هل تجاوز حزب الله نكسة حزيران٦٧
مقالات
هل تجاوز حزب الله نكسة حزيران٦٧
حليم خاتون
31 تشرين الأول 2024 , 21:37 م


"تحطمت الطائرات عند الفجر"...
هذا كان عنوان احد الكتب التي صدرت تشرح ما حدث فجر الخامس من حزيران ٦٧ حين هاجمت إسرائيل ثلاث دول عربية هي مصر وسوريا والأردن...

طيلة شهر أيار من العام ٦٧، كانت الاجواء مشحونة بنذر قيام حرب في الشرق الأوسط...

بعد ثورة يوليو ٥٢ في مصر وتمكن جمال عبدالناصر من الصمود في وجه العدوان الثلاثي الذي قامت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل سنة ٥٦، زادت ثقة الجماهير العربية بهذه الثورة ونصبت عبد الناصر ملكا غير متوج ليس فقط للأمة العربية، بل أيضا لمؤتمر باندونغ الذي اخرج إلى النور مجموعة ثالثة خارج طرفي الحرب الباردة، 
حلف الأطلسي تحت المظلة الأميركية، 
وحلف وارسو تحت المظلة السوفياتية...

صار جمال عبد الناصر احد الأعمدة الأساسية في قيادة حركات التحرر في آسيا وأفريقيا وكل دول العالم الثالث، وصارت مصر أم الدنيا فعلا، قبل أن يحولها كل من أتوا بعد عبدالناصر إلى جمهورية موز مفلسة متسولة لا تملك قرارها...

استبدلت سلطات ما بعد عبد الناصر في مصر؛ استبدلت الكرامة والعزة والشرف بالماكدونالدز والكوكا كولا وستار بوكس...

صمم الغرب على تدمير مصر الناصرية والحركة القومية العربية والانتقام لما حصل سنة ٥٦...

لكن مصر لم تكن ضعيفة...
كان اقتصاد مصر يتفوق على اقتصاد كوريا الجنوبية...

كانت مصر تشارك الهند في صناعة اول طائرة حربية في العالم الثالث...

بعد بناء السدالعالي ووضع حجر الأساس لبناء دولة قوية بكل ما في الكلمة من معنى، تملّك الشعوب العربية شعور بفائض الثقة إلى درجة أن عبد الناصر لم ير كل ما كان يفعله الغرب من اجل تأمين تفوق عسكري واقتصادي وتكنولوجي اسرائيلي على كل الدول العربية مجتمعة...

زيادة على كل ذلك، تظاهر الغرب بدور الوسيط بين العرب وإسرائيل، تماما كما يفعل اليوم؛ وأعلن إنه سوف يقف ضد من يبدأ الحرب...

في نفس الوقت، مرر الاتحاد السوفياتي الذي كان يحوي في قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي والهيئات القيادية في الدولة نسبة كبيرة من اليهود الصهاينة تفوق نسبتهم من عدد السكان في البلد، تماما كما هو الحال في كل دول العالم...
مرر السوفيات نصيحة الى مصر بأن لا تكون البادئة في شن الحرب... 

هذا ما حدث تماما مع بداية طوفان الأقصى حين عملت أميركا والغرب بكل قوة لدعم إسرائيل بكل ما يلزم للقيام بأبسط انواع الحروب، وصولا إلى أعلى ما يمكن من تمكين إسرائيل على ارتكاب كل أنواع جرائم الحرب والإبادة مع الحديث عن وجوب عدم قيام حرب اقليمية شاملة...

بكل أسف؛ كما صدق جمال عبد الناصر الحملة العالمية سنة ٦٧ التي منعت مصر من البدء بالحرب وامتلاك زمام المبادرة، ابتلعت إيران وابتلع حزب الله الطعم...
عمل الإثنان تصريحا وفعلا لعدم اندلاع الحرب الشاملة مما سمح للكيان بالقيام بكل ما أمكن فعله من جرائم وصلت إلى الابادة الشاملة في غزة قبل أن ينتقل إلى لبنان في هجوم ال pagers وتنفيذ كل الخطط المعدة سلفا مع الغرب عبر وجود إسرائيل داخل القيادة الوسطى في حلف الناتو مما سمح لهذا الكيان الاستفادة من كل العمل الاستخباري لأكثر من عشرين دولة بينها أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها وصولا حتى إلى الاستفادة من المخابرات المصرية والاردنية والخليجية وغيرها من موقع العداء لكل ما يمكن أن يكون مقاومة...

لو كان حزب الله بادر إلى البدء بالحرب وقصف ألف إلى ألفي صاروخ يوميا على كامل الكيان، لكانت خسائر العدو بنفس مستوى خسائر المقاومة حتى لو قام بتفجير ال pagers...

أساسا لو كان حزب الله هو من بادر إلى الحرب لما تم اجتماع القيادات واغتيالهم بالجملة كما حصل...

بل لكان كل قائد موجودا في موقعه المخصص، يعرف بالضبط ما يجب فعله ولا حاجة للعودة ال التنقل العلني...

لو بادر الحزب في الثامن من أكتوبر إلى البدء بقصف الكيان تحت شعار حق لبنان في تحرير ما تبقى من مناطق محتلة، ووجوب رجوع كل اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم لأن لبنان لم يعد على استعداد لتحمل المزيد من الكلفة الاجتماعية والاقتصادية لوجود هذا اللجوء في مخيمات تخنق المدن والمناطق اللبنانية...
لو رفع حزب الله هذه الشعارات بدل رفع شعار إسناد غزة، لكان توصل إلى نتائج افضل ألف مرة في إسناد غزة، وأحرج كل عملاء أميركا في لبنان الذين لا يستطيعون رفض الأهداف التي أعلنها الحزب...

حصل ما حصل...

لنكن صريحين...
تلقى حزب الله ضربات تفوق تدمير الطائرات على الأرض فجر الخامس من حزيران ٦٧ في مصر وسوريا والاردن...

انتقلت المبادرة فورا إلى أيدي إسرائيل، وبدأت أميركا في تحريك عملاءها في لبنان لقطف ثمرات هذه  الضربات...
سمير جعجع، فارس سعيد، ميشال معوض، فؤاد مخزومي، أشرف ريفي، امين الجميّل...
من أصغر عميل وضيع إلى أكبر عميل يحتل مواقع قيادية في الطوائف وحتى في الدولة...

خرج الجميع يريد ذبح الثور وسلخ جلده...

لأن حزب الله لم يبادر إلى شن الحرب، خسر الحزب معظم قيادات الصفين الأول والثاني بما في ذلك الأمين العام الشهيد السيد نصرالله ورئيس المجلس السياسي الشهيد السيد هاشم صفي الدين...

لأن الحزب لم يبادر إلى الحرب، سقطت نظرية الردع في القدرة على التدمير المتبادل...

حتى لو كانت خسائر حزب الله  ٣٠% فقط من قوته التسليحية لانه ترك المبادرة في يد اسرائيل، فهذا يعني تمكن اسرائيل من تدمير ستين ألف صاروخ على الأقل كان بإمكانها لو أطلقت في الشهرين الأولين  من هذه الحرب الشاملة على إرجاع الكيان إلى العصر الحجري بدل التهديدات الفارغة التي أطلقها الحزب في الهواء... 

هل خسرنا الحرب؟

ما يميز حزب الله عن حقبة عبد الناصر سنة ٦٧ حتى الآن، هو أن عدد من استسلم من مقاتلي الحزب للقوات الإسرائيلية يكاد لا يذكر بالمقارنة مع عدد المقاتلين الذين لا يزالون يقاتلون على الثغور ويمنعون سبعين ألف جندي من اقوى الفرق الإسرائيلية من التقدم دون أن يدفع اثمان باهظة لكل متر لا يستطيع حتى التمركز فيه...

سنة ٦٧ انهارت الجيوش العربية في مصر وسوريا والأردن بمجرد تلقي الضربة الأولى، واستطاع الكيان احتلال ما تبقى من فلسطين إضافة إلى كامل شبه جزيرة سيناء  والجولان السورية ومناطق لبنانية وأجزاء كبيرة من الأردن...

مرة أخرى، هل خسرنا الحرب؟

حتى الآن، لا زلنا نقاتل...
حتى الآن، يجب أن لا يتوقف القتال الا وفق الحد الأدنى من شروط المقاومة التي أعلنت في الثامن من أكتوبر ٢٠٢٣...

حتى اليوم لا تزال المقاومة تملك سلاحا استراتيجيا للتدمير الشامل يقوم على إشعال الحرب الشاملة وتدمير الهيكل على رؤوس الجميع إذا لم يخضع الأميركي والاسرائيلي لهذه الشروط التي تمثل الحد الأدنى الممكن أن يحفظ لهذه المقاومة، ومن ورائها لإيران شيئا مما كانت تملكه قبل طوفان الأقصى...

ليس صعبا على الإطلاق زرع آلاف الألغام البحرية في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط...

ليس صعبا على الإطلاق استهداف كل المصالح الغربية أينما وجدت على امتداد المنطقة والعالم...
ليس صعبا استهداف كل الأنظمة العميلة للغرب في المنطقة...

في كلمته الأخيرة، حدد الأمين العام الجديد لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الخامس من نوفمبر القادم موعدا مفصليا في هذه الحرب...

هذا له معنى واحدا فقط...

إذا لم يجر القبول بالشروط الدنيا للمقاومة بعد الانتخابات الأميركية، يتوجب على حزب الله العودة بقوة إلى معادلة بناء مقابل بناء، ومدني مقابل مدني...

حتى لو كان الحزب خسر سبعين في المئة من الصواريخ والمسيرات فإن الثلاثين في المئة الباقية كافية لكي يقوم الحزب بتدمير غوش دان طالما أن إسرائيل تقوم بتدمير لبنان بشكل منهجي...

كل حديث عن الأخلاق والقيم والشرعية الدولية والمناشدات يصدر بعد هذا اليوم له معنى واحدا فقط هو اننا خسرنا الحرب كما خسرها عبد الناصر حين وافق على وقف إطلاق النار بالشروط الغربية...

لا يزال الحزب يملك سلاح التدمير الشامل القائم على هدم الهيكل في الشرق الأوسط على رؤوس الجميع...

لا يزال حزب الله ومحور المقاومة وإيران يملكون القدرة على تفجير الاستقرار العالمي عبر تفجير الشرق الأوسط...

ما قام به القائد الفذ يحي السنوار في السابع من اكتوبر، واستطاع تحريك الرمال المتحركة في الشرق الأوسط، يستطيع حزب الله القيام به عبر جعل هذه الرمال تجرف الاستقرار الاقتصادي العالمي مما سوف يتسبب بانهيار معظم الرأسماليات الغربية ومعها النظام الرسمي العربي...

القرار لاسترداد المبادرة اليوم في يد حزب الله...

التردد السابق تسبب في انهيار ردع عمل حزب الله على بنائه خلال ثلاثة عقود...

اي تردد جديد سوف يتسبب بنكسة جديدة لا تقل عن حزيران ٦٧...

الشيخ نعيم والقيادة الحالية وحدها تملك القرار...

وراء هذا القرار سوف يقف على الأقل مئتا مليون شيعي في العالم يتبعون مرجعية النجف...

وراء هذا القرار سوف يقف على الأقل عدة مئات الملايين من السُنّة في هذا العالم الذين استفاقوا على بطلان الخلاف السُنّي الشيعي ونكتة الربيع العربي في سوريا وغيرها...

أمام هول ما حدث في غزة والتآمر الأميركي الغربي والصمت المخزي لأنظمة النظام الرسمي العربي ومنظمة التعاون الإسلامي...
سوف يقف مليارات وراء هذا القرار مئات الملايين من البشر من المسيحيين وغيرهم من الذين رأوا بأم العين سقوط أقنعة القيم الإنسانية والعدالة والشرعية الدولية...

هل يفعلها حزب الله، أم ننتظر جيلا آخرا ومقاومة أخرى تتعلم من الأخطاء التي حصلت وتنتقل في المستقبل إلى المبادرة في الحرب ليس ضد الكيان فقط، بل ضد كامل منظومة الدول الاستعمارية...
                               
المصدر: موقع إضاءات الإخباري