ بالستية ومسيرات انقضاضية،وبرامجها ومنشأتها النووية أيضاً،لأنها من وجهة نظره وادعاءاته سبب عدم الإستقرار وتهديد الأمن والسلم العالميين في المنطقة ...
نتنياهو في توسيعه للحرب على قطاع غزة ولبنان وسوريا واليمن وتهديداته للعراق وايران،وصلت حالة الغطرسة والعنجهية به، بأن جعلته يتصور نفسه بأنه الملك الذي سيتربع على عرش الشرق الأوسط،وخاصة بعدما نجح في تحقيق ما يسمى بالإبهار الأمني والعسكري بتوجيه ضربات عسكرية وأمنية للحزب مؤلمة وقاسية،تمثلت بالحزمة الثلاثية القاتلة،تفخيخ اجهزة النداء والإشارة من " بيجر" و"ايكوم"،واغتيال العديد من قادة حزب الله امنيين وعسكريين،وغارات جوية غير مسبوقة،وصولاً الى اغتيال الأمين العام للحزب السيد نصر الله...هذه الضربات الكبيرة والخسائر المؤلمة التي تعرض لها حزب الله،كانت كافية لإسقاط دول كبرى،ولكن تلك الضربات على الرغم من فداحتها،تمكن الحزب من استيعابها وترميم اوضاعه التنظيمية،ولم ينجح نتنياهو بدفعه نحو الإنهيار والتفكك وتعطيل وتدمير منظومة القيادة والتحكم والإتصال فيه،بل سرعة استيعاب الحزب للضربه،مكنت من تجاوز اثارها الكبيرة،حيث شهدنا بأن استهداف البنية للمقاومة وبيئتها الحاضنة واغتيال القائد نصرالله كنموذج استثنائي وتاريخي،ليس على صعيد لبنان،بل صعيد المحور والعالمين العربي والإسلامي ،والغارات الجوية غير المسبوقة على الجنوب وبعلبك والبقاع والضاحية الجنوبية والعاصمة بيروت،ونسخ واستنساخ تجربة القطاع في الأرض المحروقة،وتدمير كل ما له علاقة بالبنى التحتية من شبكات كهرباء وماء وصرف صحي وطرقات ومشافي ومراكز طبية ومراكز ايواء وتهجير أكبر عدد من السكان،والعمل على محاصرة لبنان براً وجواً وبحراً،بغرض تحقيق الأهداف الإستراتيجية لهذه الحرب الجنونية،كسر إرادة حزب الله وثنائية جبهتي غزة - لبنان،واعادة المستوطنين المهجرين من مستوطنات الشمال،ومحاولة تفعيل ترجمات القرار 1701،بصلاحيات اوسع لليونفيل في الجنوب اللبناني وعلى الحدود اللبنانية السورية...ولكن رغم ما حققه نتنياهو من كل الإبهار الأمني والعسكري وما تحقق له من انجازات،لم تمكنه من استعادة قوة الرد ولا استعادة زمام المبادرة،بما يؤثر على الجانب الإستراتيجي،بل وجدنا مأزقه يتعمق في مستنقعي غزة ولبنان،وخاصة بعد الحرب البرية التي كان رهان نتنياهو عليها،أن يتمكن من تدمير قدرات حزب الله التسليحية والعسكرية،ولكن نتائجها في الأيام الخمسة الأولى والخسائر البشرية من ضباط وجنود ومعدات عسكرية،قالت بأن هذه الحرب قاسية ومكلفة ولها ارتدادتها على الداخل الإسرائيلي،وبالتالي لا نتنياهو تمكن من الوصول الى مواقع القدرات الصاروخية لحزب الله من أجل تدميرها او اضعافها،ولا الحرب البرية اسعفته،لكي يحقق اهدافه،بل وجدنا غوصه في مستنقع اوسع، فإطلاقات الحزب للصواريخ بعد اغتيال الأمين العام للحزب نصر الله،وفي ظل التعبئة العسكرية والأمنية والسياسية واستعادة البيئة الحاضنة للثقة بالحزب والمقاومة، زادت وتوسعت المدايات الجغرافية ونوعية وطبيعة الأهداف المستهدفة،وبصواريخ احدث واكثر فتكاً وقوة تفجيرية من قواعد عسكرية وجوية ومطارات عسكرية ومقرات للموساد والمراكز التجسسية ،الوحدة "8200" ...الخ.
نتنياهو وامريكا والعديد من الدول الغربية الإستعمارية والدول العربية المطبعة والوظيفية،راهنوا على ان ايران لن ترد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس القائد اسماعيل هنية على اراضيها،متوهمين بأن وصول رئيس اصلاحي للحكم في ايران،ورغبته في عدم توسيع دائرة الصراع،وبث الإشاعات التشكيكية، بأن ايران تخلت عن حلفائها من حركات المقاومة ،وفي مقدمتها حزب الله وحماس وانصار الله والحشد الشعبي، ذهبت لعقد صفقة مع امريكا تحفظ لها مصالحها في المنطقة والإقليم،ولكن تأخر الرد الإيراني على اغتيال هنية،كان بسبب الركون لوعود أمريكية،بالضغط على اسرائيل لوقف العدوان على قطاع غزة،ولكن تلك الوعود الأمريكية والتي دوماً هي شيكات بلا رصيد،وخداع وتضليل،وما اعقب ذلك من تمادي اسرائيل في عدوانها ليصل ذروته بإغتيال الأمين العام لحزب الله نصر الله،كما قالت ايران دفع بها لرد استراتيجي استثنائي وتاريخي غير مسبوق بأكثر من 200 صاروخ باليستي ،طالت قواعد جوية اسرائيلية، استخدمت في عمليات الإغتيال،وضمت طائرات "اف 35 " و"اف 15 و16" ، قواعد نفتاتيم" و"حتسيرم" في النقب وتل الهوى بالقرب من تل ابيب.
هذا الرد اخرج نتنياهو عن طوره،وجعله مع قيادته العسكرية والسياسية في حالة من التخبط والإرباك،وليطلق المزيد من التهديدات بأن الرد على ايران بعد ان جرى المصادقة عليه من قبل المجلس الوزاري المصغر ،والتوافق مع امريكا عليه،في اللقاءات التي عقدوها مع قائد المنطقة الوسطى للجيوش الأمريكية مايكل غوريلا الذي حضر الى اسرائيل خصيصاً لهذا الغرض،وكذلك واضح بان امريكا التي تتحدث دوماً وتدير الحرب وفق الإدارة المزدوجة، بجعل اسرائيل تحقق اهدافها،من خلال تسعيرها للحرب من خلف الستار،ومن ثم الدخول في مفاوضات للوساطة،استناداً لنتائج الحرب،وقياس مدى التغير في موازين القوى،لصالح اسرائيل تطلق يدها وتبرر لها كل ما ترتبكه من جرائم تحت شعار "حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها"،واذا لم تميل الكفة لصالحها،تهرع لكي تقدم مبادرات سياسية من اجل وقف ما تسميه بالتصعيد،من أجل المماطلة وكسب الوقت ...ولكن يبدو بان امريكا التي تمارس سياسة الخداع والتضليل،وتقول عكس ما تفعل ،وبأنها لا تريد ان تتوسع الحرب والأولوية للحل السياسي،وهي ضد الحرب الإقليمية ..ولكن الأمور ليس كما يحلو للبعض القول بأن الإدارة الأمريكية ضعيفة وغير قادرة على لجم نتنياهو لتوريطها وتوريط العالم في حرب إقليمية،بل ان هذه الإدارة بحد ذاتها فيها من القيادات المتصهينة من هم أكثر صهيونية من قادة اسرائيل،وهناك اللوبيات الصهيونية التي تتحكم في مفاصل الإقتصاد والسياسة والإعلام الأمريكي ،وهي تمارسه ضغوط كبيرة لكي تنخرط امريكا في هذه الحرب ،ولذلك التحضيرات للعدوان على ايران والرد على هجومها الصاروخي ...في هذه المرة قد يكون بمشاركة امريكية واوروبية غربية مباشرة،وتسهيلات من العديد من الدول العربية الوظيفية،أمريكا معنية بإضعاف قدرات ايران العسكرية والنووية،وبالتالي تحجيم دورها الإقليمي في المنطقة والإقليم،ومنع بروز عالم القطبية المتعددة الذي يتيح لروسيا والصين ملىء الفراغ في المنطقة،وتشكيل خطر على مصالحها الجيواستراتيجية فيها..أمريكا تدرك تماماً بأن اسرائيل امام حالة من الفشل في الحرب البرية وهذا استعصاء كبير،وهي لا تستطيع تقديم المساعدة العسكرية لإسرائيل في هذا الجانب،وسيكون له ثمن كبير،وكذلك مشاركتها في الحرب مباشرة وتحولها الى حرب اقليمية،سيكون له تداعيات كبرى على قواعدها ومصالحها الإستراتيجية في المنطقة، بالإضافة الى ما سيلحق من ضرر كبير بالإقتصاد العالمي ومصادر الطاقة،ولكن يبدو بأنها انضمت الى شريكتها اسرائيل،بضرورة الحسم العسكري الإقليمي الذي يمكن من اضعاف ايران الى اقصى حد عسكرياً ونووياً،وبما لا يشكل على اسرئيل،القاعدة المتقدمة لمصالحها والمصالح الغربية في المنطقة،خطر وجودي ...ولكن الذهاب الى هذا الخيار،هل سيقود الى انتصار امريكي- اوروبي غربي- اسرائيلي ...ويذهب بنتياهو للتربع كملك على عرش المنطقة،ويؤمن لقرن قادم الحماية والوجود والتسيد لإسرائيل في المنطقة ..؟؟ ،ام ان هذه الحرب التي يريد نتنياهو الذهاب بها لمحو ذكرى السابع من اكتوبر/2023 من ذاكرته وذاكرة المجتمع الإسرائيلي بأن المقاومة ومحورها، قد استطاعوا ان يحققوا نصر استراتيجي ويغيروا معادلات الردع وقواعد الإشتباك بشكل جذري،وأنه بدل محاكمته يجب تتويجه كبطل قومي لإسرائيل ومجتمعها ...الرد على الرد الإيراني كما قالت المرشد الأعلى وقائد القوات المسلحة الإيرانية خامينئي ورئيس اركانها عبد الرحمن موسوي وقائد الحرس الثوري اسماعيل سلامي وغيرهم من القادة الإيرانيين،سيكون اوسع واشمل واشد قوة وإيلاماً من الرد السابق ،بما يشمل بنى تحتية من شبكات كهرباء وماء وصرف صحي وطرقات ،ومنصات غاز ومجمعات امونيا مطارات وموانىء وغيرها .
خامينائي في تأبينه لنصرالله يوم الجمعة4/10/2024 قال بأن محور المقاومة،ليس امام تحقيق نصر حاسم واستراتيجي على امريكا وحلفائها،ولكن المكونات والمركبات للمشروع الأمريكي في المنطقة في تراجع وانكفاء مستمرين ،والهزيمة الأمريكية – الإسرائيلية في الرد على الرد او فيما سيستتبعها من ردود من محور المقاومة ...قد تفتح الآفاق نحو وضع اسرائيل على حافة خطر وجودي ،وبأن لا تصل الى عامها الثمانين ،كما قال وزير الحرب ورئيس وزراء الأسبق اهود براك ...وفي كل الحالات معادلات الردع لن تعود الى ما قبل السابع من اكتوبر ،بل هي ستراكم المزيد من الإنجازات للمحور في المنطقة والإقليم..فإسرائيل تغرق في مستنقع حروب استنزافية ، تعمق من ازماتها على كل الصعد سياسية وعسكرية وامنية واقتصادية ومجتمعية ونفسية،وتحدث المزيد من التشققات والتصدعات في واقعها الإجتماعي، فإستمرار الحرب من شأنه ان يدفع نحو هجرة معاكسة من داخل اسرائيل الى خارجها بنسبة كبيرة،وهذا ما حذر منه رابين رئيس وزراء اسرائيل الأسبق،وهذا يعني بانه لن يكون هناك اغلبية يهودية ما بين النهر والبحر ،ودولة اسرائيل التي يريد ترامب تكبير مساحتها الجغرافية، ستتقلص وتتراجع مساحتها.ولن تكون قادرة بان تكون جزء طبيعي من جغرافيا المنطقة،وبالتالي نتنياهو لن يكون البطل القومي والملك والمنقذ والمخلص،بل سيكون مصيره السجن،كنتيجه لمغامرته واخطائه التي ستقود الى وضع اسرائيل على حافة خطر وجودي.
فلسطين – القدس المحتلة
6/6/2024
الأكثر قراءة
قصة الحلاج ونشيد والله ما طلعت شمس ولا غربت وموسيقى صوفية..
انشودة, أتظن أنك عندمـــا أحـــرقتنــي.. ورقصت كالشيطان فوق رفاتي
كتب :أ .د .نسيب حطيط - بيروت: المقاومة الثقافية, حتى لا تضيع التضحيات... بين التعويضات واعادة الإعمار!
السلف والخلف وجهان لعملة واحدة.
هل تريد الاشتراك في نشرتنا الاخباريّة؟
شكراً لاشتراكك في نشرة إضآءات
لقد تمت العملية بنجاح، شكراً