رحيل فارس الميدان وحارس الوحدة الوطنية
لم يكن يوم أمس يوماً عاديا في تاريخ المقاومة والشعب الفلسطيني بشكل عام، والجبهة الشعبية بشكل خاص، حيث غادرنا في هذا اليوم القائد الفلسطيني الكبير، واخر عمالقة الثورة المقاومين، غادرنا إلى حيث لا يعود أحدا.
غادرنا بعد أن أمضى أكثر من ستين عاماً في النضال من أجل فلسطين، ودفاعا عنها منذ انتسابه إلى حركة القوميين العرب في مطلع الستينات من القرن الماضي، ومشاركته في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وجهازها المقاتل، الي جانب القادة والمؤسسين الكبار، جورج حبش، وديع حداد، أبو علي مصطفى، وأبو ماهر اليماني وغسان كنفاني وغيرهم.
أكثر من ستين عاماً والراحل الكبير يقاتل على كل الجبهات العسكرية والسياسية والفكرية باقتدار وعنفوان، متسلحا بإرادة قوية وإيمانا بحتمية الإنتصار.
أكثر من ستين عاماً كان أبو احمد يجوب الأرض بالطول والعرض، يتنقل جسده من مكان إلى آخر، من بلد إلى آخر، من فلسطين إلى موسكو، إلى عمان، ومن عمان إلى بيروت، ومنها إلى دمشق والجزائر وتونس، ومن البلدان العربية إلى بكين وفيتنام وكوبا وغيرها، لم يكن يهدأ أويستريح، كان حاضرا ومشاركا في كل المؤتمرات الداعمة للقضية الفلسطينية حيثما كانت وكان دوما حاضرا حيث تحضر فلسطين.
أما قلبه بقي في فلسطين، في القدس في سلوان مكان ولادته، لكن روحه بقيت تطوف فوق تراب فلسطين من غزة إلى جنين ومن نابلس إلى الناصرة وام الفحم ومن طولكرم وقلقيلة الى حيفا ويافا وعكا تطوف فوق الأرض التي عشقها وقاتل طوال حياته دفاعا عنها.
ستون عاماً بقي أبوأحمد حاملا سلاحه، ويقاتل في مختلف الساحات والميادين .
تشهد له معركة الكرامة، ومعارك جرش وعجلون، كما تشهد له معارك الجنوب في لبنان في مواجهة الاجتياح الصهيوني عام 1978، والغزو “الإسرائيلي” عام 1982، حيث قاد وخاض ملاحم بطولية في مواجهة العدودفاعا عن الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وقدم نموذجاً يحتذى به.
أبواحمد فؤاد كان قائداً متواضعاً عاش وسط أبناء شعبه في المخيمات وشاركهم همومهم، وساعد في حل مشاكلهم، كان ملتصقا بشعبه، لم يعش في القصور والفلل، وفنادق ال ٥ نجوم، ولم يركب افخم السيارات. عاش حياة المخيم والمساكن الشعبية، وكثيرا ما كان يقود سيارته بنفسه بعيدا عن المظاهر.
أبواحمد فؤاد كان نقيا طاهرا إلى درجة القداسة لم يتلوث بالفساد كما هوحال الكثيرين غيره من القيادات.
بقي طوال حياته أميناً على دماء الشهداء والجرحى ومقاتلا، من أجل إطلاق سراح الأسرى.
أبواحمد فؤاد بقي حاملاً راية المقاومة ولم ينحن أويتراجع وبقيت بوصلته تؤشر إلى فلسطين، إلى القدس، إلى غزة،
كان قائداً متواضعاً بلا حدود، حازما في مواقفه دون تردد.
كان شجاعاً في الدفاع عن رأيه، وكان محاوراً مميزا يستمع إلى رأي الآخرين، يعرف متى واين يضع الفواصل والنقاط وكيف يحدد الموقف.
كان مرنا إلى أبعد الحدود في رسم التكتيك، لكنه صلبا في الدفاع عن الاستراتيجية، ولم يسمح يوما لـ التكتيك أن ينتهك الاستراتيجية
كان متمكن من كل ماهو جوهري، وقد شهدت له الحوارات الفلسطينية التي شارك فيها من أجل الوصول إلى الوحدة الوطنية.
نعم لقد كان أبوأحد فؤاد حارسا للوحدة الوطنية مدافعاً عنه بكل ما يملك من قدرات.
قاتل ضد الانقسام الفلسطيني بكل ما يستطيع
دافع عن المشروع الوطني الفلسطيني بكل قوة وكذلك عن خيار المقاومة
رفض اتفاقيات أوسلو وحاربها بلا هوادة وبقي متمسكا بمنظمة التحرير وميثاقها وثوابتها الوطنية عندما اختطفها البعض وتخلى عن ميثاقها ، وتركها البعض الآخر
رفض أن يتم استخدام سلاح الوحدة كمبرر للاستسلام والتخلي عن خيار المقاومة
أبواحمد فؤاد تبوأ العديد من المناصب في الجبهة وصولاً إلي موقع المسؤول العسكري للجبهة طوال سنوات عديدة، وكان عضوا في المكتب السياسي للجبهة منذ أكثر من ٥٠ عاماً، كما تحمل مسؤولية الدائرة السياسية للجبهة لأعوام عدة، وانتخب في المؤتمر الوطني السابع للجبهة نائباً للأمين العام وقد حقق خلال مسيرته العديد من النجاحات توجت بعقد المؤتمر الوطني الثامن وانتخاب قيادة جديدة للجبهة
قبل كل هذا وذاك كان ابو احمد فؤاد القائد الإنسان المحب لشعبه ورفاقه كان يسأل عن أحوالهم باستمرار و حريص على متابعة اخبارهم.
قبل ما يقارب الشهرين إتصل معي أحد الرفاق من دمشق، سألني ما هي اخبارك وكيف صحتك وقال لي لقد طلب مني الرفيق ابو احمد فؤاد أن أطمئنه عنك، سالته عن اخبار ابو احمد وقلت له إنني أحاول الاتصال معه منذ فترة دون جواب، اجاب الرفيق ان ابو احمد في المستشفى ووضعه صعب.
نعم هكذا كان ابو احمد طوال حياته يسأل عن رفاق الدرب، حتى وهو يرقد على سرير في المستشفى
كان جسده يقاوم المرض، وروحه تقاوم في غزة وجنين والقدس
كان يسأل هذا ويستفسر من ذاك عن أوضاع شعبنا في غزة وعن مباحثات وقف إطلاق النار
وبقي يقاوم ولم يستسلم ولم يرحل الا بعد أن اطمأن على أهل غزة وتأكد من الاتفاق على وقف إطلاق النار، كم كنا نتمني أن يبقى حيا حتى يلتقي رفاقه الأسرى بعد تحريرهم وفي مقدمتهم رفيق دربه احمد سعدات الأمين العام للجبهة. الذي فصل بين رحيله وإطلاق سراحهم ساعات قليلة.
نعم غادرنا الرفيق ابو احمد إلى العالم الاخر وهو يحمل رسالة إلى رفاق دربه والقيادات الفلسطينية و قيادات المقاومة اللبنانية والعربية وقيادات وشهداء محور المقاومة الذين سبقوه على هذا الدرب يقول لهم رغم التضحيات الكبيرة جدا التي قدمها شعبنا في اشرس معارك المواجهة مع العدو الصهيوني مدعوما من الولايات المتحدة ودول الغرب الاستعماري ورغم الخذلان العربي الا انه انتصر عندما افشل مخططات العدو في تحقيق أهدافه المعروفة هذا الفشل التي ستظهر نتائجه بوضوح في الأيام والأسابيع والأشهر القادمة
نعم لقد ذهب الرفيق ابو احمد ليحتفل مع الشهداء، ذهب ليحتفل مع شهداء طوفان الأقصى وفي مقدمتهم سماحة السيد حسن نصرالله وقادة حزب الله العظام، ذهب ليحتفل مع قادة المقاومة في حماس والجهاد والجبهة الشعبية وكافة فصائل المقاومة...ذهب كي يحتفل مع يحي السنوار وإسماعيل هنية و العاروري و نضال عبد العال
..ذهب كي يحتفل مع كل شهداء الثورة الفلسطينية
شهداء محور المقاومة.
مع رحيل القائد الكبير ابو احمد فؤاد خسرت الجبهة الشعبية والشعب الفلسطيني وحركة التحرر العربي و العالمي أحد أبرز رموزها واكثرهم صدقا و وفاءاً وتضحية
لقد ارتبطت شخصياً مع الرفيق ابو احمد فؤاد بعلاقات رفاقية وصداقة و محبة لأكثر من ٥٠ عاماً كان خلالها رفيقا وقائداً و معلما تعلمت منه الكثير.
لقد أدى الرفيق ابو احمد رسالته بكل اقتدار و قام بواجبه بامتياز
و حان الوقت الآن كي يستريح الجسد وأن تبقى المواقف والممارسة والروح تقاوم.
وبمناسبة رحيله أتوجه باسمي وباسم عائلتي، باسم ال ناصر في الوطن والشتات بخالص التعازي لزوجته العزيزة ام احمد ولبناته وابنه احمد، ولعموم ال مراغي حيثما تواجدوا والتعزية الخاصة لقيادة وكوادر وأعضاء الجبهة الشعبية والشعب الفلسطيني
واقول أن الجبهة الشعبية التي أنجبت كبار القادة الحكيم وابوعلي و وديع وغسان واليماني وغيرهم من كبار القادة قادرة على إنجاب من هو قادر على تحمل المسؤولية و مواصلة المسيرة حتى تحرير كل فلسطين، ومهما كتبنا عن الرفيق أبي احمد تعجز الكلمات عن إلوفاء له فهو اكبر من كل الكلمات والمقالات.
رحم الله الرفيق ابو احمد فؤاد واسكنه فسيح جناته
سلام لك و سلام عليك، يارفيقنا الأصيل..يارفيق الدرب الطويل والزمن الجميل
ختاما،
لا نقول و داعا أبا أحمد فؤاد بل نقول إلى اللقاء..إلى اللقاء
طارق ناصر ابو بسام
براغ ١٩/١/٢٠٢٥