بين المقاومة والدولة في وطن غامض
مقالات
بين المقاومة والدولة في وطن غامض
حليم خاتون
8 تشرين الثاني 2024 , 10:50 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون: 


خرج الشيخ نعيم قاسم للمرة الرابعة خلال أربعين يوما...


كل خروج للأمين العام الجديد المعلن لحزب الله حمل معه تطورا في ملامح الشيخ، وفي حالة الخطاب، عكس تطورا جديدا آت من الميدان "طازة"...

يمكن لأي مراقب تابع ويتابع حالة ووضعية الشيخ قاسم خلال هذه الأيام الأربعين أن يرى أن حزب الله قد خرج فعلا من حالة صدمة استشهاد السيد نصرالله ومعظم قيادات الصفين الاول والثاني في البعدين الديني والدنيوي، وعاد بسرعة إلى مربع فرض الإرادة بفضل سواعد شباب أقل ما يقال فيهم: 
إنهم رجال الله في الميدان قتالا، قديسون في الحياة الدنيا، 
وملائكة طاهرة حين يُستشهدون...

إذا كانت كلمة الشيخ قاسم الأولى ملبدة بشيء من الإرباك، فإن ظهور الشيخ في أربعين السيد نصرالله قد نقل موقفا حاسما برفع البطاقة الحمراء في وجه العدوين الصهيوني والأمريكي مما شكل في الوقت نفسه، بطاقة صفراء في وجه كل من تسول له نفسه في الداخل اللبناني مجرد الإعتقاد أن حزب الله قد هُزم...

عندما تحدث البروفيسور ميرشايمر عن الفرق بين الجمهوريين والديمقراطيين في الوضع الداخلي في اميركا، أجاب بسخرية تعبيرية شعبية أوحت بأن لا فرق الا في الشكل بين الإثنين، (تودالو، تودالي)...

عندما سُأل فيدال كاسترو يوما عن الفرق بين المرشح الجمهوري والمرشد الديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية، كان جوابه أن ذلك هو نفس الفرق بين "فردتي" حذاء زعيم الثورة الكوبية...

استطاع كاسترو قول ذلك لأن الثورة الكوبية كانت قد فرضت نفسها نظاما جديدا في دولة وطنية سيدة لنفسها، بينما اضطر الشيخ قاسم إلى إعلان يوم الانتخابات الاميركية يوما مفصليا بالنسبة لنا في لبنان لأن ما كان موجودا من شيء من مقومات دولة في لبنان كانت قد اختفت مع بداية سبعينيات القرن الماضي؛ 
وما كان يُعتقد إنه مقومات وطن، تبين إنه في واقع الأمر مجرد وطن في طور التشكل، على الأقل لأننا نرى بلدا بأكمله تحت الجزمة الأميركية رغم كل ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية في سبيل إلغاء وجود حتى شبه الدولة وشبه الوطن في هذا البلد...

لا يختلف أي كان في الداخل والخارج على الإقرار أن السيد نصرالله كان وجودا مميزا في هذا الشرق المنكوب بحفنة من أشباه الرجال يجلسون على صدر الأمة ويمنعون الهواء عن شعوب مخدرة مذعنة لا تفقه لما يُفعل بها...

لكن يبدو أن ظروف الأمة تفرض أن يتحول أي قائد شريف صادق نقي إلى حالة عظيمة...

هكذا كان الحال مع السيدين الموسوي ونصرالله، وهكذا سوف يكون مع الشيخ قاسم الذي بدأ السير على طريق الجلجلة الفلسطينية ليصبح الوريث الشرعي لمنصب قائد هذه الأمة مع كل ما في هذا المنصب من عذابات ومعاناة لا يتحملها الا من يحمل على كتفيه جبال هموم هذه الأمة...

حين وضع فؤاد شهاب في ستينيات القرن الماض أسس بناء الدولة في لبنان، أعلن أن الأوان قد حان لبناء وطن؛ لكن ملوك الطوائف من جهة، وأكلة الجبنة من الإقطاعين السياسي والمالي من جهة اخرى، استطاعا إبقاء حالة المزرعة في هذا الوطن مع بعض التغيير في إدارة هذه المزرعة...

يحاول الكاتب الدكتور قاسم قصير بكل الأشكال محاولة جمع الاضداد في هذا البلد لكي يطمئن رجال الله في الميدان أن خنجرا لن يطعنهم في الظهر...

رجال المقاومة عندنا في لبنان يحسدون المقاومة الفرنسية لأنهم قاتلوا الاحتلال النازي الألماني وهم مطمئنون أن شعب فرنسا يقف وراءهم ولا يطعن واحدهم الآخر باسم الدين او الطائفة أو المذهب او المنطقة الجغرافية...

في الوقت الذي يحدثنا فيه الإعلامي غسان سعود عن مطارنة وقسيسين يبلسمون جرح الوطن السائب، يخرج علينا مجموعة من الأوباش في هذه المنطقة او تلك ينفذون بالحرف ما يطلبه منهم الصهاينة في أهل بيئة رجال الله في الميدان...

حتى حين يخرج الوزير السابق وئام وهاب يتحدث ويربط منع التعدي على "الضيوف رغما عنهم" برفض حمل السلاح؛ هو يعطي مبررات لا تقل قرفا عما يفعله شارل جبور وجماعة أميركا في لبنان...

لكن ما يقهر ظهر الوطنيين في لبنان هو ذلك الصمت المقرف لكل ورثة ما كان يسمى حركة وطنية في لبنان من شيوعيين وناصريين وبعثيين واشتراكيين وغيرهم...

إذا كان موقف الاستاذ علي حجازي او العميد مصطفى حمدان على قدر كبير من الوطنية اليسارية، فإننا لا نرى الحزب الشيوعي او الحزب القومي او الاحزاب الناصرية على اختلافها يقومون بما يتوجب عليهم لحماية ظهر المقاومة ممن يعمل ليل نهار على اذيتها عبر أذية أهلها في النزوح أو عبر التصدي لأوكار السفارة الأميركية التي عادت تجمع كلاب كونداليزا رايس وتجبرهم على النباح...

انقضى يوم انتخابات أميركا المفصلي...

لم ترد إيران على الضربة الصهيونية في الوقت الضائع...

في نظر الكاتب جوني منير هي لن ترد الآن لأنها تريد بيع دونالد ترامب موقفا ينطلق منه لتصحيح وضع أميركي يبدو عصيا على الإصلاح...

لماذا تقع إيران في هذا الموقف الفخ..؟
ربك أعلم...

قد يبرر البعض لإيران عدم الوقوف في وجه الوحش الأميركي تحت بند التقية الأمنية والعسكرية؛ لكن لا يستطيع أي كان التبرير لطهران عدم امتلاك الردع النووي خلال ثمانية سنوات منذ خرج ترامب الأول على الاتفاق النووي وإفساح المجال لإيران إن تعود إلى السكة النووية باندفاعة غير مسبوقة لم نر أن طهران استغلتها كما كان يفرض الأمر... 

سواء ردت إيران أو لم ترد، نحن في لبنان مجبرون على اتخاذ موقف واضح لأن الخائن او الأحمق فقط هو من لا يرى ما تريد إسرائيل فعله في هذا البلد...

نحن نخوض حربا وجودية ليس فقط للطائفة الشيعية؛ بل لكل لبنان، بكل فئاته، حتى لذلك الفتى الغبي في بعقلين الذي خرج يشتم بكلام لا يرضي الا أفيخاي ادرعي، وشارل جبور وعبيد يوشع بن نون من اهل النون، وليم وعلي...

لعل افضل رسالة إلى كل أولئك من اهل الزفت والعار أن لا ينسوا أن مدينة صور لم تركع للاسكندر المقدوني...

وان مدينة صور إياها ظلت خرابا لمئتي عام بفضل النهب والسلب المملوكي ثم العثماني قبل أن تعود عروسا على المتوسط... 
 
بعد أن كان لبنان مدرسة المنطقة وجامعتها ومستشفاها ومصرفها وباب اقتصادها، يراد له اليوم ان يكون مجرد كازينو لرجال الدول الابراهيمية القابعين تحت الجزمة الصهيونية...

لم يكن الإعلامي الاستاذ سامي كليب اول من يعلن أن إسرائيل هي من فجر مرفأ بيروت؛ ولن يكون آخر من يلمح أن هذا الأمر تم تحت غطاء اميركي ألماني لا يرى في لبنان أكثر من مجرد دمية اميركية يجب كسر أي جزء منها يحاول أن يشكل حالة سيادية فعلية ليست على شاكلة دمى السيادة المتحركة في أكثر من بقعة في هذا الوطن الناقص...

انتهى اليوم المفصلي...

يقال إن المقاومة ارسلت إلى العدو رسالة غير مباشرة تقول إن عهد استهداف لبنان دون تلقي العقاب المناسب قد ولى...

بدأ الأمر بقصف تل أبيب بعشرة صواريخ فاتح ١١٠...

نحن أهل المقاومة خسرنا أحباء وأقارب وجيران...

نحن أهل المقاومة خسرنا بيوتا وديارا ومدنا وبلدات وقرى...

نحن خسرنا جنى عمرنا الذي لا نابه له اذا كان المقابل عزة ونصرا ليس أقل...

نحن نرفض أن يستشهد الدكتور علي او الخبير العقاري حسن او مدير السوبر ماركت أحمد او متعهد الكهرباء علي او معلم الألومنيوم علي الثاني او علي الثالث او علي الألف دون أن نخرج منتصرين... 

نحن مستعدون لخسارة كل شيء في مقابل وقفة عز هي كل ما يعنينا في هذه الدنيا...

نحن نريد المشي على نفس طريق النصر الذي خطه سيد شهداء الأمة..
نحن نريد نصرا بكلا الحاتين...

نريد نصرا حين ننتصر...
ونريد نصرا حين نستشهد...

كل ما عدا ذلك سوف يكون سراب الخونة والأذلاء ومن يقف خلفهم من غرب وأمريكان وصهاينة يهود ومسيحيين ومسلمين، وهم كثر...
                            
المصدر: موقع إضاءات الإخباري