هذه المرة نحن من تكلم كثيرا في الوقت الذي كان علينا العمل أكثر والكلام أقل...
ما نفذته أميركا في هذه الحرب في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا واليمن وربما ايران قريبا، له نفس الأهداف التي كانت دوما أهداف أميركا في الشرق الأوسط...
ورثت أميركا كل دول الاستعمار في غرب الكرة الارضية، وصارت الدولة الأعظم على هذا الكوكب...
بعد هزيمة فيتنام، عملت أميركا على الفصل بين الصين والإتحاد السوفياتي ونجحت في النهاية في إسقاط هذا الأخير...
لكنها، ومنذ اواسط الثمانينيات، أدركت أن الخطر القادم على أحادية القطب سوف يأتي من الصين رغم تتويجها الدولة العظمى الوحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كما ورد في نظرية "نهاية التاريخ"، حيث اعتبرت اميركا ان احدا لا يمكنه منافستها وبالتالي سوف تبقى وحدها القوة الاعظم على هذا الكوكب...
في عالمنا، هناك علاقات جدلية تحكم هذا العالم بحيث ان كل نظام او كل دولة تخلق من حيث لا تدري بذور نقيضها، أو حفار قبرها كما تقول قوانين الطبيعة البشرية...
في أميركا مراكز دراسات لا يهملها اهل النظام هناك... وهذه المراكز بدأت بالتحذير من نهوض الصين منذ أوسط الثمانينيات...
لذلك نرى أن هدف أميركا، البقاء دوما الدولة العظمى الوحيدة على الكوكب لا يتحقق الا عبر السيطرة على كل المناطق وكل الساحات دون استثناء...
كما لذلك كان من السذاجة الاعتقاد بأن أميركا سوف تنسحب من الشرق الأوسط او غيره من المناطق من اجل التفرغ للصين...
لذلك تنتشر القواعد الأميركية في كل العالم...
كما لذلك، تحتاج أميركا إلى وكلاء عنها في كل منطقة من مناطق هذا العالم؛ وكيل يلعب دور الشاويش...
لكن أميركا لا تستطيع الاتكال على ضعفاء او أغبياء او حمقى، كما هو حال كل الأنظمة العربية دون اي استثناء...
أهداف أميركا لم تختلف منذ تم زرع إسرائيل في هذه المنطقة...
المشروع الصهيوني هو بحد ذاته مشروع سيطرة استعمارية مطلقة لكل من يطمع في إحكام هذه السيطرة على الشرق الأوسط...
لذلك نادى نابليون بونابرت بهذا المشروع أواخر القرن الثامن عشر...
لذلك تبنت بريطانيا هذا المشروع منذ اواسط القرن التاسع عشر...
كما لذلك عملت كل الدول الكبرى الناتجة عن موازين القوة بعد الحرب العالمية الثانية على تأييد إقامة دولة يهودية في فلسطين؛ وكل دولة منها تطمح بأن يخدم نفوذها في المنطقة اليهود المهاجرين منها إلى تلك الدولة اليهودية...
لذلك لن ترضى أميركا ولا بريطانيا ولا فرنسا ولا ألمانيا ولا روسيا بزوال الدولة اليهودية؛ وكل منهم يعرف ان له في هذه الدولة حصة تمكنه من التحكم بالشرق الأوسط وبالتالي، التأثير على هذا الشرق، وعلى العالم...
الفرق الوحيد هو في تغيير اسم الوكيل او الوكلاء حسب الظروف...
أيام شاه إيران كان الشاه هو وكيل أميركا في الخليج ويشارك تركيا في الوكالة عن وسط آسيا بينما كانت إسرائيل الوكيلة عما تبقى من غرب آسيا وشمال أفريقيا وشرقها...
لم يعر الاميركيون اي اهتمام للعرب...
حاولوا مع جمال عبد الناصر عبر مشروع حلف بغداد دون جدوى...
كان مشروع عبد الناصر القومي الوحدوي أمرا يشكل بحد ذاته خطورة على الهيمنة الاستعمارية؛
لذلك حصرت أميركا وما تبقى من الدول الاستعمارية في الغرب الوكالة في إيران وتركيا وإسرائيل خوفا من اي طموحات قومية توحد اهل المنطقة...
اختلفت المشارع الوحدوية هذه باختلاف حامل هذه المشاريع...
شكلت حركات القومية العربية (الناصرية والبعث خصوصا) خطورة بزوغ قوة محورية في مراحل عدة من التاريخ إلى أن انتهت كلها إلى الهزيمة والاستسلام...
لكن نجاح الثورة الإسلامية في إيران أدى إلى بزوغ محور جديد إسلامي ما لبث أن اخذ صبغة شيعية بسبب تبعية كل الدول ذات الاغلبية السُنّية لأمريكا...
نجح المحور الشيعي حيث فشل الآخرون...
كان النجاح الأول الباهر في بروز حزب الله في لبنان وتمكنه من إلحاق هزيمة مدوية باسرائيل واجبارها على الإنسحاب من معظم اراضي لبنان المحتلة دون قيد او شرط سنة ٢٠٠٠...
رغم كل محاولات هذا المحور في التقرب إلى السُنّة ومناصرتهم في فلسطين خصوصا؛ ولكن أيضا في افغانستان، ثم في البوسنة والهرسك، ثم في كوسوفو...
ألا أن العداء السُنّي للشيعة غلب كل شعور آخر حتى حين تعلق الأمر ببيت المقدس...
رغم كل هذا المحيط من العداء استطاع المحور الشيعي تحقيق انتصار عظيم آخر سنة ٢٠٠٦ على أميركا واسرائيل وكل الاتباع من الأنظمة العربية والإسلامية...
انتصر هذا المحور بسبب بنيانه الحديدي الذي جرى بشكل سري محصور فاجأ المحور الآخر الأميركي الاسرائيلي وكل اتباعه...
ابتلعت أميركا ضربة تموز ٢٠٠٦ في لبنان وبدأت على الفور خطة جديدة للحرب القادمة...
بعد فشل حكومة فؤاد السنيورة في تحجيم قوة المقاومة في لبنان وتمكن حزب الله في السابع من أيار ٢٠٠٨ من إلحاق هزيمة بكل التشكيلات الطائفية التي كانت تتلقى التدريب على أيدي ضباط أردنيين وغربيين بتمويل خليجي دون سقف، زادت الحاجة الغربية للتآمر على هذا المحور الشيعي خاصة مع فشل الحرب الكونية التي شنها الغرب لتفكيك الدولة السورية...
اقتنعت أميركا إنه لا بد من قيام عمليات استخبارية مركزة لاختراق منظومة حزب الله...
تم دمج إسرائيل في القيادة الوسطى لحلف الناتو وأمريكا التي كانت تسيطر على كل بلدان غرب ووسط وجنوب أوروبا، بالإضافة إلى تركيا ومصر والأردن ودول الخليج العربي...
سخّر هذا الحلف كل المعلومات الاستخباراتية وما تجمعه الأقمار الصناعية ومنظومات طائرات التجسس من قبرص واليونان وتركيا بالإضافة إلى إقامة مراكز دراسات لفك "شيفرة حزب الله" بتمويل إماراتي سعودي وتعاون تركي، أوروبي، مصري، أردني وحتى فلسطيني لاختراق هذا الحزب...
لكن اهم سلاح امتلكه حزب الله حتى بدء الحرب على سوريا كان السرية المطلقة مترافقة مع قليل من الكلام، وكثير من العمل وتحضير المفاجآت...
التخالط مع الجيش السوري والجيش الروسي الذي لا يخفي علاقاته المميزة مع العدو الاسرائيلي؛ بالإضافة إلى تمكن حزب الله من إلحاق الهزيمة بكل مجموعات الناتو التي كانت وراء مئات آلاف الإرهابيين التكفيريين من مدارس الوهابية وداعش والنصرة التي لا يزال الغموض يغلف أصول قادتها التي قد تكون حتى من الموساد وخريجي جامعة الفقه الإسلامي في تل أبيب؛ كل هذا جعل الاميركيين يضعون حزب الله في اعلى سلم أولوياتهم...
التقدم التقني الاسرائيلي لم يكن صدفة؛ بل هو جزء من مخطط استعمار فلسطين بحيث انصبت كل جهود الدول الاستعمارية إلى رفع قوة الإقتصاد في دولة الكيان من حوالي ملياري دولار في الخمسينيات والستينيات إلى خمسمائة مليار دولار في وقتنا الحالي...
أن اي دولة تخوض حربا كالتي خاضها العدو الاسرائيلي لا يمكن أن تبقى واقفة على رجليها اكثر من أسابيع...
حزب الله والمحور كانوا يقاتلون حلفا يمتد من أميركا وكندا إلى كل أوروبا وكل الدول العربية تقريبا إضافة إلى استراليا والهند والكثير من الدول الإسلامية من أذربيجان الشيعية إلى كل خليط الإسلام السُنّي الذي لم يأبه لما يجري في فلسطين وكان كل همه ينحصر بكسر حزب الله خصوصا لما في ذلك من تأثير على كل محور الممانعة...
لكن أصعب ما واجههه حزب الله كان عدو الداخل الذي بدأ يسن السكاكين لذبح الحزب...
اضطر الحزب لوقف قصف تل أبيب لحماية بيروت وصيدا وطرابلس وغيرها من المناطق السُنّية والدرزية والمسيحية لكي لا يسمح بتأليب هذه الجموع ضد المقاومة...
وافق حزب الله على ما كان يرفضه منذ اول الحرب رغم ان معارك الميدان كانت تشير بوضوح إلى أن بضعة مئات، لا يزيدون عن خمسة آلاف مقاتل استطاعوا هزيمة خمس فرق إسرائيلية مع عدة ألوية إضافية من القوات الخاصة يزيد عددهم على سبعين الف جندي...
كل هذا إضافة إلى مخازن ومصانع اميركية وبريطانيا والمانية لا تتوقف عن تزويد العدو بكل ما يحتاجه من أسلحة وذخيرة...
حزب الله الذي لا تزيد ميزانيته على عدة مئات من ملايين الدولارات كان يواجه كل هذه الدول التي تزيد ميزانيتها على عشرات التريليونات من الدولار...
دون نسيان أن دول الخليج العربي وتحديدا السعودية والإمارات كانت تعهدت بتغطية اكلاف اي حرب يقوم بها العدو ضد حزب الله...
الخطط الأميركية كانت حاضرة؛ تماما كما كان الحال بعد تموز ٢٠٠٦، وكما كان الحال بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣...
محور الشر الأميركي الصهيوني كان تعلم الدرس بعد حرب ٢٠٠٦...
الخطط جاهزة...
المفاجآت جاهزة(عملية ال pagers )...
الشيء الوحيد الذي كان بإمكانه إفشال كل هذه الخطط، كان المبادرة إلى الهجوم...
عقدة العقد عند العرب منذ جمال عبد الناصر وحتى المحور الحالي كانت دوما التردد، وعدم مباغتة العدو...
تصوروا فقط ماذا كان يمكن أن يحصل لو ان حزب الله بادر إلى الحرب الشاملة منذ الثامن من أكتوبر وكذلك الجبهة السورية والعراق واليمن...
أقل من ساعة كانت تكفي لتدمير كل مقومات العدو...
حتى تفجير ال pagers ما كان لينجح اثناء الحرب لأن خطط الرضوان كانت لتكون قيد التنفيذ...
حتى الشهداء الذين كانوا سوف يسقطون بفعل هذه المفاجآت من العدو الأميركي كان عددهم سوف يكون أقل بكثير بفعل ما كان يمكن أن يفعله هجوم المحور بدل الوقوف في زاوية الحلبة وتلقي الضربات ومحاولة احتوائها...
على الأقل، صار من شبه المؤكد ان السيد حسن كان من هذا الرأي؛ لكن الخليج كان قد اخترق سوريا عبر بشار؛ ومهمة العراقيين في استهداف الأميركيين بشكل خاص في سوريا والعراق لم يحصل بسبب عدم ولاء المقاومة العراقية للقيادة الموحدة للمحور؛ ناهيك عن عدم الصرامة الكافية في إيران حيث كان الإصلاحيون يشلون الرئيس إلى أن استطاعت أميركا وإسرائيل اغتياله عن طريق فخ نصب له في أذربيجان...
ما نشاهده اليوم هو ما حصل فعلا حسب الخطة الأميركية..
شل محور المقاومة عبر نفس خدعة عمرو إبن العاص برفع المصاحف...
تحت بند عدم توسيع الحرب تم تفتيت محور المقاومة بينما كان المحور الأميركي يقوم بكل ما يلزم لمنع تفتت الكيان الذي فقد رشده في الأيام الأولى للضربة، واحتاج إلى كل حقن الفياجرا من الغرب حتى عاد للوقوف...
"ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذُلّو"،
هذا ما حصل مع محور المقاومة...
ولو كان السيد حسن حيا لردد قول الإمام علي،
"أن لا رأي لمن لا يطاع"...
أميركا تهاجم على كل الجبهات...
حسنا فعل حزب الله حين تراجع تراجعا تكتيكيا...
ما حصل في سوريا كشف كل الخطط...
لقد نجا حزب الله من مؤامرة دنيئة حيكت في الظلام...
بعد ستين يوم من بدء وقف النار سوف تعجز الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني عن فرض انسحاب العدو من الحافة الأمامية...
لم نحتج لأكثر من بضعة أيام حتى يبتلع أتباع أميركا من حزب القوات إلى الكتائب إلى بقيه اهل العهر ألسنتهم، ويظهر للملأ أن المقاومة المسلحة فقط هي من يستطيع التحرير وفرض السيادة الوطنية...
المقاومة التي حررت سنة ٢٠٠٠، تستطيع بالالتحام على كامل الارض المحتلة دحر الصهاينة حتى لو كان الاميركيون إلى جانبهم...
لكن،
هل نحتاج إلى الصراخ مرة أخرى لكي نبادر ولا نكتفي بتلقي الضربات...
لقد كان الدرس موجعا...
لو كنا بادرنا إلى لهجوم كانت خسائرنا مهما بلغت لن تقل عن خسائر كيان العدو بالتأكيد...
لقد فوتنا فرصة...
سوف يدفع بقية المحور ثمنها كما حصل مع بشار الأسد...
لكن المهم اننا نعرف اليوم ان جبالنا وارضنا لن يحميها سوى تلك السواعد السمر التي قاتلت في الخيام وشمع وكفركلا وعيتا ومارون...
اتكالنا اليوم هو على الله وعلى هذه القواعد والى اللقاء في معركة التحرير القادمة...