النوم العميق المعروف أيضا باسم "النوم ذو الموجات البطيئة"، يلعب دورا حاسما في تقوية الذاكرة من خلال تعزيز الروابط العصبية في الدماغ. كشفت دراسة حديثة عن آليات جديدة يمكن أن تُستخدم لتحفيز الذاكرة عبر تحفيز موجه.
الدور الحيوي للنوم في تكوين الذكريات
لطالما عرف العلماء أن الموجات الكهربائية البطيئة والمتزامنة في الدماغ أثناء النوم العميق تلعب دورا رئيسيا في تشكيل الذكريات. لكن سبب ذلك لم يكن واضحا حتى الآن.
نشرت دراسة في Nature Communications توضح أن هذه الموجات البطيئة تجعل القشرة الدماغية – مركز الذاكرة طويلة المدى في الدماغ – أكثر تقبلا للمعلومات الجديدة.
كيف تتكون الذكريات أثناء النوم؟
يرى العلماء أن الدماغ أثناء النوم يعيد تشغيل أحداث اليوم، مما ينقل المعلومات من الحُصين، حيث تُخزن الذكريات قصيرة المدى، إلى القشرة الدماغية التي تحتفظ بالذكريات طويلة المدى.
العامل الأساسي في هذا هو "الموجات البطيئة"، وهي اهتزازات كهربائية متزامنة في القشرة الدماغية يمكن قياسها باستخدام جهاز تخطيط الدماغ الكهربائي (EEG). تحدث هذه الموجات عندما يرتفع النشاط الكهربائي في مجموعات كبيرة من الخلايا العصبية وينخفض معًا بمعدل مرة واحدة في الثانية.
يقول البروفيسور يورغ غايغر، مدير معهد الفيزيولوجيا العصبية في Charité:
"نعلم منذ سنوات أن هذه التغيرات في الجهد الكهربائي تساهم في تكوين الذاكرة. عندما يتم تعزيز النوم ذو الموجات البطيئة صناعياً، تتحسن الذاكرة. لكن حتى الآن، لم نكن نفهم العمليات الدقيقة التي تحدث في الدماغ خلال ذلك."
الموجات البطيئة تعزز الروابط العصبية
استخدم الفريق البحثي أنسجة دماغ بشرية نادرة لتوضيح العمليات التي تساهم في تكوين الذاكرة أثناء النوم. كشفت الدراسة أن الموجات الكهربائية البطيئة تقوي الروابط المشبكية بين الخلايا العصبية في القشرة الدماغية، مما يجعلها أكثر استجابة.
قام الباحثون بدراسة عينات أنسجة مأخوذة من 45 مريضا خضعوا لجراحات في الدماغ لعلاج الصرع أو الأورام. تم محاكاة التغيرات الكهربائية النموذجية للنوم العميق في الأنسجة وقياس استجابة الخلايا العصبية باستخدام تقنية مبتكرة.
توقيت مثالي لتشكيل الذكريات
اكتشف الباحثون أن الروابط العصبية بين خلايا القشرة الدماغية تصل إلى أقصى فعاليتها في لحظة محددة خلال التقلبات الكهربائية.
يوضح الباحث فرانز كزافير ميترماير:
"تعمل المشابك العصبية بأقصى كفاءة مباشرة بعد ارتفاع الجهد الكهربائي من مستوى منخفض إلى مرتفع. خلال هذه اللحظة، تكون القشرة الدماغية في حالة استعداد مرتفعة. إذا قام الدماغ بإعادة تشغيل ذاكرة في هذا الوقت تحديدا، يتم نقلها إلى الذاكرة طويلة المدى بشكل أكثر فعالية."
إمكانية تحسين الذاكرة
يمكن استخدام هذا الفهم الجديد لتحسين الذاكرة، خاصةً لدى كبار السن الذين يعانون من ضعف إدراكي طفيف. تُجرى أبحاث حاليًا لتطوير تقنيات تعتمد على التحفيز الكهربائي عبر الجمجمة أو الإشارات الصوتية للتأثير على الموجات البطيئة أثناء النوم.
يقول البروفيسور غايغر:
"حتى الآن، يتم تحسين هذه الطرق عن طريق التجربة والخطأ، مما يجعل العملية شاقة وبطيئة. لكن اكتشاف التوقيت المثالي قد يتيح تطوير طرق تحفيز دقيقة وفعالة لتعزيز تكوين الذاكرة."
تشير الدراسة إلى أن النوم العميق ليس مجرد حالة من الراحة، بل هو عملية ديناميكية تلعب دورا أساسيا في تعزيز قدرات الذاكرة. ومع التقدم في فهمنا لكيفية عمل الدماغ، يمكن أن نصبح أقرب إلى تحسين الذاكرة باستخدام أساليب علمية موجهة.