في مشهد يعيد إلى الأذهان نموذج "الحزام الأمني" في جنوب لبنان خلال الثمانينيات، تسعى إسرائيل اليوم إلى إنشاء منطقة عازلة جديدة تمتد على طول 110 كيلومترات، بعمق خمسة كيلومترات في الأراضي اللبنانية وسبعة كيلومترات في الأراضي السورية.
وفي حين يُقدَّم هذا المشروع تحت عنوان "الترتيبات الأمنية المؤقتة"، تكشف الوقائع على الأرض عن استراتيجية إسرائيلية أكثر عمقاً وأبعد مدى. فمنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، لم تتوقف الآليات العسكرية الإسرائيلية عن تدمير البنية التحتية في القرى اللبنانية الحدودية، في نمط يوحي بنية تحويل هذا الاحتلال "المؤقت" إلى واقع دائم.
المفارقة الأكثر إثارة للقلق تكمن في توقيت هذا التحرك الإسرائيلي، الذي يتزامن مع انهيار النظام في سوريا وقرب تولي إدارة ترامب السلطة في واشنطن. وكأن إسرائيل تسعى لاستثمار هذا التحول الإقليمي والدولي لفرض واقع جديد على الأرض.
هنا يبرز السؤال الملح: هل سيؤدي صمت المجتمع الدولي عن هذه "المنطقة العازلة" إلى تحويلها إلى واقع دائم؟ وما هي التداعيات الاستراتيجية لهذا التغيير الجيوسياسي على مستقبل المنطقة؟
إن الدولة اللبنانية مدعوة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، للضغط على الجهات الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار. فالربط بين انسحاب القوات الإسرائيلية وانتخاب رئيس للجمهورية - كما ورد في محادثات هوكشتاين - يمثل ورقة ضغط قوية يجب استخدامها بحكمة.
الخلاصة واضحة: إما أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل حاسم لإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري، أو أن نشهد ولادة واقع جيوسياسي جديد سيكون له تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة بأكملها. والخيار اليوم بين أيدي الضامنين الدوليين - فهل سيتحركون قبل فوات الأوان؟
د. وسيم جابر