‏كبسولة الصباح
مقالات
‏كبسولة الصباح
سامح عسكر
27 تشرين الثاني 2024 , 13:51 م


فكرة المصالحة مع الإخوان ليست دقيقة، فالمصالحة بين طرفين يعني أن (كلاهما) مخطئ، ولا يمكن تخطئة الشعب في ثورته عليهم سنة 2013

لذا ففي الرأي العام المصري ( حكومة وشعبا) لا تُطرَح هذه المصالحة كخيار، ولكن يُستعاض عنها بمصالحة وطنية بين القوى المدنية الشرعية، وهي التي أنتجت موجة الإفراجات الأخيرة عن شباب المعارضة في ظل سلسلة مؤتمرات الحوار الوطني..

 يجب أولا على الإخوان الاعتراف أنهم لم يُحسنوا التعامل مع الوطن في الفترة منذ عام 2011 حتى 2013 وهي المدة الزمنية التي شهدت صعودهم السريع وسقوطهم السريع أيضا...

الأفضل أن يقال عن ما يحدث من حذف مئات الإخوان من على قوائم الإرهاب، وما سبقها من مبادرات علنية للجماعة أنه (ترضية) وهي فكرة مناسبة تليق بالمرحلة،

والمعنى من وجهين:

أولا: السلطة المصرية تريد فتح الباب للمراجعات الفكرية لعناصر الجماعة، مما يؤدي لخلل في بنية التنظيم الفكرية قبل السياسية..

وفي ذلك ترسل السلطة المصرية رسالة، أن على الإخوان ترضية الناس، والتبرؤ أولا من الطائفية والعنصرية والعنف الديني وفرز الناس حسب مذاهبهم واتجاهاتهم السياسية، وفي رأيي  أن هذا مستحيل الآن..فالجماعة سلفية تراثية محضة لا يمكنها فهم التنوير وأساسياته ودعائمه..

كذلك مبدأ عودة الإخوان للعمل السياسي هذا ليس قرار شخص -حتى لو كان رئيس الدولة – إنما بآليات ينتجها الشعب نفسه، يعني الجماهير هي من ستقرر عودتهم ..فقط لو نجحوا في ترضية الشعب والظهور بصورة المذنب التائب أو الحبيب المهجور أو الطفل المحروم..

فالشعب المصري برغم ما يعانيه من أزمات اقتصادية، ونقمة على الحكومة لكنه لا يتصور عودة الإخوان أو أهليتهم للحكم مرة أخرى...ويفضل الرأي العام في هذه المرحلة التعبير عن غضبه وألمه في السوشيال ميديا فحسب دون النظر لمن سيحكم مستقبلا...

ثانيا: بالنسبة للجماعة فهي تنتهج سلوكيات مرنة لامتصاص الهجوم بشكل مؤقت مثلما حدث في الستينيات، حين دخلوا مؤسسات الدولة الشرعية كالأزهر وجمعيات أنصار السنة والشبان المسلمين والجمعية الشرعية...وغيرها، ثم مارسوا من خلالها الهجوم الفكري على الاشتراكية وعبدالناصر...

خطأ كبير يقع فيه البعض بالقول أن الإخوان انتهوا من مصر..هذا غير صحيح، هم الآن في محنة شبيهة بمحنة الستينات، وعندما أخرجهم السادات من السجون نشطوا بقوة واكتسحوا الجامعات، فهل كل من نشط في الشارع واكتسح العمل الطلابي وقتها كان مسجونا؟..هذا يقودنا لسؤال آخر مهم..هل عبدالناصر قضى فعلا على الإخوان؟

الإجابة قولا واحدا (لا)

عبدالناصر قضى على الإخوان (سياسيا وقانونيا) ، يعني شكليا فقط..مش هايشتغلوا سياسة وأصبحوا ضد القانون، إنما وجودهم (الأخلاقي والاجتماعي) في مصر كان قويا، بدليل أول ما السادات واجه مراكز القوى وجدنا تصفيقا من الشعب للسادات، ونسي المصريون من الذي حرك الشارع ضد مراكز القوى.

بكل وضوح الذي حرك الشارع مع السادات هم خصوم اليسار المتضررين من حركة التصحيح (يعني الإخوان) ورغم إن التاريخ كاشف لهذه الحقيقة بوضوح إلا أننا نتعامى عن ذكرها في سبيل خدمة إشاعات وإنجازات القضاء على الإخوان لصالح عبدالناصر، وتلتها بعد ذلك في حقبة مبارك كاستذكار.

 وهذا يعني إن القول بفناء الإخوان الآن في عهد السيسي هو غير صحيح جملة وتفصيلا، الإخوان موجودين ويُعزز وجودهم بأخطاء السلطة، لذلك عندما ننتقد الحكومة وبعض قرارات الرئيس  هذا يخدم فكرة خلع الإخوان من المجتمع أساسا وليس اصطفافا معهم مثلما يعتقد ما يسمى لجان الدولجية..وهي لجان متعصبة فاشية التوجه يغلب عليها طابع العنف والتعميم والتخوين ضد كل من ينتقد الحكومة..

باختصار: فكرة المصالحة غير واقعية لا من حيث الأسلوب ولا من حيث الطبيعة ، فهي أسلوبيا يعني الشعب غلطان..وطبيعتها يعني آليات وعمل حركي من جديد..وهذا غير متاح الآن.

لا النظام المصري يقبل بعودة الإخوان، ولا الإخوان يقبلون بالمراجعة الفكرية واستذكار الدروس من فترة حكمهم بعد يناير 2011 

وسبق القول أن الجيل الحالي من إخوان مصر لا يمتلك أفكار حداثية مثل التي يمتلكها بعض من إخوان تونس والمغرب وتركيا عن فكرة الدولة، ولا يوجد لديهم استعداد بمناقشة تصورهم للدولة والشريعة، بل يسارعون كأي وهابي باتهام خصومهم وناقديهم بالكفر إذا دعاهم للنظر في علاقة الدين بالدولة على أساس العصر الذي نعيشه، لا على أساس العصر العباسي الذي أنتج ما يسمى فقه السياسة الشرعية...

ودمتم
المصدر: موقع إضاءات الإخباري