الميتفورمين هو أحد الأدوية الأكثر شيوعا لعلاج مرض السكري من النوع الثاني، حيث يُستخدم لتقليل مستويات السكر في الدم، ولكن المفاجأة تكمن في دوره الأوسع: فهو يبطئ نمو السرطان، يُحسّن نتائج علاج مرضى COVID-19، ويقلل الالتهابات. رغم شعبيته واستخدامه لعقود، ظل العلماء عاجزين عن تفسير آلية عمله بشكل دقيق.
اختراق علمي يكشف الآلية الدقيقة
أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة نورث وسترن أن الميتفورمين يعمل من خلال التأثير على الميتوكوندريا، التي تُعرف بأنها "محطة توليد الطاقة" داخل الخلايا. تحديدًا، يقوم الميتفورمين بتعطيل جزء حاسم في عملية إنتاج الطاقة بالميتوكوندريا يُعرف بـ "المركب الأول" (Complex I).
كيف يعمل الميتفورمين؟
الميتوكوندريا هي المسؤولة عن إنتاج الطاقة اللازمة لعمل الخلايا. عند تعطيل المركب الأول، يتوقف إمداد الطاقة في الخلايا المرضية التي تساهم في الأمراض، بينما تظل الخلايا السليمة أقل تأثرا. هذا التفاعل يتيح للميتفورمين تخفيض مستويات السكر في الدم بفعالية.
تم نشر نتائج الدراسة في مجلة Science Advances، وقد تضمنت تجارب على الفئران لتوضيح دور المركب الأول في تقليل السكر.
الجانب التاريخي للميتفورمين
الميتفورمين ليس جديدا؛ فقد تم استخدامه كعلاج للسكري لأكثر من 60 عامًا. يُستخلص هذا الدواء من مركبات موجودة في نبات "الليلاك الفرنسي"، ويُعتبر أحد الأدوية الأساسية لمرضى السكري في جميع أنحاء العالم.
"الميتفورمين هو الخيار الأول لعلاج مرض السكري من النوع الثاني، ويُستخدم أحيانا بجانب أدوية أخرى مثل أوزمبيك و مونجارو"، يقول الدكتور نافديب شاندل، الأستاذ بجامعة نورث وسترن.
تجارب معملية جديدة توضح المزيد
قامت الباحثة "كولين ريتزيك" بتطوير فئران معدلة وراثيًا تحمل إنزيما يُحاكي المركب الأول للميتوكوندريا لكنه لا يتأثر بالميتفورمين. عند مقارنة مستويات السكر بين هذه الفئران وتلك التي لم تُعدَّل وراثيا، أظهرت النتائج أن الميتفورمين يستهدف المركب الأول لتخفيض السكر.
ومع ذلك، لاحظ الباحثون أن الفئران المعدلة لم تكن محصنة بالكامل ضد تأثير الميتفورمين، مما يشير إلى أن الدواء قد يستهدف مسارات أخرى أيضا، وهو ما يتطلب المزيد من البحث.
الميتفورمين وتأثيراته المتعددة
إلى جانب دوره في تقليل السكر، أظهرت دراسات سابقة أن الميتفورمين يساهم في تقليل الالتهابات الناتجة عن التلوث، ويؤدي إلى تعطيل المركب الأول في الخلايا السرطانية التي تحتوي على ناقل للميتفورمين.
"تأثير الميتفورمين المتنوع في تخفيض السكر، تقليل الالتهابات، وإبطاء نمو السرطان قد يُفسَّر جزئيا بتعطيله للمركب الأول"، يقول الدكتور شاندل.
آفاق جديدة لتحسين الصحة العامة
النتائج التي توصلت إليها الدراسة تفتح الباب لفهم أعمق لدور الميتفورمين في تحسين الصحة على المدى الطويل. إذا تأكدت هذه الآلية من خلال أبحاث إضافية، فقد يؤدي ذلك إلى استخدام الميتفورمين في علاجات أوسع تهدف إلى تحسين نوعية الحياة والصحة العامة.
"ربما تساعدنا هذه النتائج في تفسير كيف يمكن للميتفورمين أن يُطيل فترة الصحة الجيدة لدى البشر"، يضيف شاندل.
الميتفورمين لم يعد مجرد دواء لعلاج السكري؛ فقد أظهر قدرات مذهلة في محاربة الالتهابات وتقليل نمو السرطان وتحسين الصحة العامة. الاكتشاف الجديد حول آلية عمله يمنحنا فهما أعمق لهذا "الدواء العجيب"، مع إمكانية توسيع استخداماته في المستقبل لتحسين جودة الحياة والحد من الأمراض.