هل وصلت نظرية نهاية التاريخ إلى الشرق الأوسط؟
مقالات
هل وصلت نظرية نهاية التاريخ إلى الشرق الأوسط؟
حليم خاتون
29 تشرين الثاني 2024 , 18:09 م

كتب الأستاذ حليم خاتون:

سار التاريخ ببطء شديد في منطقتنا منذ اغتصاب فلسطين...

تسارعت خطى هذا التاريخ أحيانا كما حدث مع نهوض القومية العربية مع حركة القوميين العرب، مع الناصرية ومع البعث؛ ثم تباطأ إلى أن وصل مرحلة الكارثة مع كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة...

عادت خطى هذا التاريخ إلى التسارع مع نجاح الثورة الإسلامية في إيران...

ثم برز الصراع التاريخي الذي يجري دائما، مع كل الثورات...

بدأ في إيران صراع الثورة مع الدولة...

تبادل الطرفان الإمساك بمقود القيادة في إيران إلى أن قررت أميركا التدخل الفعلي في هذا الصراع...

لم يكن ترامب هو فعليا من اغتال قاسم سليماني...

كان هذا من عمل الدولة العميقة في أميركا...

هناك خطوات تقترب من المغامرة لم تجرؤ الدولة العميقة في اميركا على الإقدام عليها...

سمحت لمغامر مقامر أن يقوم بهذا العمل على أن تبقى هي وراء الستار...

خرق ترامب كل الاعراف والشرائع الدولية...

اعترف بالقدس عاصمة لدولة الكيان بعد ضمها...

اعترف بضم الجولان السوري...

لم يكن هناك أي رد فعل، لا عربي، ولا إسلامي، ولا دولي...

حينها تأكدت الدولة العميقة أن العالم العربي والعالم الإسلامي في حالة موت سريري، وأن نظرية نهاية التاريخ لم تمت بعد ومن الممكن الانتقال إلى الهجوم في كل الجبهات؛ في روسيا، في الشرق الأوسط وفي تايوان...

بعد قاسم سليماني، كرّت سبحة الاغتيالات إلى أن وصلت القمة في إيران مع اغتيال الرئيس السيد رئيسي والوزير عبداللهيان...

...لم يُهزم عبد الناصر حين تحطمت الطائرات على المدارج في فجر الخامس من حزيران ٦٧...

هُزم عبدالناصر حين قام عبد الحكيم عامر بأسوأ تراجع فوضوي للجيوش في صحراء مكشوفة سمحت لاسرائيل بذبح الجنود والضباط المصريين في رحلات صيد تمتع فيها الاسرائيلي بطعم دم هؤلاء المصريين...

لم نر اي فعل مقاومة لأي فصيل أو مجموعة من الجيش المصري...

تم تثبيت هذه الهزيمة مع قبول عبد الناصر وقف إطلاق النار ضمن كل هذه الفوضى...

وقف النار هذا هو ما سمح لاسرائيل بتثبيت انتصارها عبر انشاء مراكز وقواعد تمنع اي هجوم مضاد في المستقبل...

...لم ينتصر عبد الناصر عسكريا في حرب العدوان الثلاثي سنة ٥٦؛ هو صمد فعلا ولم يتراجع حتى تحولت المحنة العسكرية إلى انتصار سياسي...

الصمود والمقاومة هما منذ الأزل من شروط الانتصار...

لم يقرأ حزب الله أبعاد كل هذا...

لم يقرأ أبعاد معنى اغتيال الرئيس رئيسي...

كما لم يقرأ مدى بُعد تدمير أميركا للاقتصاد اللبناني...

لم يقر ولم يرد الاعتراف بتدمير إسرائيل لمرفأ بيروت بعد أن حشره أتباع أميركا في لبنان باتهامات باطلة كان الهدف منها التستر الفعلي على الهدف من هذا التدمير...

أتباع أميركا في لبنان إما عملاء مباشرين لاميركا وإسرائيل كما شارل جبور وطوني بولس ومكرم رباح، وإما عملاء موضوعيين سُذّج كما القاضي بيطار...

في المقابل،

قرأت الدولة العميقة في أميركا كل هذا ووصلت إلى خلاصة مفادها أن الأوان قد حان لتغيير الموازين في إيران لصالح تيار الدولة، والوصول إلى لبنان واغتيال السيد نصرالله وأغلبية القادة من أتباع نهج الثورة الخمينية...

الحقيقة هي ان الدولة العميقة في أميركا كانت تمني النفس بعد الضربات الموجهة إلى حزب الله أن ينهار هذا الحزب نهائيا لكي تُحكِم السيطرة المباشرة على لبنان بعد تقزيم الدور الشيعي إلى درجة تجعل كل الطوائف تحت سيطرة أزلام يدينون بالولاء لها...

فوجئت الدولة العميقة في أميركا بفشل اسرائيلي استراتيجي في الميدان قد يطيح بكل خططها...

سمحت للاسرائيلي بارتكاب كل أنواع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في لبنان كما حصل في غزة؛ علّ هذا يغير من وقائع الميدان...

لكن استمرار صمود حزب الله في الميدان، وخطورة تحول المقاومة في لبنان إلى غزة جديدة هو أكبر بكثير من طاقة إسرائيل وحتى من طاقة أميركا...

هنا برز العقل الجهنمي للصهيونية العالمية...

بخلافنا نحن العرب، يقرأ الغرب والصهاينة تاريخنا...

بدل خدعة حمل المصاحف على الرماح التي طلع بها عمرو إبن العاص في حرب معاوية ضد الخليفة الرابع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، جاء الاميركيون إلى حزب الله بما جاؤوا به في سنة ٦٧ إلى عبد الناصر؛ وقف إطلاق النار...

ألم يكن هذا ما يطالب به محور المقاومة منذ اليوم الأول في السابع من أكتوبر؟...

ألم يستطع الأميركي القضاء على فؤاد شكر عبر خدعة التعهد بعدم استهداف بيروت والضاحية؟

ألم يُلدغ المؤمن من نفس الجحر مرتين حين صدق العرض الأميركي الفرنسي بهدنة ال ٢١ يوما التي انتهت باغتيال السيد نصرالله؟...

لماذا لا يلجأ إلى نفس الخدعة بعد أن حشر حزب الله في تدمير لا يشابهه في التاريخ سوى تدمير الحلفاء لمدينة دريزدن الألمانية في نهاية الحرب العالمية الثانية؟...

بعد بدء "تكويعة" وليد جنبلاط وجبران باسيل ووئام وهاب ونجيب ميقاتي وزيادة شراسة جماعة سمير جعجع وعملاء الغرب في لبنان، زاد الحصار على "خناق" حزب الله...

لم يستطع الاميركيون فرض الاستسلام على حزب الله بفضل صموده الاسطوري في الميدان...

أقل من خمسة آلاف مقاتل مع تجهيزات دفاعية لا تتعدى الكورنيت والكاتيوشا والغراد تصمد في وجه آلة عسكرية من حوالي سبعين الف جندي مدججين بكل وأحدث انواع السلاح، ويتمتعون بغطاء جوي كامل وسيطرة بحرية ومسيرات تجسس واقمار صناعية...

لذا كانت خدعة عمرو إبن العاص الأميركي هي التالي:

اتفاق مُبهم لوقف النار يسمح لاسرائيل بتثبيت مواقعها حيث وصل الجيش الاسرائيلي دون التعرض لهجمات المقاومة...

من اجل التحكيم، جاء الاميركي بقائد الجيش اللبناني جوزيف عون الذي عليه ان يعلن خلع المقاومة كما يُخلع الخاتم من الإصبع، بينما يخرج بقية أعضاء لجنة المراقبة يعلنون تثبيت انتصار إسرائيل كما تشاء الدولة العميقة في أميركا...

قريبا سوف يتم تعيين قيادات في حزب الله بدل الذين اغتالتهم أميركا وحلف الناتو...

إذا كانت هذه القيادات بمجملها سرية وأعلنت الإصرار عل حق المقاومة وعملت على الرد على الخروقات الإسرائيلية يكون قد انتصر في حزب الله تيار الثورة الإسلامية، وتكون المقاومة بألف خير رغم قساوة الضربات...

أما إذا سمعنا من حزب الله ما يشبه تصريح نائب حزب الله الشيخ حسن عزالدين في قناة الجزيرة الذي يشتكي إسرائيل إلى لجنة أميركية فرنسية إسرائيلية، فالعوض بسلامتكم، والى اللقاء مع مقاومة أخرى سوف تنشأ حتما طالما الحذاء الاسرائيلي يدعس على رأس أكبر قطب عربي أو إسلامي في هذا العالم...

أما الخاسر الأكبر في كل ما يحدث، فهي الصين الانتهازية التي تريد الوصول على جثث الآخرين...

ترامب سوف يجبر الدولة العميقة في أميركا على إيجاد لغة حد ادنى مع روسيا وفق رؤية البروفيسور ميرشايمر لهذا الصراع...

أما ايران؛ فرغم أن التقارب الإيراني السعودي جرى عل يد صينية؛ فقد حرصت الدولة العميقة في أميركا على طمأنة التيار الإصلاحي في إيران إلى دور ما في الشرق الأوسط، شرط الإنسحاب من القضية الفلسطينية...

خطت السعودية صوب موقف إيران خطوة واحدة، قابلتها إيران بعشرة خطوات صوب موقف السعودية...

بسبب كل ما ورد اعلاه، وبفضل التيار الاصلاحي في ايران الذي ابتعد عن كل مبادئ الإمام الخميني، يتجه محور المقاومة إلى نهاية سوداء لا ينقذه منها سوى بروز شخصية قيادية تخرج من ميدان الحرب التي دارت في الجنوب، تضرب على الطاولة وتسترجع حزب الله إلى فلسفة هيهات منا الذلة، وانتصار الدم على السيف...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري