بقلم :- راسم عبيدات
الحل يكمن بالإعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في اقامة دولة فلسطينية، الكنيست الإسرائيلي سن قانوناً يعتبر اقامتها خطر على وجوده،واسرائيل التي جربت كل الحلول العسكرية والأمنية،والتي قالت بأنه من الصعب فناء الشعب الفلسطيني أو اختفاءه،ومعركة السابع من اكتوبر ،والتي هزت ركائز قوة المشروع الإستعماري،القدرة على الإحتلال والقدرة على التهجير،وكذلك الفشل الإستراتيجي في الحروب التي شنت على اليمن ولبنان وقطاع غزة،قالت بسقوط مشاريع " اسرائيل الكبرى" او اسرائيل العظمى أو العظيمة.،وهذا يعني بأن قادة اسرائيل على الجبهة السياسية امام تحولات كبرى وعميقة،هذه التحولات تقول بأن تستمر اسرائيل في حروبها المتواصلة في المنطقة ،مع استمرار تراكم الخسارات على الصعيدين الإقليمي والدولي ،أو أن تذهب اسرائيل الى خيار لم يتجرعه او يتقبله قادة اسرائيل حتى اليوم،ألا وهو الذهاب الى خيار حل الدولتين،لكي ينقذ اسرائيل مما وصلت اليه من حالة انهيار،واعتقد أنه بعد معركة السابع من اكتوبر،ومالاتها وتداعياتها الكارثية والتي تعبر عن فشل وجودي،سيضع اسرائيل أمام ثلاث خيارات صعبة ومعقدة،حسب ما قالته مجلة "فورن بوليسي" الأمريكية ،أولها الإنقسام،إنقسام اسرائيل الى حكومتين بعد سقوط حكومة الحرب،واقامة دولة للمستوطنيين،وثانيها بقاء اسرائيل موحدة مع الذهاب الى حرب اهلية،بين المستوطنين وبين سكان المدن الكبرى مدعوماً من قبل المؤسسة الرسمية الإسرائيلية،وثالثها ذهاب اسرائيل نحو الصوملة والإنهيار الإقتصادي الكبير والهجرة المعاكسة الكثيفة وبما ينتج دولة فاشلة، وتصبح اسرائيل جمهورية من جمهوريات الموز العالمثالثية .
هناك اجماع في اسرائيل بأنها فشلت في تحقيق اهداف الحرب ،نتنياهو فشل في الجانب السياسي والجيش فشل في الجانب العسكري،واقرار بأنه رغم شدة الضربات التي تعرضت لها المقاومة الفلسطينية،لكنها لم تتمكن من القضاء عليها،ونتنياهو الذي كان يقول أنه في عام 2023 لن يكون هناك حماس في قطاع غزة،ها هو في 2025 يتفاوض مع حركة ،والتي ما زالت تمسك بالسلطة وإدارة القطاع،والمقاومة لم تنته او تخرج من المشهد،بل نتنياهو وجيشه سيضطرون مجدداً للتساكن مع المقاومة على حدود قطاع غزة وعلى الحدود اللبنانية.
الإعلام الإسرائيلي قال حول الإقرار بهزمة اسرائيل وعدم تحقيقها لأهدافها،هذا عقاب جماعي لنا على الأخطاء التي ارتكبت منذ السابع من اكتوبر،ولذلك هذا هو حجم الكارثة وثمنها.
رئيس الموساد السابق، تامير باردو، خلال حديثه إلى القناة العبرية 12، أعاد التذكير بحرب فيتنام في العاصمة سايغون، وقال: “في اليوم الأخير من الحرب، كان هناك ضابطان برتبة عقيد، أميركي وآخر من شمالي فيتنام. حينها قال الأميركي للضابط الفيتنامي: “في كل الحرب، نحن لم نخسر في معركة واحدة”، ليرد عليه الأخير: “قد يكون هذا صحيحاً، لكن في صباح يوم غد، أنتم ستغادرون ونحن سنبقى”.
أما رئيس مجلس الأمن القومي السابق غيورا ايلاند وصاحب خطة الجنرالات لفصل شمال غزة عن جنوبها ،فقد قال بأن الحرب فشلت فشلاً ذريعاً وبأن حماس انتصرت.
الزلزال الذي حل في اسرائيل،سيكون له الكثير من الهزات الإرتدادية، ستصاحب اسرائيل لأشهر او لربما لسنوات، فحكومة الحرب الحالية، هناك بوادر على تفسخها وسقوطها،حيث زعيم " القوة اليهودية" بن غفير أعلن انه وحزبه سينسحبان من الحكومة والإئتلاف،احتجاجاً على الصفقة الكارثة،والتي وصفها بالخطر على الأمن القومي الإسرائيلي،وبأنها استسلام لحماس،وسموتريتش زعيم "الصهيونية الدينية" الذي كان يحلم بالعودة للإستيطان في قطاع غزة،والذي يشاطر بن غفير وجهة نظره بكارثية الصفقة ووقف إطلاق النار دون تحقيق اهداف الحرب الإستراتيجية،فلا نصر حاسم تحقق ولا خطة جنرالات في شمال قطاع غزة تحققت،ولا طرد ولا تهجير لا قسري ولا طوعي،والأهم من ذلك المقاومة الفلسطينية لم تفن.
يبدو بأن الحسابات ستكون قاسية بعد توقف الحرب،حيث الصراعات والإنقسامات والخلافات ستطفو على الساحة السياسية،وهي ستعيد تلك الخلافات والإنقسامات الى ما كانت عليه قبل السابع من اكتوبر ،صراعات سياسية وخلافات مجتمعية،تقرب دولة الإحتلال من الحرب الأهلية.
نتنياهو الذي بقي يحاول ويناور حتى اللحظة الأخيرة لكي يتهرب من الإتفاق الذي فرض عليه،بفعل صمود المقاومة الأسطوري،والخسائر الكبيرة التي اصابت جيشه في حرب استنزافية طويلة،والضغوط الكبيرة الداخلية التي تعرض لها، والخارجية وخاصة من قبل الرئيس الأمريكي ترمب،والذي أعاد تحذيره بضرورة الإلتزام بتطبيق الإتفاق،وإلا فإن جحيماً سيفتح في المنطقة،وقال لنتنياهو عليك القيام بما يجب القيام به.
نتنياهو الذي قال بأن اسرائيل ستعود الى الحرب وبموافقة امريكية،وهناك تطمينات من الرئيسين الأمريكي الراحل بايدن والقادم ترمب،وبأنه سيعزز الأمن والسيطرة على محور فلادلفيا،وان الجيش والحرب حققت اهدافها،كل ذلك لن يسعف نتنياهو،فالعودة للحرب بعد عودة سكان شمال قطاع غزة،سيصعب من العودة للحرب،وكذلك الجيش الإسرائيلي منهك ويحتاج للراحة والتدريب.
نتنياهو يدرك بأن توقف الحرب ،سيشكل مخاطر على مستقبله السياسي والشخصي،فعدا الإنقسامات والصراعات السياسية،فهناك لجان تحقيق سيتم تشكيلها على غرار لجنة " فينوغراد 1" التي تشكلت بعد حرب تموز /2006 العدوانية على المقاومة وحزب الله اللبناني،والتي فشلت ايضاً في تحقيق اهدافها الإستراتيجية، لا شرق اوسط كبير تشكل ،ولا حزب الله تم القضاء عليه،ولا جنود اسرى تم استعادتهم،ولذلك لجنة التحقيق أطاحت برئيس الوزراء الإسرائيلي انذاك يهود اولمرت والعديد من القيادات العسكرية والأمنية،ونتنياهو لن يكون بمنأى عن المساءلة والمحاسبة عن الإخفاقات الأمنية والعسكرية الكبيرة في السابع من اكتوبر ،وعن الهزيمة التي لحقت بجيشه، ناهيك عن ان هناك تهم منظورة ضده أمام القضاء الإسرائيلي،ويحاكم عليها،الرشوة وسوء الإئتمان وخيانة الأمانة،وهذه التهم مجتمعة تقول ،بأن نتنياهو سيكون مصيره السجن لا محالة.
أريد أن أذكر هنا بان وزير الحرب الإسرائيلي كاتس الذي أعطى شرعنة للمستوطنين من اجل القتل بالإفراج عن مستوطنين معتقلين ادارياً على خلفية اعتداءاتهم على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية والقدس،وبأنه لن يصدر اوامر اعتقال إدارية جديدة بحق المستوطنيين،ومن التجارب السابقة،فغلاة المستوطنين،بعد توقيع اتفاق أوسلو، أقدموا على تنفيذ عملية اغتيال بحق رابين في تشرين ثاني 1995،وكذلك نفذ المجرم باروخ غولدشتاين مجزرة بحق المصلين المسلمين في الحرم الإبراهيمي في الخليل ،شباط 1994،ولذلك من غير المستعبد ان يرتكب هؤلاء المستوطنين مجازر بحق الفلسطينيين.
المهم بعد ان قاد الفشل الإستراتيجي في الحروب التي قادتها اسرائيل ضد اليمن ولبنان وقطاع غزة،وسقوط مقولات اسرائيل الكبرى واسرائيل العظيمة والعظمى،وبعد ان هز هذا الفشل الإستراتيجي ركيزتين من ركائز قوة المشروع الإستعماري، القدرة على التهجير والقدرة على استمرار الإحتلال وتوسيعه،فإن رعاة اسرائيل ومشروعها،باتوا يبحثون عن خيار انتاج قيادة سياسية اسرائيلية تقبل بحل الدولتين،حتى لا يتفكك المشروع الإستيطاني على ارض فلسطين،ولذلك بعد حرب غزة الدامية،والتي جلبت كل العالم الى غزة من أجل وقفها،قالت بشكل واضح بأن الحل يكمن في السياسة وليس بالحلول العسكرية والأمنية،فهل سنقف امام قيادة اسرائيلية قادرة على السير في هذا الخيار؟؟.
فلسطين – القدس المحتلة
19/1/2025