مؤامرة الإعلام: كيف تتبنى القنوات العربية دعاية الاحتلال وتخون قضايا الأمة
مقالات
مؤامرة الإعلام: كيف تتبنى القنوات العربية دعاية الاحتلال وتخون قضايا الأمة
هناء سعادة
25 تشرين الأول 2024 , 15:31 م

بقلم: د. هناء سعادة



في زمنٍ ضجّت فيه الأصوات الناعقة، وخف بريق الحقيقة، انحرف الإعلام عن مساره، متآلفاً مع الخطاب 'الكولونيالي' حيث تتجرّأ بعض القنوات العربية على الانزلاق إلى مستنقع الدعاية الصهيونية، فتسقط رايات الحيادية الوهمية في وحل الانحياز الفاضح. لم يكن ما فعلته قناة MBC ببثّ تقريرها الذي يتبنى بالكامل رواية الاحتلال الصهيوني إلا حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانحراف عن ضمير الأمة، حيث تماهت مع خطاب العدو حتى باتت في صدارة المروجين للدعاية المضادة للمقاومة.

إن MBC ومشتقّاتها وقناة العربية وتوابعها من المنابر الإعلامية التي تتبنى هذه اللغة الخبيثة، و التي تعلن عن ذاتها بفجاجة ووقاحة، تحاول أن تطمس نور الحق وتغلف صوت المقاومة برداء من الزيف، وتحلل القضية الفلسطينية بالسردية الصهيونية، متبنية كل تقنيات ' الهاسبارا'، رأس حربة الدعاية الصهيونية لتوجيه الرأي العام العالمي، فتصف القتلة ب"المنقذين"، وتحوّل ضحايا الاحتلال إلى "إرهابيين"، وهم لا ذنب لهم إلا دفاعهم عن أرضهم وعرضهم، فضلا عن الغمز من الباب المذهبي الطائفي لتبرير الاصطفاف خلف رواية نتنياهو وسموتريتش وأقطاب الفاشية الصهيونية عن المقاومة الفلسطينية وشعبها. إنَّ هذا التوصيف اللغوي ليس مجرد خلل في المصطلحات، بل هو إصرار على السير في طريق يتعامى عن كل قيم الحق والعدالة. فكيف لقناة تدعي "الحياد" أن تسوّق للتطبيع وتمارس الخيانة الثقافية والوجدانية لشعوبنا؟


وهكذا نجد أن تلك الوسائط الدعائية تستبدل مصطلحات "شهيد" بـ"قتيل"، و"عدوان" بـ"حرب" أو "نزاع"، لتصل إلى وصف النضال الفلسطيني بـ"الإرهاب" بدلاً من المقاومة، و"المقاومة" ب "العبثية"، مما جعلها وريثا حقيقيا للإعلام الصهيوني وناطقة باسمه وبمفرداته في وصف كل الحركات المقاومة الشريفة في كل من فلسطين ولبنان واليمن والعراق وغيرهم، مع إطلاق أوصاف على قادتهم وشهدائهم من قاموس صهيوني أمريكي غربي، ومنه،  فإن أقل ما يمكن أن يُوصف به هذا الإعلام هو سعيه الحثيث للانضمام إلى إمبراطورية "روبرت ميردوخ" الأمريكي الأسترالي، الذي يسيطر على معظم وسائل الإعلام في الولايات المتحدة وبريطانيا، لنشر الدعاية الصهيونية، فلا فرق بين ما يُقدّم في قنوات مثل "فوكس نيوز" و"سي إن إن" و"وول ستريت جورنال" والإعلام الصهيوني، وما يُطرَح في قناة "العربية" و"الحدث" و"سكاي نيوز عربية" و"MBC"، حيث يتم تناول الحدث الفلسطيني من منظور صهيوني خالص.



إن هذا التوجه الدعائي لا يُعتبر مجرد خيار إعلامي يحمل كذبا وزورا الحيادية والموضوعية، بل إنه يفتقر إلى الموضوعية في جوهره، إذ كيف يُمكن وصف اغتيال قادة المقاومة بأنه "خلاص من الإرهاب"؟ هذا التوصيف لا يعدو كونه موقفًا سياسيًا منحازًا للاحتلال بشكل أو بآخر.

فعندما يُعبّر "روعي كيس"، مراسل الشؤون العربية في القناة الحادية عشرة الصهيونية، عن دهشته من تقرير "MBC" السعودية الذي وصف قادة المقاومة الفلسطينية بالإرهابيين والأشرار، قائلاً: "اعتقدت أنه منسوخ من قناة ' إسرائيلية' "، ويضيف مبتهجا: "لقد تجاوزا صهيونيتنا"، فإن هذه التصريحات تُسلط الضوء على ملامح المشهد الإعلامي العربي وفحوى الرسالة التي تُروّج لها بعض المنابر الدنيئة. يتجلى هنا اتجاه واضح نحو تفريغ معاني المقاومة وشرعيتها، وتحويل رموز النضال الفلسطيني إلى شياطين ومرتزقة، بينما تُصوَّر جرائم المحتل كأنها انتصارات على الأرض.

تسعى هذه القنوات، عبر هذه الخطابات المُحرفة، إلى تشويه صورة المقاومة، وشيطنة قادة النضال  في عيون الجماهير. وقد بلغ الأمر بمتابعي تلك الوسائط إلى الاستنتاج بأنهم يتابعون إعلامًا صهيونيًا مُلبّسًا بعباءة عربية، يروج لأوهام زائفة من  قبيل "إحلال السلام" و"حل الدولتين"، فالمتتبع للإعلام العبري وما تتناوله نخب المجتمع الصهيوني يرصد مشروعا استعماريا استيطانيا توسعيا، فكل أعمدة الصحافة الصهيونية وفتاوى الحاخامات التلمودية والتوراتية تجمع كلها على ضرورة القضاء على الشعب الفلسطيني والعرب "الأغيار"، وتصويرهم بأنهم أقلية داخل مجتمع وأرض ' إسرائيل'  ويجب إخضاعهم كعبيد لخدمة شعب ' إسرائيل' .

إن هذا التحول في الخطاب الإعلامي لا يعكس فقط انحرافًا عن القيم والمبادئ، بل يُشكّل تهديدًا جادًا للوعي الجمعي وللشعور الوطني. إن وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب يُعَدّ موقفًا سياسيًا واضحًا يتماشى مع الخطاب الاحتلالي، مما يُقوّض جهود تعزيز العدالة والحق الفلسطيني. إنَّ التلاعب بالمصطلحات واغتيال المعاني النبيلة يعكس تواطؤًا مع المشاريع الاستعمارية، ويُلقي بظلاله على الهوية الثقافية والانتماء الوطني.

والجدير بالملاحظة أن هذه الدعاية السياسية التي تندرج ضمن الحرب الناعمة  تأتي في وقتٍ تتجه فيه جامعات ومؤسسات إعلامية غربية نحو إعادة تقييم مواقفها من المقاومة الفلسطينية والاعتراف شيئاً فشيئاً بأنَّ الكيان الصهيوني ليس إلا مشروعاً استيطانياً استعمارياً. وبالرغم من ذلك، تسير هذه الوسائط في الاتجاه المعاكس، غير مكترثة بردات الفعل الغاضبة التي تعبّر عن وعي شعوبها. فهذه الجماهير ليست بالسذاجة التي يتوهمها أولئك المتآمرون؛ إنها تعرف عدوها وتدرك الحقائق التي تحاول وسائل الإعلام المنحازة تغييبها.

ولكن مهما بلغت خطورة هذه الدعاية الفجّة، يبقى الرأي العام العربي أذكى من أن يُخدع كما أظهرت ردود الفعل الشعبية الغاضبة على تقرير MBC الأخير. الشعب الذي يدرك عدوّه لن يُضلَّله الإعلام مهما كانت وسائله خبيثة، فهو يدرك تمام الإدراك الدور الوظيفي الذي تقوم به هذه الأقلام الرخيصة، وكيف ينظر إليها الكيان الصهيوني كما جاء على لسان ديفيد وارمرز، المستشار والمسؤول عن قسم الشرق الأوسط في فريق ديك تشيني (نائب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش) : "من ضمن خطتنا في المنطقة لابد أن ننتبه للإعلام..الإعلاميون العرب كلهم أعداء وكلهم ضد السامية وكلهم يمكن أن يشكلوا معسكر الخصم،  لكن لابد أن نجد إسطبلا من الإعلاميين العرب يشبه سفينة نوح، الأحصنة في هذا الإسطبل وظيفتهم أن يقولوا دائما إن سوريا وإيران هما المشكلة، أما الحمير فهم من يصدقوننا بأننا نريد الديمقراطية، أما حظيرة الخنازير الذين يقتاتون على فضلاتنا فمهمتهم كلما أعددنا مؤامرة أن يقولوا أين هي المؤامرة".

إن وصف ديفيد وارمرز للصحفيين العرب كـ"أحصنة" و"حمير" و"خنازير" يعكس نظرة استخفافية لا تقتصر فقط على عدم احترام هؤلاء الأفراد، بل تجسد أيضًا استراتيجية استخدام الإعلام العربي كأداة في خدمة الأجندات الصهيونية والأمريكية. فعلى الرغم من الجهود الجبارة التي يبذلها هؤلاء المرتزقة في شيطنة المقاومة الإسلامية وإيران، الدولة التي تحملت أعباءً هائلة من أجل قضايا الأمة، إلا أنهم لا يزالون يُعتبرون مجرد أدوات رخيصة في يد قوى الاستعمار.

إن هولاء أشباه الإعلاميين لا يدركون أن دورهم ينحصر في ترويج روايات العدو، مما يُضعف من مصداقيتهم أمام شعوبهم. فعندما يُعبرون عن ولائهم العلني لأمريكا، التي تعتبر راعية الإرهاب العالمي، فإنهم لا يخدمون سوى مصالح خارجية تتناقض تمامًا مع تطلعات شعوبهم في التحرر والكرامة. إن الاستمرار في هذا المسار يُظهر عمق الافتقار إلى الوعي التاريخي والسياسي، ويعكس انحرافًا خطيرًا عن الرسالة الحقيقية للإعلام كأداة للتغيير وبناء الوعي.

كما أن الانزلاق في فخ هذه الدعاية الموجهة يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة هؤلاء المرتزقة على التمييز بين القيم الإنسانية والأخلاقية التي يجب أن يتحلوا بها كمهنيين، وبين المصالح الضيقة التي تدفعهم لتبني خطابات معادية لقضايا وطنهم. إن الخيانة التي يرتكبونها بحق شعوبهم تضعهم في خانة العدو، حيث يُنظر إليهم كخونة، لا فقط بسبب ولائهم للأعداء، بل أيضًا لأنهم يساهمون في تشويه الحقائق وتضليل الجماهير.

في الوقت الذي يسعى فيه الشعب العربي لتحقيق العدالة والحرية، يظهر هؤلاء المرتزقة وكأنهم يجهلون واقعهم، غير مبالين بأصوات الرفض الغاضبة التي تخرج من الشارع العربي. إن وعي الجماهير، الذي يتجاوز هذه الدعاية الفجّة، يُشكل عقبة أمام نجاح مخططاتهم، حيث يثبت الشعب العربي دائما أنه أذكى من أن يُخدع، وأنه سيظل صامدًا في مواجهة كل محاولات التضليل الإعلامي. .

ختاماً، إن هذا الانحدار الإعلامي يُعدُّ خيانةً للأمانة الإعلامية وللقضايا العادلة التي كانت وستظل جوهر نضالنا العربي. إنها دعوة لكل أصحاب الضمائر الحيّة، ولكل الأقلام التي ما زالت تحمل هموم الأمة، أن تُعيد صياغة الواقع بحروف الصدق والمقاومة، أن ترفع الصوت في وجه هذا التآمر الإعلامي، فالحرب على الحقيقة لا تقل خطورة عن الحرب على الأرض، وكما يُقاوم المحتل بالسلاح، يُقاوم الإعلام المنحرف بالكلمة الصادقة والموقف النزيه. لذا، يبقى الأمل معقودًا على الصحفيين الشرفاء الذين لا يزالون يتمسكون بمبادئهم ويعملون من أجل قضايا أمتهم ويؤدون أمانة الكلمة وجهاد التبيين، بدلاً من الانجرار وراء مغريات الإرتزاق والولاءات الخارجية.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري