كتب الأستاذ حليم خاتون:
إنه فيلم أميركي طويل بدأنا نعيشه في لبنان...
اتفق الطرفان في أميركا
الدولة العميقة، والشعبويون (دونالد ترامب والمحافظون الجدد) على وجوب سحق حزب الله...
هل نجحوا في ذلك؟
حتى الآن الأمور غير واضحة...
قد يكون انهم لم ينجحوا بعد؛ لكن من المؤكد أن المقاومة بدورها لم تنجح بالشكل الكافي في التصدي لآلة التدمير والسحق التي تلبس قفازات ناعمة هذه الأيام...
يبدو أن الأميركيين قد قرروا أن الحل الوحيد لنجاح مخططاتهم في سحق المقاومة سوف تكون عبر سحق الجميع في لبنان، بما في ذلك أقرب الناس إليهم ( قد يكون سامي الجميل أكثر من تنبه لهذا الأمر؛ لذلك، هو يحاول العمل على العودة الى لبنان التقليدي، بينما يشكل سمير جعجع مع من حوله رأس الرمح الطائش في المعادلة الاميركية الجديدة)...
من اجل هذا،
كان القرار الفوري بعد النجاح في فرض الجنرال جوزيف عون الذي حاول إمساك العصا من الوسط في كل شي؛ كان القرار باستبدال ميقاتي او اي شخص من المنظومة المعروفة والإتيان بنواف سلام...
لماذا نواف سلام؟
من هو نواف سلام؟
ما يهمنا في شخصية نواف سلام هو أنه ينتمي سياسيا إلى تلك الفئة من النضال العربي التي تؤمن بما يسمى "النضال!" السلمي حصرا؛ تماما كما نظرية محمود عباس في فلسطين حول المقاومة المدنية التي لا تمت الى النضالات السلمية العالمية بأية صلة...
لا يهم أن يكون نواف سلام "قاتَلَ" في حركة فتح؛ او أن يكون انتمى في فترة ما إلى تيار اليسار الشيوعي الجديد...
لقد أدى هذا اليسار الجديد إلى نهاية النضال الفعلي لمعظم الأحزاب الشيوعية في أوروبا...
كان هذا اليسار الجديد متمثلا في لبنان بمنظمة العمل الشيوعي؛ وفي فلسطين، بالجبهة الديمقراطية التي انشقت عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين...
هاتان المنظمتان بدتا في الفترة الأولى أكثر راديكالية من الحزب الشيوعي اللبناني ومن الجبهة الشعبية...
لكن سرعان ما انحدرتا إلى مواقع يمينية باتجاه التماهي مع المشاريع الأميركية في المنطقة...
صار محسن ابراهيم أمين عام منظمة العمل الشيوعي مستشارا غير رسمي لوليد جنبلاط وياسر عرفات؛
انتهى الأول إلى الخيارات الغربية (فرنسية أحيانا، أميركية في معظم الأحيان بحكم تبعية فرنسا للعم سام)؛ وانتهى الثاني إلى توقيع اتفاقية أوسلو التي جردت الشعب الفلسطيني من الكثير من حقوقه التاريخية عبر التوقيع على تشريع سرقة هذه الحقوق، إلى أن انتهينا إلى سلطة محمود عباس التي تقوم باعتقالات لصالح الكيان، وتقاتل اليوم في جنين وبقية الضفة الغربية نيابة عن هذا الكيان...
دور نواف سلام سوف ينتهي إلى محمود عباس لبناني مع مستشارين من امثال ياسر عبد ربو في فلسطين...
ربما كان لا بد من إيراد كل ما سبق للإشارة إلى من يعتقد بإمكانية قيام دولة في لبنان على يد نواف سلام أن يعد إلى العشرة قبل اي شيء آخر...
لقد جيء بنواف سلام من المحكمة الدولية لأكثر من سبب اهمها إعادة تركيب المحكمة على "الذوق" الأميركي مع القاضية الأوغندية المؤيدة بقوة للكيان الصهيوني، والعمل في لبنان على قيادة البلد بطريقة يكون فيها نواف سلام بريمر لبنان على "خفيف"، وعلى مراحل...
مهمة نواف سلام سوف تقوم على تدجين المقاومة في لبنان قبل ذبحها عبر مجموعة بدأت تحيط بالرئيس جوزيف عون وسوف تدخل الحكومة تحت يافطة التيكنوقراط، ولبنان أولا؛ قبل أن يتم استبدال الجميع لاحقا بأصلاء من وزن وليد فارس التابع بالكامل لل CIA...
قرار الكيان بعدم الإنسحاب الكامل من جنوب لبنان وفقا لاتفاق تمت صياغته بذكاء أميركي بناء على غباء لبناني هو قرار أميركي أصلا...
وضع الاميركيون البراغماتيون عدة احتمالات:
إذا قامت مقاومة لها آفاق نجاح رغم سقوط سوريا ودخول اسرائيل وتشكيل ما يشبه كماشة ضد هذه المقاومة، سوف يفرض الأميركيون حينها انسحابا كاملا من لبنان بعد بيع فكرة ان الشرعية الدولية هي التي أعادت إلى لبنان مناطق خسرتها المقاومة بفضل هذا الاتفاق الغبي...
أما إذا تبين أن سحق حزب الله وتدجين من يتبقى قد نجح، وكذلك نجح سحق اية فكرة للمقاومة والتحرير في جنوب لبنان، عندها ينتقل الاميركيون إلى مراحل تالية من بناء الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أميركي، وينتهي لبنان إلى مزرعة تابعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة وتنتهي كل أدوار لبنان السابقة التي كان الأميركيون بدأوا بقتلها مع اندلاع الحرب الأهلية سنة ٧٥...
عندها، تتكرس مركزية تل أبيب المالية على حساب بيروت...
يصبح مرفأ بيروت فرعا من فروع هيمنة حيفا...
يتحول لبنان كما جرى في التسعينيات إلى مجرد مقهى وكازينو في هذا الشرق كما حصل مع رام الله...
ويتحول "المناضلون!!" خصوصا، والاحزاب عموما إلى Body guards للعلب الليلية كما تحول كثيرون من جماعة حركة فتح في رام الله...
١٧ أيار سوف يكون لا شيء مقارنة بما سوف يحصل...
ينتهي العرب إلى قوادين في أماكن، وإلى رجال الدين الإبراهيمي الجديد الذي عليه ان يختزل كل الثقافات الشرقية ويعلّبها في كراتين جاهزة بعد تصفية الاقليات المزعجة وفرض ثقافة الكاوبوي الأميركي...
كل شيء يقف على ماذا سوف يحصل، وكيف سوف يتصرف المناضلون الحقيقيون في لبنان...
هل تنجح المقاومة الجديدة من الإنطلاق من جديد على أنقاض مَن وقّع، ومَن قبِل باتفاق الغباء التاريخي وسياسة خطوة إلى الامام خطوتين إلى الخلف في قرارات المقاومة التي دارت في الشهور الأخيرة؟
بانتظار خروج من قاتل على الحافة حتى اليوم الأخير قبل اصطدام الواقع بجدار التخلف الذي أدى إلى الكارثة...
لبنان على مفترق طرق:
إما حرية وكرامة وطنية وسيادة فعلية وقيام دولة العدالة والقوة...
وإما العودة إلى لبنان المزرعة، لكن هذه المرة مزرعة بشر في "عصر الزنوج والامريكان"...